المشاركة في الأشكال الاحتجاجية لا تعني دائما الاقتناع الكامل بها أو تزكية الجهة الداعية إليها أو القبول بسقفها.
إن ما يهمنا وبالدرجة الأولى من المشاركة في الأشكال الاحتجاجية المعلنة هو الدفاع عن مطالب القواعد وحقوقها، وأيضا التواصل معها والعمل على تأطيرها وبلورة الشعارات المناسبة للحظة السياسية الراهنة مع إعطاء العمق الطبقي والأبعاد الكفاحية للأشكال الاحتجاجية حتى لا تغرق هذه الأخيرة في البوتقة البورجوازية الصغيرة التي تغذي "نعرة" الفئوية الشوفينية وتعزل الشغيلة عن جذورها الطبقية..
كما أن الانخراط في النقابة لا يعني تزكية قيادتها أو تبني كافة المواقف والقرارات الصادرة عنها.. إن انخراطنا في هذه النقابة وليس غيرها يقوم على مدى استقطابها لأعداد كبيرة من الشغيلة، العمال والفلاحين الفقراء أساسا؛ ودون أن يعني ذلك عدم الانخراط في النقابات القطاعية غير المنضوية في المركزيات النقابية. وهنا تكمن أحد أدوار ومهام التنظيم السياسي، فهذا الأخير صاحب قرار، أو على الأقل صاحب اقتراح الاشتغال وبشكل ديمقراطي في هذا الإطار النقابي أو الجمعوي دون غيره...
وبدون شك، فالانخراط في نقابة معينة أو المشاركة في شكل احتجاجي معين لا يعني ذلك التوقيع على بياض. فالمطلوب نضاليا مواصلة فضح أي انحراف أو أي خلفية انتهازية أو أي تواطؤ للقيادات البيروقراطية أو أي توظيف للمعارك النضالية التي تُقدّم الشغيلة من خلالها تضحيات جسيمة، تجاوزا للأعطاب الحالية التي تتوسع بفعل حب الحفاظ على عوائد الريع والممارسات المشبوهة والتمسح بأهداب القيادات والجهات السياسية "الحاضنة"..
إن من بين مهامنا النضالية الحضور حيت حضور القواعد المناضلة والفعل النضالي. وإلى جانب التأطير والتواصل، هناك مهمة المتابعة عن قرب من أجل التوثيق واستخلاص الدروس والتصدي للمرتزقة وسماسرة العمل النقابي والجمعوي. إن تخصيب الصراع الطبقي والمساهمة في تأجيجه لا تتأتيان من بعيد أو عن بعد (المقاهي أو الوسائط الافتراضية،Télémilitantisme" "). لا ننفي نجاعة الإعمال الذكي للتكنولوجيا وأهمية تطوير أدائنا على هذا المستوى، لكن الاقتصار عليها وحدها سيعمق "عزلة" المناضلين ويغذي محدودية أثرهم وتأثيرهم الميدانيين، سياسيا ونقابيا وجمعويا..
إن التردي الخطير للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومستوى الفقر والهشاشة المستشريين يفرضان وأكثر من أي وقت مضى الانخراط النضالي الواعي والفعال في كافة الأشكال الاحتجاجية التي تتوخى من خلالها الشغيلة وكافة الجماهير الشعبية المضطهدة مواجهة مخططات النظام الطبقية المدمرة بكل القطاعات الإنتاجية، وتتطلع إلى الحفاظ على المكتسبات وانتزاع أخرى..
لنشارك في الأشكال الاحتجاجية المعلنة الآن من طرف الكنفدرالية الديمقراطية للشغل (والنقابات القطاعية المنضوية في صفوفها) والاتحاد المغربي للشغل (والنقابات القطاعية المنضوية في صفوفها) والجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي. فلا شيء يبرر غياب المناضل غير انشغاله بمهام نضالية أخرى. وليس بالضرورة أن يحضر المناضلون في صيغة الإنزال، وكأن الشكل النضالي معركة لحسم السلطة السياسية. فلابد من قراءة الحدث، أي الشكل الاحتجاجي، على ضوء الشروط الذاتية والموضوعية وكذلك الظرفية السياسية والأهداف الدقيقة من المشاركة فيه..
إن الخط الأحمر هو الأشكال التي تدعو إليها القوى السياسية الرجعية، ومن ضمنها القوى الظلامية والشوفينية بغاية البهرجة والتضليل. ويتطلب الأمر عموما التصدي الميداني والفضح النظري للقوى السياسية التي ألفت امتطاء الأشكال الاحتجاجية لقضاء مآربها..