2022/12/24

حسن أحراث// عشق الممنوعات (صديقنا الملك)..


قرأت اليوم تدوينة للرفيق الراقي عبد الله بيرداحا بعنوان "أفكار لمن يهمه ويهمها الأمر"، أدرج منها هذه الفقرة الجميلة:

"زمن السبعينات وبداية الثمانينات كنا نقرأ كتبا ممنوعة من طرف السلطة الحاكمة، وكنا نضع لها أغلفة وكنا أيضا لما نقتنيها نضعها وسط جريدة أو تحت الجاكيط لكي لا ترصدها أعين المخبرين، حدثت لنا مشاكل بسببها ولكننا نجونا منها بأعجوبة..".

لقد أعادتني هذه التدوينة المُعبّرة الى زمن ليس بالبعيد، وبالضبط الى سنة 1991، مباشرة بعد مغادرتي السجن.

كنا، الرفيق نور الدين جوهاري وأنا، بمدينة الدار البيضاء؛ وحصلنا بطرقنا الخاصة على كتاب "صديقنا الملك" (NOTRE AMI LE ROI) الصادر سنة 1990 لمؤلفه جيل بيرو. وهو الكتاب الذي أثار ضجة إعلامية كبيرة حينذاك و"عكّر" صفو العلاقات المغربية الفرنسية. ولأننا من باب المسؤولية مطالبون بإعادته لصاحبه في أقرب وقت، ولأنه يتعذر علينا قراءته بتأنّ في وقت وجيز، فكرنا في نسخه (PHOTOCOPIER). لكن، كيف ذلك وفي تلك الفترة، أي بداية التسعينات من القرن الماضي حيث محلات النسخ نادرة؟

ارتأينا في الأخير نسخه بالتقسيط، أي نسخ جزء لدى هذه المكتبة وجزء آخر لدى مكتبة أخرى ومن حي الى آخر، وهكذا دواليك دون إثارة الانتباه مع إخفاء واجهة الكتاب. ونحن بالحافلة لنغير الحي، حصل شجار حاد بين راكبين؛ وهو ما حدا بالسائق الى إغلاق الأبواب والتوجه نحو أقرب مقر للشرطة. لحظتذاك، تملّكنا شيء من الرعب ولم يكن أمامنا بالنظر الى خطورة الممنوع إلا التفكير في "مُجازفة" القفز عبر النوافذ. وتساءلنا "هل حظنا سيء الى هذه الدرجة؟".

وكان الجواب مباشرة "ليس سيئا الى ذلك الحد"، حيث تصالح الراكبان وعاد الهدوء الى الحافلة، وبالتالي عدل السائق عن ولوج مقر الشرطة وأكمل الرحلة العادية ("نجونا بأعجوبة")..

تنفسنا الصعداء واقتصرنا بعد ذلك على نسخ الجزء الذي يهمنا أكثر من الكتاب، وهو الجزء الخاص بمعركة الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري. ولم ننم ذلك اليوم الصعب حتى وضعنا "الجمرة" بيد صاحبها. 

وبمناسبة الحديث عن هذه الواقعة، أذكر أننا (جوهاري وأنا) بعثنا رسالة الى المؤلف جيل بيرو من أجل تصحيح بعض المعطيات المغلوطة الواردة في الكتاب، إلا أننا لم نتلق أي رد (إذا توصل بالرسالة)، ولم نشهد أي تصحيح بشأن ملاحظتنا.

عموما وبفرط حماسنا، كنا متعلّقين بالممنوعات وبشكل مبالغ فيه. لأن ذلك في فترات سابقة مصدر معلومات غير متداولة، بل ومصدر فخر واعتزاز بالذات. وأكثر من ذلك، جعل منا مناضلين "متميزين" ذوي كاريزما خاصة. فأن تستشهد أو تدلي بمعلومات نادرة أو بمراجع ممنوعة/سرية، فأنت مناضل "ثوري" فوق العادة. وكانت مجلتا "الى الأمام" و"23 مارس" الممنوعتان/المحظورتان/السريتان تغذي فينا هذا العنفوان أو هذا الكبرياء..

ولا يفوتني وهذا البوح العابر أن أسجل أننا اطلعنا في الثمانينات على رواية "كان وأخواتها" لمؤلفها عبد القادر الشاوي، ونحن محاصرون بدهاليز ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء في إطار معركة الشهيدين البطولية، علما أن الرواية لم تصدر حينذاك في صيغتها المتداولة فيما بعد..

تحية لجنود الخفاء بكل المواقع، بما في ذلك مواقع التعذيب والاعتقال..

لا "ممنوع" أمام الإرادة القوية والاقتناع الراسخ بالقضية. فقط، ليس كلُّ ممنوع صحيح ومفيد؛ وليس كلُّ ما يلمع ذهباً..




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق