11‏/04‏/2022

حسن أحراث// "ثرثرة" زائدة، وربما مُفيدة.. سؤال حارق من إنسان صادق..


سألني مرة صديقٌ عزيز أُكن له من الاحترام قدر ما يُكن لي وزيادة، سؤالا قد يبدو
مُحرجا، لكنه نابع من الثقة (الصديق من صدَقك) التي تجمعنا ومن الرغبة المشروعة في الفهم والتوضيح المفيد.

السؤال باختصار: هل ترى إمكانية تحقيق شعاراتك الآن؟

صديقي شغوف بالقراءة ومتابعة كل المستجدات، ويقصد بشعاراتي مُجمل الأفكار والتطلعات الواردة في كتاباتي والمُؤطِّرة لنقاشاتي وتدخلاتي. وتكمُن قوة وعمق السؤال بالنسبة لي في استحضار جبروت النظام القائم وتوسع أنشطة عملائه من قوى ظلامية وشوفينية، والهيمنة شبه المطلقة للامبريالية والصهيونية والرجعية، مقابل الضعف الذي يكبل قوى التغيير وعجزها عن تجاوز شتاتها وبؤسها وعن التصدي للإذلال المُخجل من خلال ما تعرفه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من بؤس وتردي.

إنه سؤال حارق يحمل في طياته الكثير من الإشفاق الإيجابي في ظل الانكسارات الراهنة المُولدة للإحباط وتصاعد وتيرة القمع والخنق والتضييق. كما أنه سؤال/تمرين يمتحن ديمقراطية المناضل وسعة تجربته وخصوبتها.. 

لم أنزعج من سؤال صديقي، بل ازداد احترامي له؛ لأني أدرى بنواياه الطيبة البعيدة عن التشاؤم والتيئيس وعن التشكيك في مصداقيتي.. فليس سهلا أن تربح صديقا الى جانبك في السراء والضراء، وبغض النظر عن أفكارك ومرجعيتك..

إنه سؤال مشروع، وحري بالمناضل طرحه على نفسه قبل أن يُطرح عليه. بالإضافة الى أننا تعرضنا ونواجه الآن أيضا ليس للنقد بالمعنى الهادف والذي لا يمكن لأي مناضل إلا أن ينصت اليه ويرحب به وأن يتفاعل معه، بل للتجريح والتشويه ومحاولات التدمير المحكومة بخلفيات الاجتثاث/الاستئصال.. وصرنا بتواضع أقدر على التحمل والصمود وأكثر تشبثا بمبادئنا وقضية شعبنا، مع تفهمنا للدلالة الإيجابية للحق في الاختلاف..

لست أدري هل قدمت الإجابة الشافية والكافية لصديقي وهل اقتنع بها. إلا أني أعرف أني مقتنع بالجواب وصادق مع نفسي أولا ومع صديقي والجميع ثانيا. 

فيما يلي أهم عناصر الجواب:

1- نتحمل مسؤولية شعاراتنا (ليست شعاراتي وحدي) ونلتزم بها (طبعا في حدود إمكانياتنا، لسنا فوق الواقع)، ولن نتنكر لها تحت أي ذريعة. من جانبي، لست بضا أو غرا، لقد خبرت السجون والعمل السياسي والنقابي والجمعوي، وتجرعت مرارة النكسة تلو الأخرى. وليس في الأمر مزايدة أو تنطعا أو كما اتّهمنا جورا بذوي "عقلية المزيد من الشهداء".. فقط من واجبي النضالي المساهمة في تحيين شعاراتي/شعاراتنا وفق المستجدات الوطنية والدولية والاجتهادات العلمية والتكنولوجية وانسجاما مع المقولة العلمية "التحليل الملموس للواقع الملموس"، ودون أن يعني ذلك الدُّغمائية (التعصب والتزمت...) أو التخلي عنها تحت جلباب المراجعة النقدية، وهو ما ذهب اليه الكثيرون من رفاق الأمس. ونسجل هنا بالبنط العريض، أن الفرد وحده مهما تكُن صلابته وقوة اقتناعه لن يستطيع إنجاز شعاراته دون التنظيم السياسي على قاعدة المركزية الديمقراطية. ومن عانى قسوة الحصار والعُزلة يدرك جيدا معنى "من لا تنظيم له، لا قوة له"، تعبيرا عن الصمود وروح المقاومة الجماعية والتشبث بالمرجعية العلمية، نظرية وممارسة.

2- نُقدر جيدا الوضع السياسي الراهن، ذاتيا وموضوعيا، وكذلك موازين القوة. ونقر بناء عليه أن التضحيات المبذولة من طرف أوسع الجماهير الشعبية (العمال والفلاحون الفقراء والطلبة والمعطلون والمشردون...) لا يقابلها المجهود المطلوب، وخاصة تنظيميا؛ من أجل صيانتها وتراكمات نضالية أخرى على طريق تحرر شعبنا وانعتاقه من براثن الاستغلال والاضطهاد الطبقيين. ونعترف أننا غارقون في ترديد الشعارات الفضفاضة ولم نرق بعد الى مستوى تنزيلها على أرض الواقع بصيغة الأولويات وجدلية الثانوي والرئيسي. وهنا مربط الفرس والتحدي بالنسبة للمناضلين الثوريين..

إن المناضل اليوم ضمير مرحلة أقرب الى السواد الشامل وفارس حامل لمشعل منعطف تاريخي غير مسبوق..

3- يهمنا الآن وبالدرجة الأولى مواصلة درب الشهداء الذين استرخصوا دمهم من أجل الغد المُشرق لشعبنا، والتصدي للمخططات الطبقية في مختلف المجالات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن وشغل، وفرض إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين...، متمثلون حجم التضحيات التي يتطلبها الصراع من أجل الانتصار في معركة فرض الذات المناضلة في وجه العبث الحالي والعربدة غير المسبوقة لأعداء الشعوب المضطهدة ومن بينها شعبنا الفلسطيني البطل؛ مما يعني التصدي للانتهازيين ودعاة الانبطاح، أي إبقاء مشعل الثورة المغربية عاليا. وهو ما يشكل استمرارية الفعل النضالي المسؤول ويفضح التواطؤ وكل محاولات الطمس والتضليل التي تقودها الأحزاب السياسية والقيادات النقابية البيروقراطية. إننا نُبقي أبواب الأمل مُشرعة أمام الأجيال القادمة للمساهمة بدورها في إنجاز طموحات الشهداء وبنات وأبناء شعبنا، إدراكا منا لخطورة النكوص المُدمر للذاكرة وللرصيد النضالي لشعبنا، أي الانكسار الذي يأتي على اليابس والأخضر..

وأخيرا، سيشهد التاريخ أننا لم نركع أو نستسلم رغم الحرب الطبقية الفظيعة، ورغم الخيانات وطعنات الغدر من القريب قبل البعيد...  

إضافة: السؤال أعلاه يطرحه الأصدقاء وكذلك أفراد العائلة على كل مناضل، حبا وتقديرا...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق