اشتغل المناضلون سابقا، المثقفون الثوريون بالخصوص، على الكثير من التنظير،
ولأنه "لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية"، نُلح على التسلح بالتحليل العلمي، أي التحليل الملموس للواقع الملموس. ونُحذر بقوة من "الخوف" من ارتكاب الأخطاء (الترهيب المُغلف بالثورية المُبتذلة)؛ إنها حالات مرضية ومُعيقة. إننا نُحذر فقط من ارتكاب الأخطاء القاتلة، وغير هذه الأخيرة تبقى الأخطاء دروسا نستفيد من بعض إيجابياتها ومن سلبياتها (دروس الفشل أحيانا أهم من دروس النجاح). فمن لا يُمارس، وحده لا يخطئ؛ وإنه الخطأ الأكبر ألا نمارس.. وسلاحنا هنا هو النقد والنقد الذاتي المعتمدان على المبدئية والثقة بالمعنيين الملموسين في الرفاق والمناضلين. والثقة والمبدئية تقاس درجتهما من خلال التواصل المنظم والمنتظم، وخاصة في صفوف الرفاق الذين تجمعهم نفس المرجعية (التصور السياسي والإيديولوجي)..
واعتمادٌ صحيح لهذه الخلاصة ليس غير تكثيف الفعل النضالي المُنظم والمُنتظم الهادف الى بلورة المخارج العلمية للصراع الطبقي المُحتدم بقيادة التنظيم المستقل للطبقة العاملة.. والفعل النضالي المُنظم والمُنتظم لا يستقيم بدون التنظيم الثوري (لا حاجة للف والدوران). والتنظيم الثوري لا ينسجم والعمل في إطار الشرعية (لا حاجة مرة أخرى للف والدوران). ونفتح قوسا هنا ونُسجل أن من بين الأعطاب المُميتة التي تُلاحق مُكونات اليسار بالمغرب في علاقة الأمر بالتنسيق والتحالفات السياسية هو عدم الوضوح السياسي والإيديولوجي. فهناك شعارات في وادي وممارسة في وادي أخرى!!! إنها أعطاب موروثة من الماضي، وخاصة من طرف "أجيال" ما يسمى ب"الحركة الوطنية" ومنذ انبثاق "كتلة العمل الوطني" سنة 1934. ولعل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد تفوق بهذا الصدد على غيره من أحزاب "الحركة الوطنية"، ونقصد أساسا حزب التقدم والاشتراكية منذ "الزعيم" الراحل علي يعتة وحزب منظمة العمل الديمقراطي الشعبي (بنسعيد أيت يدر، البرلماني الوحيد سنة 1984). وبكلمة أخرى، فأن تكون ثوريا، يعني أن تكون خارج الشرعية (أي القانونية التي تُلزمك/تُرغمك بسلوكيات واعترافات وقيود تُناقض أهدافك ومشاريعك، بل ومبادئك...). ويمكن النظر إلى حرمان حزب النهج الديمقراطي من عقد مؤتمره الخامس في قاعة عمومية رغم كونه حزبا شرعيا (قانونيا) درسا لمن لديه أوهام أو انتظارات "ديمقراطية" تجاه النظام القائم اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي. كما يمكن استحضار استفزاز والتضييق على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (ذات صفة المنفعة العامة) وعلى الهيئة المغربية لحقوق الإنسان (ستنظم هذه الأخيرة وقفة احتجاجية أمام البرلمان يوم الجمعة 29 يوليوز 2022)...!!
إن النظام القائم لا يرحم أمام التناقضات الطبقية اليوم أو غدا، كما لم يرحم بالأمس..
المناضل اليوم؟
أولا، التخلص من أوهام الشرعية (القانونية) ومن بعض الأشكال "المُثيرة" (العاطفية أو الناعمة) كالهاشتاغات البليدة (المقاطعة سابقا) و"النضال" الرقمي (الافتراضي) المعزول عن الواقع.. نحتقر أخنوش وحزب الأحرار وباقي الأحزاب الرجعية ومنها الظلامية والشوفينية، لكننا نصارع نظاما طبقيا رجعيا بجيوشه العسكرية والالكترونية وليس فقط أشخاص أو أجهزة/أدوات محكومة لا تُقدم ولا تُؤخر؛ فليخْجل من "يحارب الحيط القصير" وهو مزْهو بنفسه (الطاووس) العليل؛
ثانيا، الحضور النضالي المُنظم (في حدود) والمُنتظم في معارك الجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. والحضور بمعنى الانخراط النضالي الفعلي في قلب المعارك وليس فقط في متابعتها رقميا (COPIER-COLLER)..
إنه التحدي النضالي المطلوب وليس "الهاشتاغ" الجاهز ولو في حدود الملايين.. إن المتابعة الرقمية مفيدة، بل مطلوبة ولابد منها، لكن الإدمان عليها والغياب عن الواقع (لا نقصد وقفات البرلمان الروتينية واللطيفة المصحوبة بالعناقات والسيلفيات...) يخفي الانتهازية المقيتة والابتعاد عن "كل ما من شأنه" وحب الذات المرضي...؛
ثالثا، الاشتغال، بل الانشغال الواعي ببناء الحزب الثوري، الحزب المستقل للطبقة العاملة، ليس طبعا بترديد (REDIFFUSION) المقالات السابقة وإنتاجات "الخصوم" ولو تكن معبرة، بل بالانضباط والتنسيق التنظيميين لاستشراف المستقبل والآتي بكل معاني الإنتاجية والتقدم في المسار التنظيمي...
لم نُدل بجديد حتى الأن، لكننا نُؤكد على المطلوب الآن (اليوم قبل الغد)...
إنه الفارق الملموس بين المناضل الثوري (العامل والفلاح الفقير والمثقف الثوري، مكونات الحزب الثوري) وباقي الفاعلين السياسيين الانتهازيين (البورجوازيين الصغار بالدرجة الأولى) والمُهرجين السياسيين والنقابيين والجمعويين، عُملاء النظام القائم..
ولنكن عمليين، فمن نسي أو تناسى الشهيد عبد الحكيم المسكيني (شهيد شهر يوليوز)، ماذا لديه عن الشهداء مصطفى مزياني وعبد الحق شبادة وبوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري (شهداء شهر غشت، شهداء الشهر الشهيد)؟
إنها علامات ارتباط المناضلين بعضهم ببعض..
إنها الإشارات المُعبّرة عن مُعانقة قضية الشهداء، قضية شعب، قضية الطبقة العاملة تدقيقا..
وللوضوح الثوري، السياسي والإيديولوجي، فمن لا يتبنى قضية الشهيد ودربه وطريقه، وخاصة مواقفه (الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية) و(النظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي) لا علاقة له بالشهيد.. أقصد هنا شهداء الحركة الماركسية اللينينية المغربية السابقين واللاحقين (عبد اللطيف زروال وسعيدة المنبهي ورحال جبيهة وبوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري وتهاني أمين وعبد الحق شبادة ومحمد أيت الجيد بنعيسى والمعطي بوملي ومصطفى مزياني...)..
نعتذر بجرأة نضالية، لا يشرفنا إقصاء اسم أي شهيد يتبنى مشروع الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
إنها معادلة سياسية بسيطة.. من لا يرفع، أي لا يتبنى، شعارات شهداء الحركة الماركسية اللينينية المغربية ليس معنيا بهم.. ومن حقه رفع ما يشاء من الشعارات، لكن دون ادعاء الانتماء لهؤلاء الشهداء، على الأقل وأخلاقيا، احتراما لهم...
وعندما يكون هذا الوضوح، قد تكون تحالفات واضحة.. ومن يسعى الى الغموض، فإنه يُمارس التمويه ويُعطّل آلة/آلية التحالف المطلوبة في مرحلة الثورة البورجوازية، أي الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية..
فشتان بين ادعاء الانتماء الى العمال مثلا (هكذا، بجرة قلم)، والانتماء الفعلي للعمال (معارك وتنظيم وأفق ثوري، وليس إصلاحيا)..!!
نحن واضحون نظرية وممارسة (ثورية والتزاما ومبدئية ونظافة اليد وصمودا وتحديا حتى النهاية، بالأمس واليوم وغدا ودائما، أي انتصار قضية شعبنا العادلة، قضية الطبقة العاملة أولا وأخيرا)..
وعندما يكون التحالف الطبقي واضحا، تكون القوة الطبقية ويليها الحفاظ النضالي على المكتسبات المنتزعة بالدم والأظافر والتضحيات الجسيمة وانتزاع أخرى؛ وبالتالي صُنع المستقبل السعيد لشعبنا الشقي الذي يستحق الحياة الكريمة، بعد الصراع الطبقي النقي بين الطبقة العاملة والبورجوازية، لكي تسود ديكتاتورية الطبقة العاملة وتفوز عبر الثورة الاشتراكية بوابة الشيوعية (باختصار، كُلّ حسب حاجته)...