قاوَمتِ الحروفُ والكلماتِ كثيراً..
قاومَتْ صُنّاعَها ومُخْتَرعيها..
قاومتِ الدّجل باسم الدّجل..
قاومت التبرير المفضوح والمُخْجل..
قاومت الاجتهاد باسم الاجتهاد..
قاومت الثورة باسم الثورة..
لقد أبت أن تسقط كالشعوب في براثن العبودية والاستعمار..
تمرّدت على الشيوخ الصُّفر، وعلى عباقرة التّضليل ودعاة الخنوع والركوع البيض، وعلى الألوان الرمادية..
بات تمرّدُها فضْحاً للتّكلّس والجهل المُركّب..
طاوعت العلم والعلوم والثورة والثوار..
لكن بعد انتكاستنا الفظيعة،
وبعد أن طال عجزُنا واستفحل ضعفُنا،
وبعد أن عانقتنا بدون حساب، نترا وشعرا وحلما وعلما،
وبعد أن لبّت لواعجنا ومكنوناتنا، حبا وامتناناً واقتناعاً؛
صار رفضها عنوان ميلاد جديد..
لجأت مُرغمة الى الفرار، بل أصيبت بالخرس..
هربت منا الحروف والكلمات..
هربت، خجلاً واحتراماُ..
نكتب الحرف ويختفي..
بالكاد، نكتب الكلمة فتختفي..
أما الجملة، واللغة، فلا..
تهرب منا الحروف والكلمات..
لم تعُد تحتمل تكرار أنفسنا.. لم تعُد تقبل سذاجتنا أمام مكر أعدائنا..
لم تَعد تثقُ بلطافتنا أمام خشونة سفهائنا..
لقد أدركت مرونتنا/جُبننا، بل خُبثنا..
لقد كشفت عُقمنا/عُرينا..
لقد أضحت ضحيتنا..
صارت رغماً عنها/عنا ألعوبةً في أيادي الطغاة والكَتَبة من أنصار الطغاة..
حُروف وكلمات تستغيث..
لم تعُد تحتمل مُجاملتنا..
لم تعد تقبل حُبنا أو عشقنا..
حُروف وكلمات تُديننا..
حُروف وكلمات تُحاصرنا..
جميل، أن نُواجَه بحقيقتنا..
رائع أن نَرى حقيقتَنا بالأبيض والأسود..
أروع أن نموت على أيدي حروفنا وكلماتنا وجُملنا..
بالفعل، نحن عُشّاق الحرْف والكلمة والجُملة، الجُملة الثورية..
بالفعل وبمرارة رفاقية، نحن كُلّنا "أعداء" الفعل، الفعل الثوري..
لنُبرهن على عكس ذلك...
* ملاحظة: لستُ مخبولا أو مجنونا أو مُحبَطا/مُحبِطا، فللحروف والكلمات منطقها ودلالاتها.. ولنا موعد مع التاريخ.. نحن الفينيق، والفينيق نحن...