2021/05/19

حسن أحراث// الوفاء لاُمي الغالية..


احتراما لباقي الأمهات واعتذارا، وخاصة أمهات الشهداء؛ "أجمل الأمهات التي
انتظرت ابنها… أجمل الأمهات التي انتظرتهُ، وعادْ… عادَ مستشهداً" (شعر حسن عبد الله وغناء مارسيل خليفة)؛ أنت أمي هنية أجمل الأمهات.. أنت أمي أروع الأمهات..

كل الأمهات جميلات ورائعات، وكل أم أجمل الأمهات وأروع الأمهات.. وأخص بالذكر أم الشهيد الدريدي، أمنا السعدية، وأم الشهيد بلهواري، أمنا الباتول..

من حرك المواجع، مشكورا..؟!!

مناضلتان جميلتان، الرفيقتان مارية مصباح وخديجة العطروز، أجمل المناضلات (كل المناضلات جميلات، وكل مناضلة أجمل المناضلات).

مناضلتان خصبتا الذاكرة، ذاكرة مراكش، ذاكرة انتفاضة يناير الشعبية لسنة 1984، ذاكرة مجموعة مراكش (44 معتقلا سياسيا، وثلاثة قرون وعشر سنوات -310- من السجن النافذ).. ذاكرة سجن بولمهارز السيء الذكر، كما المعتقل السري درب م. الشريف بالدار البيضاء...

مناضلتان حققتا الإنصاف في زمن شُح الإنصاف والاعتراف.. 

مناضلتان اخترقتا ستار الصمت الرهيب..

مناضلتان كسرتا جدار التواطؤ والرعب..

مناضلتان دقتا أجراس الخزان الصدئ، أجراس الحقيقة والوفاء المفقودين..

أن تُعانق اُمًا، فأنت تصنع الحياة وتسقي زهرة الأمل وتُعيد البسمة الضائعة في زمن البؤس..

أن تُعانق اُمًا من الماضي المنسي، فأنت تُؤسس للمستقبل المنشود..

أن تُعانق اُمًا تنتظر الرحيل البارد، فأنت تُبدع خيوط الدفء وملحمة الخلود..

رن هاتفي، رقم مجهول.. صوت لطيف.. 

مارية.. عاد بي الزمن الى سنة 1984، عندما زارتنا الرفيقة مارية بمستشفى محمد الخامس بمدينة اسفي بعد استشهاد رفيقينا بوبكر ومصطفى..

إنه التاريخ، شئنا أم أبينا..

أذكر قفشاتنا، نحن رفاق الشهيدين، عندما كان يمازحني الرفيق البوزياني بكلمات الأغنية المغربية "با سيدي با الله يهديك أللا هنية"..

كم بكت أمي، يا عالم.. بكت بجنون يوم اعتقالي (27 فبراير 1984)، أي يوم إجهاض حلمها الجميل.. كانت تردد على مسامع العائلة والأصدقاء، وبكل فخر، "ابني بالمدرسة العليا..." (تقصد المدرسة العليا للأساتذة ENS).. 

بكت، بل انفجرت عندما سمعت الحكم "خمسة عشر (15) سنة سجنا نافذا"، والتهمة "المؤامرة الغاية منها قلب النظام" (ليلة 25 ماي 1984).. 

انهارت وفقدت الوعي.. وعندما استفاقت، لم تستسلم ولم تخذل ابنها الغارق في متاهة السجون والكاشوات والإضرابات عن الطعام.. قررت "التمرد" على التقاليد المريضة وتحدي السجان وأسياد السجان..

وأول "تمرد" رفض استمرارها "حاجبة"، أي تحت وصاية مفرطة، بل مخجلة للزوج (مغادرة البيت بشروط مجحفة). فبعدما كان أبي يرافق العائلات، وخاصة الأمهات وبعض الآباء، انتزعت منه الزعامة. وصارت الى جانب باقي الأمهات والأخوات رفيقة الرحلات الى اسفي والدار البيضاء والرباط..

كم مرة تاهت بالأزقة المجهولة وهي التي لم يسبق أن انفردت بنفسها بالشارع العام.. كم مرة أخفقت في امتطاء الحافلات والقطارات، ليلا ونهارا.. كم مرة أغلقت أبواب السجون في وجهها، وفي أوقات حرجة..

كم مرة سقطت مغمى عنها، إبان الوقفات وبالشارع..

كم مرة.. وكم مرة..

كم عانت، وكم بكت في صمت.. وكم رددت في وحدتها "حسن، ابني.. لن أتخلى عنك..."..

إنها حال كافة الأمهات، كل العائلات...

إنه الوفاء المتبادل..

والوفاء لأم هو الوفاء للقضية.. وفاء للحق.. وفاء لفلسطين، الأم فلسطين..

عفوا أمي الغالية، لم أستطع، في غمرة الحياة القاسية، رد جميلك؛ كما لم أستطع رد جميل كافة الأمهات والعائلات..

شُكرا مرية، شُكرا خديجة على نُبلكما وشهامتكما.. 

إن "صفعتكما" اللطيفة، لنا ولغيرنا من الرفاق والمناضلين، درس للتاريخ والحقيقة..

المرجو الكثير من الصفعات، لعلنا نستيقظ من سباتنا...

كل الوفاء للشهيدات والشهداء..

كل الحب للأمهات والأخوات والزوجات (الحاضرات والغائبات)..

كل الحب للآباء والإخوة والأزواج (الحاضرين والغائبين)..

كل التقدير للرفيقات والرفاق والمناضلات والمناضلين..

النصر للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة..

النصر للأم الفلسطينية.. النصر للمرأة الفلسطينية..

النصر لشعبنا المكافح..

بالفعل وبإصرار وثقة، مازال على أرضنا الطيبة ما يستحق الحياة، وبكل فخر..

ملاحظة رقم 1:

الصورة الأولى (الجمعة 7 ماي 2021): أم حسن أحراث، السيدة هنية أيت مبارك، تتوسط المناضلتين الكبيرتين خديجة ومارية؛ والى جانبهما أمينة أخت حسن أحراث، وأمامهم باقة ورد تعبيرا عن أصالة الرفيقتين وأناقتهما وعلى ذوقهما الرفيع..

ملاحظة رقم 2:

الصورة الثانية (1989): تظهر من اليمين أم الرفاق العطروز ووالدهم وأيضا أم الرفيق نارداح والرفيق العزيز كمال سقيتي SKITI، واحد من رفاق الشهيدين، وأم الشهيد بلهواري والى جانبها أم حسن أحراث بجلباب أحمر وآخرين (معذرة عن عدم ذكر أسمائهم)..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق