من خطاب الجلوس لمحمود درويش:
"سأختار شعبي
سأختار أفراد شعبي،
سأختاركم واحدا واحدا من سلالة
أمي ومن مذهبي..."..
حدثنا درويش عن اختيار الظالم للمظلوم. فهل توقّع اختيار المظلوم للظالم (سأختار جلادي...)؟!!
يُقال بكاريكاتورية مأساوية، ونقلاً عن درويش، الحاكم الديكتاتور يختار شعبه. والحال اليوم ينطبق على شكيب بنموسى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. فهذا الأخير اختار "شعبه" (شْحال من واحد ببلادنا المغرب عندو شعبو، ونعرفهم جيدا في الماضي والحاضر). لقد اختار بنموسى أن يُحاور النقابات التعليمية التي وقعت إلى جانب وزارته اتفاق 14 يناير 2023. وهو الاتفاق الذي لم ينل قبول أغلب فئات الشغيلة التعليمية وكذلك الجامعة الوطنية للتعليم (FNE)التي رفضت التوقيع على الاتفاق، كنقابة قطاعية ضمن النقابات الأكثر تمثيلية. إنه ردّ فعل "تأديبي" أو بالأحرى أسلوب انتقامي ماضوي يُعبّر عن الرؤية المتخلفة والأُحادية التي تُؤطر تعاطي الوزارة الوصية مع النقابات، سواء القطاعية أو المركزية. فشهر أو خطاب العسل الذي دشّن به بنموسى حواراته مع النقابات والذي أبهر هذه الأخيرة جميعها (5 نقابات ذات التمثيلية) إبّانه لا يدوم إلاّ مع الخضوع والقبول بالفُتات. وقد نقول إن بنموسى انتقل من "خطاب العسل" اللّطيف الى "خطاب الدّيكتاتور" الشّرس، وللدّقة انتقل من الخطاب "المعسول" الى الممارسة "المُرّة". وقد تجلّى ذلك بوضوح من خلال القرارات التّعسُّفية في حق أستاذات وأساتذة "التعاقد" الرافضات والرافضين لمُخرجات صفقة 14 يناير "الغامضة". إن النظام القائم لا يختار فقط شعبه، بل يختار وبعناية خُدّامه أيضا، وبنموسى خادم مُطيع بتوابل خادعة. ولا يمكن إلا أن يُكشّر عن أنيابه في الوقت المناسب، سواء من اختياره أو من اختيار أولياء أمره، رغم مساحيق الأناقة واللّطافة الباديتين على شخصه..
وافق بنموسى على طلب "الجُلوس" (السِّرِّي) المُقدّم الى الوزارة من طرف أربع نقابات "ذات التمثيلية" يومه 24 مارس 2023. ومن حقّنا أن نعتبر هذه التمثيلية (الهديّة) مخرجا للوزارة لتفادي مأزق إقصاء نقابة "ذات التمثيلية" من حقها في المشاركة في "الحوار" ومتابعة أطواره السالفة.
والرابح هنا وبالمكشوف هو الوزارة أو "المايسترو" بنموسى (ضربة معلم). لأنه لم يقُم بغير استقبال أو استدعاء نقابات طلبت لقاءً شكلياً للطّمْأنة ودرّ الرماد في العيون أمام الاحتقان الراهن وفقدان الثقة في الوعود، وبالتالي متابعة "الصفقة" التي وقّعتها عن طيب خاطر وفي أجواء حميمية تحت أجنحة وأعين رئيس الحكومة أخنوش المتهم بكل مآسي الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية الحالية..
والأخطر حقيقة ليس الوزارة أو بنموسى (خطورة النظام والوزارة لا غُبار عليها)، إنه المبادرة الانفرادية الصامتة لأربع نقابات جمعها مع النقابة "المتمردة" الكثير من الود (التنسيق)، وخاصة النقابة الوطنية للتعليم (CDT).
فقبل إقصاء الوزارة، كان إقصاء الحلفاء ومنهم الرفاق..
وقبل انتقام الوزارة، كان انتقام الحلفاء ومنهم الرفاق..
والأمر ليس عصِيّا على الفهم، إنه "اللعب مع الكبار". أن ترفض نقابة التوقيع على اتفاق 14 يناير في الوقت الذي وقّعت عليه أربع نقابات، يعني فضح "اللعبة"، أي أن المُوقّعين متواطئون مع الوزارة.. إنه ردّ الصاع صاعين..
والجُرأة تقتضي وضع النقط على الحروف، من المسؤول؟
إنها مناسبة تفضح الشعارات المرفوعة ليس فقط من طرف الوزارة، بل من طرف النقابات أيضا.
أين شعارات المحاسبة والديمقراطية والشفافية والتنسيق والتضامن...؟
أين مصالح ومطالب الشغيلة في ظل مسلسل تصفية الحسابات، سواء بين الوزارة ونقابة أو بين النقابات نفسها؟
وأكثر من ذلك، أين البرامج والأشكال النضالية التي من شأنها انتزاع حقوق الشغيلة وتحقيق مطالبها؟
وفي آخر المطاف، لابد من تحمُّل مسؤولية المواقف والقرارات المُعلنة ومواصلة المعركة بانسجام احتراما للذات أولا وللقواعد النقابية ثانيا..
أما الوزارة في شخص مُدلّلِها بنموسى، فهل تُوافق على طلب الجامعة الوطنية للتعليم (FNE) بشأن "الجلوس"، ممارسةً وليس خطاباً؟
ولننتظر الى جانب الشغيلة نتائج "عبقرية" الوزارة و"حواريّيها"...