2023/06/19

سفيان غسان // في الذكرى 42 لانتفاضة 20 يونيو: جوهر الانتفاضة ومحور القضية مستمران...


42 سنة مرت على انتفاضة شعبنا في 20 يونيو 1981 بالدار البيضاء وجوهر
اشتعالها ومحور القضية مستمران. العمال والجماهير الكادحة هي حقل تصريف الازمات.. هي حقل القاعدة المعنية بحساب الخسائر. هي نبض الآلام والمآسي، بل كلما زاد الهجوم تتوسع الدائرة الملتهبة ويتعمق ويتعمم ليشمل فئات كانت نسبيا في وضع مريح.

 هذا هو واقع الحال في الصراع الطبقي المشتعل في بلادنا. فالثابت الذي لا يتغير في ظل النظام القائم أن مخرج الأزمات هو تكثيف الاستغلال للعمال والهجوم على مكتسبات الشعب وسرقة ثرواته. إنها المعادلة المستمرة.. وإضافة اليوم، هو تمكن الرأسمالية من تسليع كل شيء، أي شيء تريده سلعة لمراكمة الأرباح وسلب جيوب الكادحين وإرسال أي شيء، سمي سابقا، بالمنفعة الاجتماعية أو العامة إلى سلة النفايات، كما قيل عن أوضاع مماثلة الى حد كبير لأوضاعنا:

"فليتم خصخصة كل شيء، وخصخصة البحر والسماء، وخصخصة الماء والهواء، وخصخصة العدل والقانون، وخصخصة السحابة العابرة، وخصخصة الحلم، خاصة في حالة ذلك إنه يحدث نهارًا وبعيون مفتوحة. وكتاج لجميع الخصخصة، خصخصة الدول، وأخيراً تسليم استغلال أنفسكم لشركات القطاع الخاص مع الشركات الدولية".

بعد مرور 42 سنة لازلنا نعيش وضعا مماثلا وهجوما أعمق.. زيادات تفوق بكثير نسب الماضي وأكثر من ذلك تعم كل السلع وسطو شامل على المكتسبات. وبالعودة لتلك الفترة والوقوف على الأرقام تتضح الصورة بعمق:

ففي مطلع سنة 1981، قرر النظام القائم بالمغرب والقوى الرجعية، فرض زيادات كبيرة في كل المواد الأساسية الضرورية: الدقيق بنسبة 40%، السكر 50%، الزيت 28%، الحليب 14%، الزبدة 76%،.. مباشرة بعد زيادات أخرى كانت على التوالي في سنتي 1979 و1980. وقد برر النظام هاته الزيادات، وفق سنفونيته المعهودة، بأنها شر لابد منه لإنقاذ "الاقتصاد المغربي" و"الموازنة العامة"، كما تحجج كذلك بالظرفية العالمية، متجاهلا دعوات فئة عريضة من الشعب المغربي إلى التراجع عن هذا القرار الذي يخدم مصالح البورجوازية الكبيرة والامبريالية وينسجم وتوصيات مؤسساتها المالية. 

لكن النظام، نظرا لطبيعته وعمالته، أصر على اقرار تلك الزيادات، دون مراعاة وضعية الفقر المدقع لعموم الشعب المغربي الذي عبر التفشي المهول لظاهرة الهجرة القروية نحو المراكز الحضرية والتسابق على الهجرة نحو الغرب ودول اوروبا الغربية على الخصوص، هربا من جحيم المعاناة التي تسببت فيها مخططاته الاجرامية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وحملات الاعتقال والقمع والتشريد وتصفية مكتسبات الشعب المغربي.

ولم ينتظر الشعب المغربي جولات الحوار والتودد والانبطاح التي قادتها ما سمي "معارضة" آنذاك، بل فجر انتفاضة بطولية بمدينة الدار البيضاء، سبقها اعلان نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن اضراب عام في جميع القطاعات.

يوم 20 يونيو 1981 خرجت الجماهير الشعبية بالآلاف في تظاهرات شلت مدينة الدار البيضاء، وبعدما عجزت قوات القمع عن ردع التظاهرات، أعطي الأمر لوحدات الجيش للنزول والتدخل. وبكل وحشية وهمجية، شرعت الدبابات وفرق الجيش في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين والمتظاهرات، حيث اضحت شوارع الدار البيضاء حمام دم، وأعدم آلاف المنتفضين من كل الفئات الشعبية ببرودة دم، لدرجة قام فيها النظام بدفن جثث الشهداء في مقابر جماعية. وللتغطية على الجريمة البشعة قاموا بدفن عدد كبيرة من الجرحى في حفر عميقة وهم يئنون من جراحهم.

ونظم حملة رهيبة من الاعتقالات والاختطافات والمحاكمات السياسية وزع خلالها قرونا من السجن، لدرجة أن إحدى المحاكم بالدار البيضاء وزعت سنوات من السجن النافذ على المعتقلين السياسيين.

إننا اليوم، نحيي الذكرى 42 لانتفاضة 20 يونيو 1981 المجيدة، ونستحضر أرواح آلاف الشهداء الذين قضوا بنيران النظام الذي لازال قائما جاثما على صدورنا، وتضحيات المعتقلين السياسيين وعائلاتهم، حتى لا ننسى ولو للحظة واحدة، أن من ارتكب تلك المجزرة الوحشية، وارتكب مجازر أخرى قبلها وبعدها، هو نفسه النظام الحالي القابض على رقاب شعبنا. كيف لا والسجون مكتظة بالمعتقلين السياسيين؟ كيف لا ولائحة الشهداء في ازدياد مستمر؟ كيف لا وجل فئات الشعب المغربي تعيش وضعية مزرية تزداد قتامة يوما بعد يوم؟

فعصابة النهب التي تحكم البلاد تبسط قبضتها على كل مناحي الحياة، فالفلاحون الفقراء أصبحوا محتجزين بين الجفاف المستشري لسنوات، وبين نهب الثروة المائية السطحية والجوفية (نمودج فلاحي زاوية سيدي بن عيسى صفرو)، والتحكم في تجارة البذور المعدلة وراثيا وخاصة من طرف الكيان الصهيوني المتغلغل في بلادنا وبعدما تم القضاء على البذور الطبيعية مما يحتم عليها الارتهان الى شراء تلك البذور بأثمنة جد مرتفعة.

والعمال يعيشون أوضاعا مأساوية بعدما تجمدت أجورهم، في القطاع الصناعي عند سقف 3000 درهم، و2250 درهم في القطاع الفلاحي، أمام الارتفاع الصاروخي لكل المواد الاستهلاكية، ناهيك عن تخلي القيادات النقابية عن ما تبقى من مكتسباتهم التاريخية وهرولتها لمعانقة النظام والضرب بيد من حديد على كل من خرج عن اجماعها على بيع مصالح الطبقة العاملة دفاعا عن مصالحها الانانية الضيقة، والخطير هو معانقة قاعدة  من "المناضلين اليساريين"  في الحقول النقابية والسياسية والجمعوية لتجار المآسي والمتصهينين (المرحبين بالتطبيع).

دون أن نغفل عما تعيشه باقي الفئات الشعبية من قهر وحرمان واجهاز على المكتسبات.

اننا نعيش في زمن أكثر قتامة مما عاشته الجماهير الشعبية إبان سنوات الانتفاضة الشعبية سنة 1981، لكن حقيقتنا المرة اليوم هو التردي الذي عم الحركات المناضلة، وتحكم النظام في حركات وقطاعات كانت في الأمس القريب مزعجة، وانكشف العجز عن الوقوف في وجه النظام ومخططاته. إن انتفاضة 20 يونيو تنادينا لتجاوز تعثراتنا والمضي قدما لإعادة مسار التحرر إلى سكته الصحيحة.

يكفينا الألم الذي يعيشه شعبنا يوميا في المعامل والضيعات، في المدارس والشوارع.

يكفي أن نتفحص التاريخ القريب لنعلم أننا قادرون على صنع الفارق، إن نحن استرشدنا بتاريخ النضال المرير لشعوب العالم وللشعب المغربي.





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق