برزت بالمشهد السياسي المغربي منذ مُدة ليست بالقصيرة عادةٌ مشينةٌ
وللعلم، حَيّحْ تعني أكثر من الصيّاح والضّجيج. وتُستعمل بمعنى الصراخ الذي يقوم به القناصون فترة القنص لاصطياد الفريسة... واليوم، "الحيّاحا" ترمز الى "دهاقنة التضليل والتشويش والتجييش". إنهم لوبي انتهازي مقيت تلتقي مصالحُه في نهاية المطاف مع مصالح النظام القائم.
إنهم "قوم" يدّعي مُناصرة الضحية وفضح الخرق الذي لحقها من طرف هذه الجهة أو تلك. وعندما يكون النظام القائم مسؤولا مباشرا عن الخرق، تراهم يضببون الصورة ويتهمون زيد أو عمر أو جهات منفذة لا تملك زمام أمرها (لا أبرئ أيّ مُتورط في الإجرام سواء كان مُنفذا أو آمرا).
وحقيقة الأمر، إنهم يغذون أرصدتهم ويرفعون من شأن إمّعات متواطئة مجندة لخدمة أجندات مفضوحة من خارج الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، إمّعات تضع نفسها فوق المحاسبة. وكل تدخلات "الحيّاحا" المحسوبة تتم تحت الأضواء والكاميرات، وكاميرا الخارج أساسا. فلا تجد لهم أثرا حيث القضايا الحارقة والمحاصرة. إنهم ينتقون زبائنهم بعناية، خاصة في صفوف المعتقلين السياسيين أو معتقلي الرأي كما يدعون أو يحلو لهم (الصحافيون بالدرجة الأولى...). وليس أدل على ذلك من معركة عمال امانور بطنجة وتطوان والرباط التي تواصلت لأزيد من سنة في ظل شروط قاسية مع مؤامرة كوفيد-19، ولم يحرك ذلك عواطفهم الجياشة ولا "مبدئيتهم" ولا غيرتهم المزعومة... ولا "حيّاح" واحد أو "حيّاحة" واحدة التفتت اليهم.. إنه جبن وانبطاح يفضحان "الحيّاحا" ويدين رفاقهم في صفوف الأحزاب والنقابات والجمعيات...
لا يهم "الحيّاحا" مستقبل فرائسهم، ولا يهمهم موقفهم "الجديد".. الأهم بالنسبة "للحيّاحا" هو الاستفادة من الأضواء وإغناء سجلاتهم لربح المزيد من الحظوة والشهرة والتربع على معاناتنا ومآسينا...
وأذكّر من له ذاكرة بما عُرف ب"شباب" 20 فبراير. كم من شاب بتسريحات شعر غريبة وكم من شابة بمكياج مثير امتطوا "الهوندات" وجابوا شارع محمد الخامس بالرباط!! ما مصيرهم اليوم؟ والسؤال الأساس: من قلدهم تلك المسؤوليات وهم القادمون من العدم ولا علاقة لهم بمن استُشهد ومن اعتُقل؟ ومن وضعهم بغتة فوق جراحنا؟ من أساء بهذه الوضاعة الى شهداء انتفاضة 20 فبراير؟ من فتح لهم المقرات ووضع بأياديهم الميكروفونات ولوائح الشعارات المُلحّنة؟ نحن مع الشباب، لكن الشباب المناضل حقا وبالمكان وفي الوقت المناسبين...
وآجلا أو عاجلا، سيُحاكم شبابُنا المناضل حقا "دهاقنتنا" بجرمهم في حق شعب مكافح جدير بالحرية والديمقراطية...
وأُذكّر من له ذاكرة، أين الصحافيون الذين قامت من أجلهم الدنيا ولم تقعد؟
وأُذكّر من له ذاكرة، أين القضاة الذين لبسوا ثوب التقاة والورع؟
وأُذكّر أخيرا من له ذاكرة، ماذا عن "الدكاترة" و"المؤرخين" ذوي الجنسيات المزدوجة الذين يقتلون الشهداء ويبرئون قتلة الشهداء؟
واليوم، هناك اعتصامات العمال والفلاحين الفقراء، أين "الحيّاحا"؟
هناك معتقلون سياسيون بجل السجون بالمغرب، أين "الحيّاحا"؟
هناك اعتصامات المعطلين، أين "الحيّاحا"؟
أين لجن الدعم التي تُصنع بين عشية وضُحاها؟
أين البندير؟ وأين الطعريجة؟ وأين الكاميرا "الشاعلة"؟
ليخجل "الحيّاحا".. أما "الأبطال" فقد صُنعوا بصنع صانع من أجل ذلك...
وللعمال والمناضلين الكلمة غدا...