2023/06/01

حسن العبودي // لماذا يكتب المناضل، ولأي هدف يكتب، ولمن يكتب...


يقال "لا تزعم معرفة باريس بقراءة دليل أرقام الهواتف".

لماذا يكتب المناضل، ولأي هدف يكتب، ولمن يكتب؟

الكتابة لذا المناضل ليست أداة للتسلية، ولا محاولة هروب من مجابهة الواقع، وعالم البشر الذي لا مفر من رجسه، بصياغة المفردات.. بل هو شكل -ربما الاكمل والاعمق- لتقييم وتقديم، وتعميم، وتعريف وفحص للظروف الإنسانية الملموسة، في الشروط الاجتماعية التاريخية المحددة، وتحليلها بطريقة ملموسة.. من أجل الدعاية والتحريض، والوعي الطبقي. هو عمل واع منسجم هادف، منجز طبقا لما يبدو للمناضل، أو للتنظيم الثوري الذي ينتظم فيه، كمهمة مدروسة تصب في الإطار العام للنشاط السياسي والنضالي.. 

المناضل المعني في هذا العمل، هو مناضل الطبقة العاملة، المناضل الماركسي اللينيني. يعني عضو الطبقة العاملة الواعي سياسيا، والملم بالنظرية الماركسية، نظريتها -نظرية الطبقة العاملة-، والمرتبط بهمومها وطموحها ومشروعها التاريخي، بمعنى جزءها الواعي بمتطلبات الصراع الطبقي..

 ومناضل الطبقة العاملة ليس بالضرورة عامل مناضل، لان الماركسي اللينيني غير العامل يتخلى عن مصالحه الانانية الناجمة عن انتمائه الطبقي ويتبنى مصالح الطبقة العاملة وعليه يصبح جزءا منها، وحامل لمشروعها ويناضل في صفوفها بهدف إنجاز مهامها التاريخية الآنية والاستراتيجية. 

لذا اقول المناضل الحقيقي، الماركسي اللينيني، يكتب لشعبه ولرفاقه، يكتب لمن يشاركونه معاناة الواقع الحي، يكتب لمن تشبعوا بما يجتازه الشعب والإنسانية جمعاء.. يكتب عن المعاناه عن الاستغلال عن النهب، عن القمع، عن السجون، عن الحرية، عن الاطفال،.. عن طرق الرأسمالية في زيادة أرباحها وما تعنيه الزيادة من سرقة لقوت باقي الشعب.. يكتب في الادب وفي الفن وفي العلم وفي الفلسفة لخدمة القضية.. يعني أنه يكتب عن الوطن وعن الشعب وعن الإنسانية..

إذا المناضل الحقيقي أمامه تحدي حقيقي، أمامه مسؤولية، وهي مسؤولية من حجم مسؤولية شعب. ولا يعني الأمر أن المناضل مطالب بتعويض الشعب بل المهمة تستدعي الوقوف بكل وضوح وبشهامة واستقامة في مقدمة القافلة.. 

إذا الكتابة بالنسبة للمناضل صراع، والصراع الذي يخوضه المناضل في كل مرحلة من مراحل النضال وفي كل ظرف من ظروف المجتمع الذي يعيش فيه هو صراع طبقي. ولذلك فان الهدف الاستراتيجي الذي يضعه المناضل هدفا له هو بالضرورة هدف طبقي.

فالمناضل معني بكتابة الكلمات الحية التي تضج بالحركة واللون والدفء وتجعلك تعيش وسط الشارع والعمل  بل حتى السجن..أي تعيش حيث الحياة الواقعية، تعيش نبض الشعب..

صحيح، كما قال الشاعر الانجليزي جون دون Donne "لا أحد ينام على مركبة تقوده الى سقالة الاعدام".. وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن أن نترفع عن حقيقتنا في ما أوصلتنا إليه هجمات، ومخططات، الأعداء من الإمبريالية والصهيونية والرجعية، وكل من تحولوا لخدام أهداف الاعداء من السياسيين والنقابيين والجمعويين والصحفيين والمثقفين.. فقد اقول جلنا صرنا نغرق في نوم إرادي، أو للتخفيف اضطراري، النوم صار من المهد إلى اللحد، وقد اقول أننا غير مستيقظين كليا؛ فإحدى المهام العظيمة لمن استيقظ فينا اليوم: إيقاظ الرجال الذين يقادون إلى سقالة الاعدام.. إنه التحدي النضالي، ومهمة ثورية.. أما إن إلتزام المستيقظ في مراقبة نومنا أو حتى في استعطاف الجلاد فحتما لن نخلف حتى كلمة أخيرة. 

إن إحدى عيوب المناضل، حين يخوض في النقاش، هي استرشاده في الجدال بطريقة الشاعر "واضرب عدوك بي" لأنه من المثير للسخرية فحص جرثومة بالعين المجردة، وفحص المجتمع بالمجهر، وهي أحدى عيوب من يؤمنون بالموضوعية وينسون أن الواقع الملموس يتطلب التحليل الملموس ولا يتقبل الإسقاط.. فالسياحة على كل جغرافية الأرض لا تقبل اعتماد وسيلة نقل واحدة. فالتنقل على جبال الهيملايا ليس هو التنقل على جزر البهاما في البحر الكاريبي.. وكل الثوريين المشهود لهم، الخالدين، خلفوا اعمال تصب في خدمة قضايا الشعوب ولم نجد لهم أثر لاعمال الدعاية لمصالحهم الذاتية المرتبطة بمصالح الرأسمالية. وأكبر عيب قد يقع فيه المناضل هو التضحية بالحقيقة والعمق من أجل المصلحة الذاتية.. 

في الواقع كلنا نعلم ما المنحنى، أو ما يتعلق بعلم الجيولوجيا وتكون الأرض، ومساحتها، فهي ماهيات يمكن ويجب تحديدها بدقة متناهية. ولانتمائها لعالم الرياضيات، فهي ليست فقط دقيقة، بل لا يمكن أن تكون غير ذلك. لكن في قضايا السياسة والصراع الطبقي فالمنحنى ليس كذلك لان النظرة تختلف لحد التناقض من موقع طبقي لآخر.. 

في تقديري، وفي فهمي، المتواضع، لتجارب عدة عالمية ومحلية، أن المناضل المقاتل يجب  عليه استثمار كل ما هو مفيد للوصول إلى الأهداف التي يطمح شعبه أو الشعوب الوصول إليها، وهذا من الوجهة الثورية أمر شرعي.. بينما كل اجتهاد أو عطاء قد يستفيد منه العدو فهو انزياح وما أقبح ذلك حين يكون بخلفية خدمة مصالحنا الأنانية.. ويزداد قبحا حين نزينه ونشرعنه باسماء الثوار وبالاخص بأحد جنود الجدل والصراع الطبقي. هنا مأساة نكران الذات.. إنه التأرجح بين خطين.. 

أجمل شيء في الثائر هو الاستقامة الثورية.. هو الانسجام.. هو قدرته على تقييم نشاطه في إطار الصراع.. هو إيمانه بأنه ليس الثائر من يصنع الثورة بل الشعوب الثائرة هي من تصنع الثورة حين تمتلك تنظيمها الثوري، كما قال الشاعر والمؤلف الفرنسي "بول كلوديل": " ليست الكلمات هي من صنعت الأوديسة، بل العكس..". فالثائر الحقيقي تسيطر عليه فكرة الثورة لحد التعصب، وهي حالة من التعصب التي تلازمه، بحيث لا شيء يسبق الثورة، بل يضحي بأي شيء بما فيه أسرته من أجل الثورة.. ودون هذا الخيار لا يمكن للثوار أن يساهموا في صنع الثورة الحقيقية، أو أن يخلفوا إرثا ثوريا للأجيال من أجل الاسترشاد به.. وكل هذا لا يعني أن الثائر لا يخطئ؛ الثائر بدوره إنسان، قد يصيب وقد يخطئ.. ولكن ميزته انه دائم التقييم لنشاطه والتجارب الإنسانية ويحول كل هذا العمل الذي يستجمعه باستمرار إلى طاقة لتصويب الذات وللاسترشاد في الممارسة..

يجب على الثائر أن لا يتحول، لنسخة الرجل عند هولدرلين: "عندما يحلم الرجل فهو إله وعندما يفكر فهو ليس إلا شحاذ".

 اننا في عصر حولت فيه الرأسمالية الإنسان إلى "أشياء" يتم تصنيعها في سلسلة ووضعها في قالب من التربية موحدة النمط والمنهج، ينفلت البعض ومع ذلك لاتزال متحكمة في عقد السلسلة، ومن أغلب المنصاعين تملأ المكاتب والمصانع والكليات والمعاهد.. وهم من يهتزون بالإجماع يوميا بهدف تنشيط الانسلاخ عن الاهداف النبيلة وبسبب الأخبار المتحكم فيها على المواقع  الإلكترونية. وهذه الكائنات فسدت وتحولت إلى أشياء وشيأت معها القضايا بواسطة الصناعة المبهرة الرديئة الذوق، ومن خلال الصورة الصحفية الملونة.

سبق للرفاق في البديل الجذري أن قدموا أعمالا قيمة ومهمة استندت على دراسة وتحليل علمي كجهد قيم يحتسب لهم، في السبق وفي المسؤولية الثورية أمام الشعب، سواء الموقعة باسم "تيار البديل الجذري" أو باسم "أحمد بيان"، وما يهمني في هذه المناسبة، العودة اليه، عمل تحت عنوان "في كيفية وضع البرجوازية الكبيرة يدها على كل الفائض الناتج عن عرق الكادحين  "  والموقع باسم التيار، بتاريخ 2018 / 3 / 12، في هذا العمل توقف الرفاق مبكرا، وكان لهم السبق في ذلك، على عملية الإغراء والتوهيم للعمال من طرف "مجموعة مناجم" (مجموعة مناجم تضم أكثر من خمسة عشر شركة عملاقة لمختلف المعادن كالذهب والفضة والكوبالت والنحاس والفليورين ...الخ) بأن الادخار سيضمن للعمال الرخاء وان الطريق هو إلزام العمال، تحت شعار الشراكة بشراء أسهم في الشركة.. هذا المخطط، الذي كان فيه للقيادات النقابية المفيوزية الدور الريادي في نشر وهم تكوين الملكية على حساب المطالبة بالزيادة في الأجور. لكن هل العمال وبالأخص المناضلين الثوريين من داخل الشركة أو من خارجها اندفعوا للتشهير بخدمات الشركة لزيادة إنتاجها  وتنافسيتها داخل السوق لرفع من قيمة اسهم العمال؟ الجواب أقول لا، وبالأخص المناضلين، من داخل الشركة ومن خارجها، فقد انخرطوا في عملية فضح أوهام الشركة، وإن وجدت بعض العناصر التي ركبت الوهم وظلت تترقب البورصة.. إذا المناضل، من داخل مجموعة مناجم ومن خارجها، كان همه هو تعرية أهداف الشركة واستغلال كل ما يقوي قناعة العمال والشعب بضرورة خوض الصراع الطبقي ضد عملية النهب والاستغلال داخل مجموعة مناجم.. 

وبالمناسبة اختم بقول: لا يوجد داخل النظام الرأسمالي في عصر الامبريالية شيء يتمحور حول الإنسان.. لا شيء غير ارباح الرأسمالية والناس أدوات وضحية الرأسماليين، على مذبح الريح القذر والجهل! لا أمل للإنسان في هذا النظام.





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق