هي في الحقيقة ليست ألغازا، ربما مفارقات...
قد تكون عناوينا، وقد تكون إشارات...
للأمانة، الصورة رفقته تفضح المستور. ويمكن للمتتبع أن يصل الى الخلاصة المناسبة.
القراءة البسيطة أو السطحية للصورة تعني أن الأمر يتعلق بندوة وطنية تحت عنوان "الحركات النضالية: الواقع والآفاق".
وما الغريب في ذلك، يقول البعض؟ أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وحقوقية ونسائية "تتناظر" فيما بينها. وقد حصل الشيء نفسه لمرات عديدة وحول مواضيع مختلفة.
أما القراءة المطلوبة، أي القراءة السياسية العميقة، فتطرح العديد من الأسئلة والتساؤلات المستفزة.
أولها، أمام هذا الكم الهائل من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية والنسائية التي "تتناظر" دائما و"تتوقف" (من الوقفات) دائما و"تسير" (من المسيرات) دائما وتصدر البيانات والبلاغات دائما، كيف يعيش شعبنا هذا التردي الاقتصادي والاجتماعي وهذه التراجعات التي طالت العديد من المجالات؟ كيف يقمع العمال والفلاحون الفقراء ويطردون ويشرد المعطلون ويهان الأساتذة ببشاعة ويعتقلون ويحاكمون ونحن جيش من " الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والحقوقية والنسائية" نتناظر ونتوقف ونسير وندين ونشجب ونستنكر...؟
وتجدر الإشارة الى أن الهيئات المؤثثة للصورة ترفض بالمطلق أن تنعت بالضعف أو الهامشية أو العجز، في الوقت الذي برهن فيه شعبنا على الاستعداد الكبير لمعانقة خلاصه. وذلك من خلال نضالات لا تتوقف وتضحيات مشهودة عبر انتفاضات شعبية الواحدة تلو الأخرى منذ خمسينيات القرن الماضي.
أما جلوس النقابات، سواء المركزية أو القطاعية، الى موائد الحوار والإشادة بمخرجاته وأبطاله، والشغيلة في أسوأ حال، فحدث ولا حرج...
ثانيها، ماذا تعني مشاركة "جماعة العدل والإحسان" في الندوة؟ أليس ذلك تبييضا لسجلها الدموي كقوى ظلامية رجعية متورطة في اغتيال رفاقنا؟ فإذا كانت الهيئات المشاركة تعتبر نفسها ديمقراطية، فما علاقتها بهيئة رجعية؟ علما أن هناك هيئة ظلامية رجعية أخرى مندسة في صفوف "الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان" وهي "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان" التابعة للحزب الظلامي الرجعي "العدالة والتنمية" المتورط بدوره في اغتيال رفاقنا.
وبالعودة الى "الجيش" المكون من الهيئات المذكورة، من ينفي الكم الهائل الذي تعتقله "جماعة العدل والإحسان" في ثكناتها؟ متى يفك وثاقه من أجل التصدي لأجهزة النظام القمعية ومخططاته الطبقية التي لا تبقي ولا تدر؟ أم أن ذلك لا يدخل في برامجها وأهدافها؟
وبالنسبة لبعض الأحزاب السياسية التي لا تنظر بعين الرضى لعلاقة حزب النهج الديمقراطي مع الجماعة، ماذا تعني مشاركتها في ندوة الى جانب الجماعة؟ أم أن الأمر ندوة وندوة رقمية فقط (ندوة عذرية)؟ أليس ذلك تطبيعا مع القوى الظلامية وترحيبا بها وبالتالي تكريسا لضبابية المشهد السياسي وخلطا للأوراق، تماما مثل المشاركة في "اللعبة الديمقراطية" (الانتخابات التشريعية والجماعية والمهنية)؟
والغريب كذلك هو مشاركة نساء وهيئة نسائية ديمقراطية وهي أدرى بمرجعية وموقف الجماعة من المرأة. فهل المرأة المناضلة تقبل "التعايش" مع مواقف الجماعة بخصوص المرأة؟
أليس ذلك هدايا مجانية لقتلة المناضلين بالمغرب (عمر بنجلون ومحمد أيت الجيد والمعطي بوملي) وخارج المغرب أيضا؟
ثالثها، تحدث المناضلون كثيرا في موضوع الوقفات المملة والمسيرات الشكلية والإضرابات غير المؤطرة وطرحوا السؤال "الى متى"؟ وهنا أيضا يطرح السؤال "الى متى هذه الندوات النخبوية" البعيدة عما يدور فوق الأرض وعما يعرفه الصراع الطبقي من احتداد؟ والشعارات المرفوعة والمبادرات المقترحة تعبر عن محدودية سقف هذه القوى الحاضرة/الغائبة...
إنها نرجسية معدية (المقصود حب الظهور الإعلامي الافتراضي/النخبوي) لوثت العديد من حقول وواجهات النضال، وخاصة في صفوف الشباب المناضل.
ومن يطرح علينا سؤال "البديل؟"، فإن البديل لا يهمه، أكثر مما يهمه التستر عن هذه الحقائق المفزعة. نتفهم حجم الاستفزاز بكشف هذه "الألغاز"، إلا أن واجبنا النضالي الى جانب الحضور الميداني والمساهمة في تنظيم وتأطير الاحتجاجات والنضالات وخاصة العمالية، يفرض الجهر بالحقيقة، وضمنها الاعتراف بعجزنا عن مواكبة المد النضالي وقوة الصراع الطبقي رغم تضحيات المناضلين، ومنهم الشهداء والمعتقلين السياسيين...
وعزاؤنا في مواصلة المعركة حتى النهاية، إنها معركة حتى النصر...
المجد للشهداء والحرية لكافة المعتقلين السياسيين...