من السهل إلصاق التهمة بالشعب. من السهل القول إن الشعب يستحق ما لحق ويلحق به من ضرر اقتصادي واجتماعي. من السهل ترديد أن الشعب هو من صوت لفائدة هذه الأحزاب السياسية، خاصة الثلاثة منها، أي حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، وليتحمل مسؤوليته. من السهل إلقاء اللوم على الشعب (هكذا وببساطة)؛ وعموما إلقاء اللوم على الآخر..
من السهل التشفي..
من السهل الابتعاد ومراقبة المعاناة والظلم والاضطهاد والجرائم السياسية..
من السهل نفي أو تجاهل تضارب المصالح الطبقية والصراع الطبقي..
من السهل اعتماد المبرر الانتهازي المقيت "مادام جلدي سالما، ما لي ومال الآخرين؟".
من السهل الانخراط في المسارات المهادنة والمقبولة من الطرف القوي للعبة، وبالتالي اللعب على الحبل وجني الكثير من الامتيازات والحظوظ..
لنستيقظ من سباتنا كمعنيين بالتغيير الجذري..
أولا، إن إلصاق التهمة بالشعب المغربي يحمل في طياته تناقضا صارخا. فعندما نتحدث عن الخروقات وعن المقاطعة الواسعة عكس نسبة المشاركة المُعلنة المشكوك في مصداقيتها، وعندما نُتابع وبالمباشر أساليب المكر والخداع والغدر طولا وعرضا، وعندما نُعاين الفساد بالعين المُجردة (استعمال المال والوعود بالمناصب...)، كيف نُحمل الشعب المغربي مسؤولية هذه المهازل؟!!
ثانيا، إن إلصاق التهمة بالشعب المغربي يخفي النوايا السيئة في ممارسة نفس ما قامت به الأحزاب السياسية "المنتصرة"، أي استعداد الأحزاب السياسية المنهزمة لممارسة نفس الأساليب التي وظفتها الأحزاب "المنتصرة". وقد لجأت الى ذلك في حدود دنيا ولم تفلح؛
ثالثا، إن إلصاق التهمة بالشعب المغربي يعني التهرب من تحمل المسؤولية، ومن تقديم الحساب.. وليس ذلك بغريب عن القوى الانتهازية، رجعية وإصلاحية..
الشعب المغربي لا يتحمل وحده المسؤولية. يكفي أن نسبة المشاركة رغم النفخ فيها اقتصرت على حوالي 50%. بمعنى أن نسبة كبيرة من الشعب قاطعت المهزلة، سواء عن وعي أو بدونه.
السؤال المطروح بحدة: أين نحن؟
أين "عنترياتنا" (البورجوازية الصغرى)؟
أين "فهامتنا"؟
اين "سيوفنا" (أقلامنا) التي تضرب "يمينا" و"شمالا" (لا تُبقي ولا تدر)؟
أين "حُبنا" الزائد للشعب؟
أيكفي أن نُوزع النصائح و"صكوك الغفران" من أبراج الفايسبوك؟
إننا نعرف بعضنا البعض.. لا داعي للمزايدات الفارغة..
إننا "نسقط" في أول اختبار..
إننا ننسحب (حتى لا أقول شيئا آخرا) في أول منعطف.
لنُقدم نقدا ذاتيا صريحا ومسؤولا.
لا نتهرب من المسؤولية. نعترف بمسؤوليتنا في الوضع الراهن غير المقبول. نعترف أننا تخلفنا عن الموعد في أكثر من محطة من محطات الصراع الطبقي..
فقط، نسجل بالبنط العريض، أننا صادقون ومخلصون لقضية شعبنا البارحة واليوم، وغدا بدون شك. ونرفع التحدي في وجه أي مساءلة أو محاسبة نضاليتين أمام الملأ..
نعلم أن الصدق وحده لا يكفي، ونعلم أن النية الحسنة وحدها لا تكفي، وكم أدينا ثمن ذلك غاليا..
لذا ليكون النقد الذاتي ذا معنى وعمق نضالي يجب أن تترتب عنه بدائل سياسية طبقية مقنعة ومؤثرة. وفي هذا السياق، نناشد كافة الرفاق والمناضلين لتدشين "بدايات" نضالية أقوى من سابقاتها بالالتزام الكافي والكفاحية المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى..
لقد اتضحت الصورة طيلة عقد من الزمن (2011/2021)، بل طيلة عمر سياسي مليء بالتجارب النضالية المتميزة والمحن والتضحيات (استشهادات، اعتقالات، كفاحات، تشريد وتدمير...)..
لقد تحددت الخنادق ورُسمت الحدود، فلا مجال للشك بعد الآن..
لقد خان من خان..
لقد ارتد من ارتد..
لقد نام من نام..
لقد ضاق طوق المناورة على عُنق المُتسترين وراء الشعارات البراقة. ولم تعُد خافية ممارساتهم المُزكية لألاعيب القوى الإصلاحية والقيادات البيروقراطية..
لم نعُد نصدق الابتسامات الساخرة والدعوات المشبوهة والعناقات الباردة..
لم نعُد نُصدق النقاشات الماراطونية..
لم تعُد تستهوينا الأرضيات النظرية الملغومة..
لم تعُد العاطفة أو الشفقة محددا/معيارا لعلاقاتنا..
أين غابت النقابات، أقصد القيادات النقابية "المُتبجحة"؟
رجاء، لا تدعونا يوما الى ائتلافاتكم التي "تجمع ما لا يجمع" أو الى جبهاتكم المتواطئة..
رجاء، لا تعودوا الى أسطوانة "القوى الوطنية والديمقراطية"، فلم ننته بعد من حكاية "القوى الحية"..
سيكون خطيرا إذا رحب يوما حزب أو "رفيق" أو "مناضل" بحزبي "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"التقدم والاشتراكية"، كقوى "معارضة" أو كقوى التحقت بالمعارضة، بعدما لفظتها آلة النظام التي لا ترحم..
ونفس الشيء بالنسبة للقوى السياسية التي زكت اللعبة المغشوشة وانخرطت فيها بمبررات واهية ومُتجاوزة، أقصد فيدرالية اليسار الديمقراطي (حزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي) وحزب الاشتراكي الموحد..
وحتى لا نغرق في العموميات، كحالنا في كثير من الأحيان، لنسائل بعضنا البعض بكل رفاقية ومسؤولية..
أين اختفت الجبهة الاجتماعية وفروعها على الصعيد الوطني، في الوقت الذي كانت فيه الحاجة ماسة لمواجهة الهجوم الكاسح للنظام من خلال لعبته المكشوفة وآثارها المدمرة من جهة، ومن جهة أخرى الزيادات المهولة في العديد من المواد الغذائية..؟
فهل للجبهة مواسم دون أخرى؟
يجب أن نمتلك الجرأة النضالية لنعترف أن العديد من مكونات الجبهة الاجتماعية انغمست حتى أخمص قدميها في اللعبة المكشوفة للنظام مُستغلة تضحيات المناضلين والقوى المناضلة. فموسم اللعبة ليس موسما للنضال؛ والأدق إنه موسم "صيد". إن الانخراط وحده في اللعبة يُسقط المصداقية النضالية عن مكونات الجبهة، أما صمتها فيُسقط عنها آخر أوراق التوت.
لا نُشكك في صُدقية المناضلين الغيورين و"المغلوبين" على أمرهم، ولا نُبرؤهم من المسؤولية، إننا نُحمل المسؤولية بالدرجة الأولى للقيادات الانتهازية التي تسعى بأشكال مفضوحة لقضاء مآربها وحاجياتها والامتثال لأوامر أسيادها. أما "المناضلون المغلوبون على أمرهم" (وبكثير من حسن النية) فليسوا غير حطب أو بنزين في مُحركات مافيات "لا تُبقي ولا تدر"، وباسم الطهارة والحكامة..
إننا نحمل المسؤولية أيضا وبالدرجة الأولى الى "المناضلين"، ومن بينهم رفاقنا، الذين ينصاعون الى التعليمات ويمارسونها دون اقتناع ودون التزام (حالة انتخاب أعضاء اللجن الثنائية...)...
وبالنسبة للمقاطعة، فكان مطروحا النزول الى الشارع والى معاقل الجماهير الشعبية، والطبقة العاملة بالخصوص، من أجل التعبئة الواعية والمُنظمة لتأخذ المقاطعة بُعدها السياسي الطبقي.
كانت مبادرات نضالية ميدانية اصطدمت بالآلة القمعية للنظام، لكنها رغم ذلك كانت معزولة ومحدودة.
بالفعل، عجز العديد من المناضلين عن ترجمة موقفهم، أي المقاطعة، على أرض الواقع. ويرجع ذلك وبالأساس الى عاملين اثنين:
- العامل الأول، مرتبط بالوضع "غير القانوني"؛
- العامل الثاني، الضعف التنظيمي والكمي.
كان موقف المقاطعة حاضرا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه حضور ليس بالثقل والأثر السياسيين المطلوبين، علما أن نسبة المشاركة المعلنة رسميا لا تعكس الحقيقة.
والمثير للدهشة هو إغلاق أبواب "الثكنات" في وجه "جنود" جماعة العدل والإحسان!!
فما هو المانع من "احتلال" الشارع بأعداد كبيرة أو قليلة والتعبئة الميدانية لموقف المقاطعة، وبالتالي ممارسة التنسيق الميداني المبدئي مع الحلفاء السياسيين؟
نعم، وضعية الجماعة "غير قانونية"، لكن الوضع التنظيمي والكمي من شأنه "زلزلة" الأرض تحت الأقدام. فهل "زلزلة" الأرض من طرف الجماعة يقتصر فقط على المواكب الجنائزية وبعض القضايا "القومية"، ومن منظور خاص؟
قال الشاعر: "في الليلة الظلماء يُفتقد البدر" (وأي "بدر"؟).
وآخر الكلام، إن إلصاق التهمة بالشعب المغربي يفضح العجز عن مواجهة النظام القائم وبناء الذات المناضلة القادرة على قلب موازين القوى لفائدة الشعب المغربي، وخاصة الطبقة الثورية حتى النهاية، أي الطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين الفلاحين الفقراء وكافة الكادحين..
ولا يجب أن ننسى تضحيات الجماهير الشعبية من خلال العديد من الانتفاضات الشعبية منذ الخمسينات من القرن الماضي، وبطولات الشهداء والمناضلين داخل السجون وخارجها. فأعداد الشهداء والمعتقلين السياسيين وضحايا الطرد والتسريح والتضييق والتشريد، بالأمس واليوم، تُبرز أن الشعب المغربي ليس عاقرا أو متواطئا أو نائما...
قُدمت تضحيات غالية لا تُنسى، ولم نستطع حتى الآن كأبناء مخلصين للشعب المغربي أن نربح الرهان. هناك تحديات كبرى، بالداخل والخارج، وركوبها يفرض الاستعداد النضالي الصادق والمتواصل لتقديم كل التضحيات المطلوبة. والمدخل لذلك هو بناء التنظيم الثوري القائم على المركزية الديمقراطية، وبدونه سنُكرس الهزيمة تلو الأخرى...