2021/02/23

حسن أحراث // استراحة مناضل: فبراير، شهر اعتقالي سنة 1984


"فبراير بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا فبراير... بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ" (معذرة للشاعر المتنبي). 

مر حتى الآن 37 فبراير/شباط، أي 37 سنة على اعتقالي.. اعتُقلت في السنة الخامسة والعشرين (25) من عُمري "الشقي"، بالضبط يوم الاثنين 27 فبراير 1984، وكُنت حينه طالبا أستاذا بالمدرسة العليا للأساتذة بمراكش، شعبة الرياضيات.

جديدك يا شهر اعتقالي الشاهد الوفي على مساري النضالي هو انتفاضة 20 فبراير 2011 المجيدة، الانتفاضة المُؤرقة للأعداء و"الأصدقاء"، وحتى الرفاق..

كتبت سابقا ما يلي:

"إبان ذلك الجو المرعب الذي عرفته مدينة مراكش بعد انتفاضة يناير 1984 البطولية، كنت ناذرا ما أقضي الليل في منزلنا، الحي المحمدي الشمالي أو الوحدة الثالثة أو ما يُعرف بديور المساكين بلوك 32 رقم 02 الداوديات، وقد بدأت حيطتي مُنذ أول تهديد حقيقي باعتقالي، قبل اندلاع الانتفاضة، أي منذ الأحداث الدامية المُفاجئة التي أُغلقت على إثرها المدرسة العليا للأساتذة بمراكش حيث كُنت مُسيرا لجمع عام بأحد مدرجات المدرسة قبل التدخل العنيف للأواكس. كان ذلك بالضبط في ظهيرة اليوم الذي أُعلن فيه عن وفاة الأمير عبد الله، أحد أيام دجنبر 1983. إلا أن حيطتي كانت شكلية ولم تُراع خطورة تلك الظرفية ولم تنظر الى الأمور بالجدية الكافية رغم حملة الاعتقالات الهستيرية التي شهدتها المدينة وخاصة اعتقال مناضلين شاركوا الى جانبي في مهام نضالية كتوزيع المناشير.

وكانت الواقعة في الصباح الباكر من يوم الاثنين 27 فبراير 1984، كنت نائما فاستيقظت على وقع طرق جنوني على الباب. ولم أكد أرتدي ملابسي حتى ملأت الخفافيش المنزل واقتحمت الغرفة، لأجد نفسي في لمحة البصر مُقيدا ومشلول الحركة… تلك كانت البداية/النهاية… نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى…"

لا أخفي، أولا، كم أعتز الآن ودائما بتلك المرحلة التي "صنعتني" ثوريا، رغم أن الكُلفة كانت باهضة، أي حصاد 15 سنة سجنا نافذا. ولا أخفي، ثانيا، أني تحملت حينذاك الصدمة "بروح ثورية". لأني كنت أدرك أن النظام لا يرحم، وكان ذلك سر صمودي ومُواصلة المعركة بكل تحد وشموخ الى اليوم وحتى النهاية. ولا أخفي، ثالثا، دعم رفاق أبطال من طينة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري ورفاق آخرين من داخل السجن ومن خارجه، وجنود الخفاء الذين آزروا (في حدود الممكن) عائلتي طيلة محنة الاعتقال، من سجن الى آخر ومن دهليز الى آخر وإبان الحصار والإضرابات عن الطعام الماراطونية.. 

وأُضيف أن المرحلة عموما كانت مرحلة ثورية بامتياز. وكانت الحركة الماركسية اللينينية المغربية مُعبئة ومُحفزة. وكان الشهداء رموزنا، وخاصة الشهيد عبد اللطيف زروال والشهيد عمر بنجلون والشهيدة سعيدة المنبهي والشهيد محمد كرينة والشهيد رحال جبيهة وشهداء الانتفاضات الخالدة منذ الخمسينات...

وكان المعتقلون السياسيون فُرساننا، وخاصة معتقلي السجن المركزي بالقنيطرة..

وكانت حركة طلابية ثورية وعُنوان التضحية والبذل والعطاء بكل سخاء..

وكانت الانتفاضات الشعبية، خاصة انتفاضة 20 يونيو 1981 وانتفاضة يناير 1984..

وكانت دينامية ثقافية مُتواصلة من خلال الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والجمعيات والنوادي السينمائية والمجلات.. 

وكانت فلسطين، القضية المُلهمة..

وكانت حركات التحرر الوطني مُشتعلة بمختلف مناطق العالم..

وكان "جدار برلين" صلبا، بما يرمز اليه من صراع ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية..

وكان بالمقابل القمع الشرس والاستغلال الأسود والتشريد والضياع..

أما الأحزاب السياسية والقيادات النقابية فلم يكن يُحسب لها حساب بسبب هامشيتها وضعفها وتواطئها. كانت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل قُوة نقابية حاضرة أكثر من غيرها، بالنظر الى زخم ميلادها وانخراطها في بعض المعارك العمالية..

وحتى لا أنسى، كانت الخيانة في زمننا مرفوضة ومُدانة (خط أحمر)، بل جريمة. وأقصد بهذه الإشارة كيف صارت الخيانة اليوم "وجهة نظر" (معذرة للفنان ناجي العلي)، وكيف صار التطبيع مع الكيان الصهيوني "وجهة نظر" ووطنية، وكيف صار المناضل غريبا والانتهازيُ حليفا.. 

وحتى لا أنسى، كيف يصيرُ القُبح جمالا...

وكيف يمسي الجمالُ قُبحا...

يا شهر فبراير، لماذا تُحرك فينا المواجع؟

لماذا عُدت؟ ماذا تُريد منا؟ 

هل تُراقبنا أم تُحاسبنا؟

هل تُعاقبنا؟ كل سنة نجدك أمام أبوابنا/أعيننا..

تُريد الحصيلة؟

فعلا، وبدموع الحسرة، خان "الرفاق" (ليس كل الرفاق) وتشتت الشمل..

فعلا، نُتهم الآن من طرف "الرُويبضة"، جهابدة هذه المرحلة الموبوءة بشتى التهم (العدمية، والجملة الثورية، والأيادي المكسورة...). لكن، تأكد يا شهر فبراير، إننا لا نعيش أرذل العمر السياسي..

إننا نُوجع "القامات" الضالة عندما نجهر بالحقيقة المؤلمة وعندما نضع النقط على حروفها بالأبيض والأسود..

إننا نُوجع النظام القائم والقوى الرجعية والإصلاحية (ظلامية وشوفينية وانتهازية وتحريفية...) عندما نُوجه بوصلة شعبنا نحو المستقبل السعيد..

تأكد يا تاريخ، إننا نعيش الميلاد المُتجدد المُخضب بدماء الصراع الطبقي..

إننا نولد من رمادنا، عمال وفلاحون وعموم الجماهير الشعبية المضطهدة..

اشهد يا فبراير (شباط)، كما يشهد حزيران (يونيو)...

إنها استراحة مناضل ثوري..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق