2021/02/25

أحمد بيان// هل يكفي أن نخرج الى الشارع؟


خرجت الشعوب المضطهدة الى الشوارع مرات ومرات، ونادرا ما عادت
سالمة جراء الأساليب القمعية الدموية. فمع كل خرجة تحصد الشهداء والمعتقلين السياسيين والمصابين والمشردين والمنبطحين والمنهزمين أيضا، ونادرا ما عادت غانمة. 

المشكل ليس في هذه الشعوب المقهورة، ومن المثالية توقع انتصارها السهل والسلمي بين عشية وضحاها. المشكل فينا نحن المناضلين المعنيين بالانخراط في معاركها والمساهمة في تنظيمها وتأطيرها، من الداخل وليس من الخارج. فالمناضل الحقيقي ليس عنصرا غريبا أو دخيلا، إنه جزء لا يتجزأ من هذه الشعوب وتضحياتها، إنه ابنها البار والمخلص. ومن المفروض أن يرقى المناضل الى مستوى المثقف الثوري لأداء دوره التنظيمي والتأطيري في صفوف الطبقة العاملة وحلفائها لتكون في الصفوف الأمامية لأي نهوض جماهيري أو انتفاضة شعبية. 

لا شك أن نضالات الشعوب تحقق بعض الانتصارات وتنتزع بعض المكتسبات، وتصنع التراكم النضالي الذي سيفضي يوما ما الى خلاصها، علما أن خروج الشعوب الى الشارع لا يعني بالضرورة خروج أو مساهمة الطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين الفلاحين الفقراء. ففي كثير من الأحيان، كان حضور الطبقة العاملة في الشارع رمزيا أو باهتا. إنه واقع لابد من التفاعل معه كما هو، وبدون دراسته واستيعابه سنكون عاطفيين وعفويين (بورجوازيين صغار) أكثر من اللازم. 

كثيرا ما ننبهر بالأعداد الغفيرة التي تؤثث الشوارع بهذا البلد أو ذاك. وكم تحدثنا عن المسيرات المليونية، ونحن اليوم نعاني أبشع صور المعاناة. واليوم أيضا، نتقاسم اللوحات الجميلة، البديعة الإخراج وهي تصور الشعوب منتفضة ومحتجة، ونتناسى عن وعي أو بدونه، الإجابة عن السؤال: هل يكفي أن نخرج الى الشارع؟

أكرر، خرجت الشعوب الى الشارع مرات ومرات، وماذا بعد؟

لا يكفي تبادل الصور الجميلة للشعوب في نظام وانتظام، نريد تنظيمات سياسية مُنظمة ومُؤطرة ومُبدعة. ويجب أن ندرك أن بعض "الخرجات" تكون من صنع الأنظمة الرجعية لامتصاص الغضب وإخراج "الأفاعي" من جحورها وتصفية الحسابات في مربعاتها الذهبية وتنظيم صفوفها وبلورة تحالفاتها السياسية وفق المصالح والمعطيات الطبقية الآنية وكذلك حسابات أسيادها، الصهيونية والامبريالية. إن غباءنا غير المقبول أو المستساغ، نحن المناضلين أو الطليعة المناضلة، يكرس وضعية الشعوب المضطهدة ، بل يقتل هذه الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بنهب خيراتها التي لا تعد ولا تحصى برا وبحرا وجوا...

أيها الرفاق، التاريخ لا يرحمنا، كما النظام الرجعي القائم المرتبط بالصهيونية والامبريالية. لنشتغل على بناء التنظيم السياسي الذي يتمم معارك الجماهير الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. لن أقدم وصفة جاهزة لهذا التنظيم الثوري، لأن ذكاء المناضلين الثوريين قادر على فهم الرسالة والتجاوب معها آنيا ومستقبلا. وأضيف ببساطة أو سذاجة، "اليد الواحدة لا تصفق"، ولا أحد (لا مناضل) يمكن أن يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة. لقد تعلمنا من الواقع الملموس (التحليل الملموس للواقع الملموس) أننا في حاجة نسبية ومتفاوتة الى بعضنا البعض، لكن على أسس نضالية متينة وواضحة، وبخلفية صادقة قائمة على مبادئ النقد والنقد الذاتي والمحاسبة. فرغم ضعفنا راهنا وتداعياته المتصلة بما هو حاصل محليا وجهويا ودوليا، لن نسقط في فخ التحالفات الفجة والانتهازية، وأقصد بالدرجة الأولى معانقة القوى الظلامية أو الشوفينية ومغازلة البيروقراطية والاحتماء بها والاستفادة من ريعها المغري، سواء المادي (الاغتناء...) أو المعنوي (المقاعد والمناصب...)...

وإذا كنا وما زلنا نمقت وندين من ينتقل من حزب الى آخر، أي العناصر/الرموز الخبيثة والخسيسة ذات الأفق الضيق، كيف نقبل في صفوفنا من ينتقل من حضن بيروقراطية مجرمة الى حضن بيروقراطية مجرمة أخرى، دون نقد ذاتي ودون توضيح مقنع؟

لا مجال للتواطؤ بعد اليوم؟ الخيانة خيانة، سواء بالأبيض والأسود أو بالألوان...

نتابع حماس المناضلين وحتى أشباه المناضلين عبر الفايسبوك وباقي آليات ووسائط التواصل الاجتماعي، ونتأسف لذلك. لأنه ليس بالحماس سنصنع الثورة أو التقدم في مسار الثورة... والخطير أن حماس المناضلين وتعطشهم للفعل النضالي الثوري يسقطهم في العفوية وتزكية الشيء ونقيضه، حيث يساهمون في تضبيب الصورة وخلط الأوراق، بدل المساهمة "النقية" والعميقة في فرز الصديق/الرفيق من الخصم/العدو...

مزيدا من الوضوح أيها الرفاق الجذريين المبدئيين، إنها مسؤوليتنا أمام شعبنا وأمام التاريخ... لنبرز المسافات بين المسارات النضالية وغيرها من المسارات الرجعية والإصلاحية والتحريفية (الانتهازية)...

نضال شعبنا أو الصراع الطبقي ليس في حاجة الى الحماس أو "الزواق" أو الشعارات البراقة الخادعة، إنه في حاجة أكثر الى التزامنا والى تضحياتنا القائمة على الفعل المبدع المنظم والمنتظم والمستمر...

وكإشارة أخيرة، إن الفعل/العمل النقابي ومهما علا و"تجبر" لن يكون بديلا عن الفعل/العمل السياسي الثوري...

لكل طريقه أيها الرفاق، طريق الشعب طريقنا من جهة، وطريق النظام طريق أعدائنا من جهة مناقضة. 

التاريخ يشهد اليوم وغدا...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق