2021/10/06

صوفيا ملك // هل إنتهى زمن الانتفاضات؟!


هل إنتهى زمن الانتفاضات؟!

هل الشعوب استكانت؟!

هل استسلم الجميع؟!

من ظل واقفا ولم يستسلم بعد؟!

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لم يتوان ما تبق من فرسان السبعينات، في إطار مجموعات سياسية قادمة من تجربة اليسار الجديد، عن عقد  ندوات "النضال الديمقراطي"/ موضة التسعينات وبداية الالفية، والدعاية للطريق الجديد، واعتبار اي صوت خارج عن هذا السياق، سياقهم، صوت من الماضي، وكان التنافس بين المجموعات منصب في إعداد مراجعات سياسية لتصبح جزءا من سياق عصر اختار له الإعلام عنوان "انتصار الرأسمالية".. وساد العجز والانهيار وتسليم المقدرات إلى النوايا "الطيبة" للإمبريالية والتسليم بشعاراتها، شعارات "الديمقراطي" و"حقوق الانسان"، ورفعت القوى السياسية الانتهازية من مقام القوى الاصلاحية المتدبدبة  وذات الافق الرجعي الى مقام القوى الوطنية والديمقراطية، واعتبار ذلك بمقدوره "علميا" وعمليا أن يخلق ثورة ضد العجز والانهيار والاستسلام وطريقا لتحقيق مجتمع العدالة الاجتماعية والديمقراطية كأفق، وعليه أوجدت كل مجموعة لنفسها الطريقة الأنسب للعمل الشرعي أي العمل السياسي تحت ظلال الملكية..

بعد مرور عقدين على انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وتحديدا سنة 2011 انفجرت المنطقتين المغاربية والعربية، وابانت انتفاضات شعوبها عن الفرق الشاسع، والعجز البين في العمل السياسي، وعرت انحرافه واثبتته كحقيقة ناصعة لم يعد حولها جدال، ونصفت من ظلوا واثقين بدور الجماهير في التغيير، وفي الثورة، والصراع الطبقي.. 

ليتأكد مجددا، عبر التاريخ، أن حركة الجماهير المضطهدة قد تخمد لفترات محددة وتسود الانهزامية واطروحات الانبطاح وتتراجع الحركة، ويكتسح عدوها جل المجالات، لكنها لا تموت بل تظل حية وتنمو من خلال تعبيرها، ضميرها الحي، في شخص أقليةثورية من داخلها، اقلية لا تتلاشى، لتعود ألحركة اقوى مادام نظام الاستغلال والقمع والاضطهاد والتجويع مستمر على كاهلها.

الثورة تقوم لان التوازن القائم غير صحي وغير انساني واننا نثور كثوار، وكشعوب، لاننا نريد تغيير الواقع وهذا هو مبرر وجود الثورة، وحتمية وقوعها، سواء اردنا او تخلينا عنها وانحرفنا فذلك لن يغير من حتمية قيامها لان واقع موضوعي ولا علاقة لذواتنا بها، سوى من باب الدور الذي قد نلعبه في مجرى الصراع، وكما عبر بصدق رفيقنا الشهيد مصطفى مزياني في خضم معركته البطولية: "إننا سننتصر لأن  الجماهير ستنتصر"..

 إذا فدروس التاريخ تثبت لنا تكرار الاستنساخ للإنتاج الممسوخ. فلا غرابة أن تظهر كائنات الخيانة والافاعي البشرية لتنثر سمومها وتجعل الفتور، المشمول بدعاية الاعلام الرجعي والانتهازي بعد لعبة الانتخابات الرديئة، كحصان طروادة لتحطيم قلاع الصمود..  

  وفي كلمة مختصرة، كنا من داخل الجامعات المغربية وخارجها، سنوات التسعينات وبداية الالفية، نغرد خارج السرب، وكان يبدو ما نقوله آنذاك  حول توقع الانفجار، وحول تطور الصراع الطبقي، وكأنه مجرد احلام قد تتحقق على نجم بعيد.. وكان ينظر إلينا وكأننا أناس غرباء بتحليلنا واستنتاجاتنا، وكأننا مجرد نسخ من الماضي لم تبلغ الرشد من منظور قادة موجة المراجعات.. لكن التاريخ اثبت العكس ووضع المرتدين وشعارات "النضال الديمقراطي" و"حقوق الانسان" خارج التاريخ وارتفع عاليا مجددا من وسط الانفجارات شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" وانهار ذلك التراكم السياسي الانهزامي وذلك الخطاب في رمشة عين، بعد استشهاد البوعزيزي، وتبين أن عند كل انفجار شعبي تجدنا خارج سياق زمان اشتعال نيران الصراع الطبقي ثم نعود مرة أخرى للوقوف حول غياب الأداة الثورية ونحن لا نتوانا في كل كلام توقع حدوث ردات الشعب العنيفة على هجمات النظام.

 حقا نحن مطالبون ببناء الاداة السياسية الثورية، لكن هل، فعلا، كل من يقول بذلك يعبذ الطريق الصحيح لذات المهمة، أم مجرد الصخب في العالم الافتراضي وانتظار اللحظة التي ستبين ان فينا الكثير من كراكيز  "راحنا شاخدين"، بما فيهم الثعابين البشرية المسخرة من الغرف السوداء للتدمير من الداخل، وان اغلبنا مجرد متفرجين وخارج الحدث التاريخي..

هل كل من يقول بضرورة بناء الحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة، صادق في قوله؟!

إن من لم تعلمه تجربة الصراع الطبقي، منذ انهيارات أوروبا الشرقية، التمييز في العمل السياسي بين الأقوال والأفعال، وبين الحربائية والوضوح، وبين الارتداد والصمود على الخط وبين احتمال فتور  الحركة الجماهيرية وحتمية نهوضها.. إنما هو شخص لا أمل فيه ولو ملأ الوديان بحبره. يمكن أن يتلاعب الشخص بالكلمات وأن يدبج في النظريات وأن يزين كلامه بعظماء الفكر السياسي الثوري لكن هذا لن يجعل منه قائدا سياسيا ولا منظراثوريا.. 

فما معنى الحديث عن بناء الأداة الثورية في خطاب ومنشورات البعض مع الميل لقوى اختارت التحالفات الهجينة لحد التحالف مع قتلة خيرة أبناء شعبيا.. هل المناضل الثوري مطالب بفضح خدام استراتيجية اليمين الرجعي باسم اليسار، ام الدعاية لهم، والميل للتنسيق والتعامل معهم من داخل جبهاتهم المشلولة. هل المناضل الثوري يغفل من تكون القوى الظلامية؟! أليست درعا من أدرع الثورة المضادة؟! أليست من حلفاء الرجعيات العربية الخليجية من السعودية وقطر وغيرهما، وقياداتها تسير من القوى الإمبريالية وعلى راسها امريكا؟! ألم تنفذ المهمة التي وكلت لها في الحرب ضد حركات التحرر؟! هل تجربة 20 فبراير وخيانتها لا تصلح لتقييمها؟!  أليس الميل لمن يتحالف مع قوى الظلام هو ميل لاستراتيجية قوى الثورة المضادة؟!

هل نستفيد من دروس التاريخ؟! 

هل نستفيد من تجارب الشعوب؟!

هل نستفيد من نضالات الشعوب ومن تاريخها؟!

 خروج شعبنا للمقاومة حالة قادمة لا محالة، حالة حيث يصير الصمود والثبات في المجابهة هو حديث السائد ومقياس الناس في تقييم المناضل السياسي، والنقابي، والجمعوي، لكن ما لا يمكن أن نجزم فيه أو ما لا نتوقعه هو: هل سيكون ذلك الخروج شاملا ام مناطقيا ما دمنا بعيدين فعلا وتنظيميا عن نبض الشارع.. أما المؤكد واليقين هو حتمية خروج شبابنا للشوارع والمقاومة بكل الوسائل حيث ستسقط وتنتفي شعارات  "سلمية سلمية لا حجرة لا جنوية" التي تلبس للفعل النضالي عند كل نهوض شعبي، مثل سقوطها في عاصمة الأنوار.. 

إن الغياب المنظم سياسيا والوازن سمح، في التجارب الاخيرة وانتفاضات شعبنا، للعمل السياسي الرسمي لجعل بعض التمردات جزء منه كتكتيك لاحتوائها وتسليم رقبتها للنظام ..

فكثيرا ما كنا نشهد التعليقات السياسية فنندهش من انتساب بعض التضحيات لتلك الأفكار والمرجعيات السياسية الرجعية والعميلة المنبطحة والبياعة.. وكان الإعلاميون والمثقفون ينخرطون بعد التقاط الإشارات بكل أدوات التكييف والخداع ليضفوا على المشهد طابع اليقين ويصنعوا رأيا عاما مزيفا وابطالا بأفق مسيج من الغرف السياسية السوداء.  

إذا هل سننخدع بكل بساطة لهذا المستوى من الصراع المؤطر من طرف العدو؟!

هل سيتوجب منا ذلك الاستسلام والانبطاح والتسليم بلعبة النظام وسيطرته المطلقة أم الواجب يستدعي تجذير مواقفنا ووضعها في قالب الجد من خلال معبر كفء وحديدي؟!

هل إعلام العدو ومثقفيه مصدر من مصادر الحقيقة؟! وهل لهم دور خارج تصريف إيديولوجية النظام والتأثيث لأهدافه؟!

هل نحن مطالبون بالصراع ضد هذا الكل ام الانجرار خلف دعايتهم مثلما هو أمر بعض "الثوار" الذين لا يترددون في الدعاية لمنشورات المواقع الرجعية والانتهازية في المواقع الاجتماعية؟!

  التاريخ يثبت أن اضطهاد اغلبية من طرف أقلية يجعل الاغلبية حبلى بأقلية من داخلها، ولو في شخص مجموعات صغيرة، لا يمكن اجتثاثها مهما كان حجم الهجوم ومهما كانت سموم الثعابين البشرية المرهونة بالقتل من الداخل..

فالصمود مسؤولية تاريخية.. والصراع مستمر وباشكال متنوعة فما على المناضل الثائر سوى الإيمان بحتمية عودة حركة الشعوب النضالية بقوتها وجذريتها.. 

ولنكون فاعلين في اتجاه حتمية الصراع:

نحتاج كأولوية، لا بديل عنها، إلى التنظيم.. التنظيم اولا.. فلا نظرية ممكن تنزيلها على الأرض دون تنظيم يحملها على محمل الجد..

نحتاج سياسة الفضح والتعرية لكل الثعابين البشرية وليس لتبرير سلوكها وجلد الذات..   

نحتاج أكثر فضح ليس فقط الأفاعي البشرية بل كل من ينحاز أو يلطف الصراع أو يغني للسلم مع أعداء شعبنا..

نحتاج مناضلين قاعديين، يعني مناضلين منغمسين في وسط  القاع الاجتماعي، وسط العمال والفلاحين الفقراء، وسط الكادحين، يكشفون بالواضح المندسين والخونة امام شعبنا، ويرفعون من الوعي الثوري..

نحتاج انخراطا سياسيا منظما ومسؤولا..  

نحتاج وبكل عزم ومسؤولية ونكران الذات للتمسك الصلب بالخيوط الناظمة لعلاقات المناضلين الجذريين.. 

نحتاج لبعضنا البعض كمناضلين..

ونحتاج.. ونحتاج.. وهذه مسؤولية المناضلين في التطوير والإبداع على جميع المستويات..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق