هنا المدينة التي تجاوز اعتصام الساكنة فيها 38 يوما أمام مقر الجماعة..
هنا المدينة التي يرغمها النظام على العفونة..
هنا العفونة محروسة ويولون لها عناية فائقة..
هنا تصرف الأموال المنهوبة من عرق الشعب لضمان استقرار العفن بالمدينة العمالية..
هنا كل الحشرات تجد المناخ الأنسب للتكاثر والتطور السريع..
بدخول المدينة العمالية يغرق سمعك في وحل حكايات الاوساخ والقادورات.. الناس تغرق..
مدينة تفتقر لأدنى مقومات الحياة.. مدينة هجرتها الاحلام.
هنا بايت عميرة حتى الماء الصالح للشرب غير صالح للغسيل.. هنا مدينة غارقة في الوحل.. وما يهم هنا هو إقامة ساكنة تليق للاستغلال كالعبيد في ضيعات مختصة بخدمة أسواق بلدان قوى الاستعمار وجيوب عملائه..
إنها مدينة نموذجية لمقبرة الأحياء.
حين تحكي مع العمال، هنا، يتسرب الظلم من الكلمات، ويخيم على أطراف الحديث العذاب الأقصى. كم لي رغبة شديدة لجعل الكتابة مرآة تعكس شيئا ما عن هذه المدينة. لكن، وللأسف، لم أجد لها انعكاس سوى في عيون العمال والعاملات وعيون الأطفال.. أما الكتابة، وبكل صدق، تعجز على عكس منسوب المآسي..
وجوههم ، تعكس شظايا حياتهم المتناثرة في مختلف الضيعات، في لا استقرار، لحد لا تكاد فيه تميز بين الأعمار، وتخفي عذابات كثيرة، ومحفورة بخطوط العذاب والتعب والإرهاق اليومي.
هنا بايت عميرة، صور الظلم مستنبتة في قلب ما نسميه مجازا شوارع وازقة..
هنا يسكن الفقر،..
هنا يسكن الظلم،..
هنا تسكن أمراض الفقر،..
هنا يسكن الموت،..
هنا تعب الفقر من التعب من جراء حجم الاستغلال والاضطهاد والتهميش..
هنا دماء العمال تمتص ليل نهار في الضيعات الفلاحية المترامية في منطقة شتوكة آيت باها لتوفر الثروة، والنعيم، والرفاه، للمعمرين وعملائهم..
هنا على فضاءات المدينة المحتلة من طرف مختلف الحشرات تحولت جلود الكائن البشري الى مرعى..
هنا السموم؛ سموم المواد الكيماوية في الضيعات، وسموم النفايات ومجاري مياه الصرف الصحي التي تحاصر الأحياء..
المياه المعدمة سكنت الأزقة، وعطر الاختناق في كل حارة.. والسيول ترسم بجريانها تشوير لمخارج، ومداخل، الدروب والشوارع، لتشكل دليل للسياح الغرباء، وكل المارة، وهم يسيرون ويتحاشون الاوحال وبرك المياه المعدمة..
هكذا هي الاوضاع في مدينة من ينتجون احتياجات البلد واحتياجات أسواق المستعمر من الخضر والفواكه.. وهذا هو الواقع الذي أخرج السكان للاعتصام أمام مقر الجماعة بخميس آيت عميرا. وبدل معالجة الوضع المريض يخافون الهياكل المقهورة والمنهوكة. ويعدون لها ترسانة القمع لإجبار الضحايا بقبول أمر الواقع. وربما النظام على حق! فالمدينة أشبه بالفضيحة. فضيحة ثابتة. لا يمكن سترها إلا باخراس الضحايا..
إنه يريد أن يجعل منها نموذج للمدينة التي تكتم الآلام بتناسيه، وبالصمت والتجاهل واللامبالاة..
فحين نقول أن الطبقة العاملة تتعرض لهجوم مطول على حقوقها؛ هجوم ينبع من تعفن نظام الاستغلال والنهب والعمالة الذي عفا عليه الزمن ، وتعطشه للربح فهنا المدينة عن آخرها تتعرض للقتل البطيء.
هذا النظام ، الذي يضع الأرباح فوق حياتنا ، هو المسؤول عن كل المعاناة التي تعيش في جلد الأطفال والشيوخ والعاملات والعمال بخميس آيت عميرة.