22‏/07‏/2023

صوفيا ملك// دفاعا عن موقفي من الحرب على الأراضي الأوكرانية


انتصار الشعوب لا يتحقق بانتصار أحد أطراف اللصوص

إن قول الحرب استمرارية للسياسة عن طريق وسائل القتال، كما عبر عن ذلك منظر الحرب البروسي الجنرال  كارل كلاوزفيتش ( 1831-1780)، قول حق، والمعنى هو: الحرب لا تحتمل التماثل وإصدار مواقف مطابقة لما سبقها من حروب، بل كل حرب تستدعي دراستها، دراسة الأطراف الطبقية المتصارعة ودراسة اهدافها من الحرب وأي طبقة أو مشاريع اجتماعية تخدم، مثلما عبر لينين عن صواب، وبوضوح، في مقدمة الطبعتين الفرنسية والألمانية لكتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية": "إن الدليل على طابع الحرب الاجتماعي الطبقي، أو بالأصح على طابعها الطبقي الحقيقي، لا يكمن طبعا في تاريخ الحرب الدبلوماسية، بل في تحليل الحالة الموضوعية للطبقات المسيطرة في جميع الدول المتحاربة..."

فالتحليل الطبقي لأطراف الحرب هو المنفذ لتبيان وتمييز الحروب التحررية عن الحروب الرجعية، 

ودون ملامسة الطابع الطبقي للحرب يحصل التيه والافتتان لما تروجه الصحافة البرجوازية والنخبة المثقفة الخاضعة والبياعة، وقد يصل الأمر لحد التفتيش عن أي مبرر من المبررات الشعبوية، للالتحاق بأي معسكر من المعسكرين وكأنه لا خيار آخر عن أطراف النزاع. فالانزياح عن النظر للصراع من مواقع طبقية واضحة، يخلف الضبابية ولا يؤهل المتداول للموضوع، -وما يهمني هو المناضل الحقيقي المدعي الانحياز إلى الشعوب-، التمييز بين الحرب الدفاعية عن الأوطان ضد قوى اللصوص الاستعماريين، المعنيين بحروب النهب والسرقة، وبين حرب اللصوص لاخضاع بلدان وشعوب لمصالح هذا او ذاك من أطراف القتال.. 

فإذا كان من السهل على المناضل الحديث عن الإمبريالية الأمريكية والأوروبية دون الحاجة إلى تدقيقات عدة، بحكم تاريخها والدراسة الدقيقة العلمية التي قدمتها الماركسية، في كتاب لينين "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" فهذا لا يسمح تغاضي النظر والجدال حول  من يسود اليوم في روسيا، بمعنى توضيح أي طبقة تسود في روسيا، ولماذا يخشى الكثير هذا السؤال؟ إنه السؤال المفصلي. السؤال الذي يعري ما يتم التهرب منه، بالخطابات الصحافية المدروسة بعناية لسوق الشعوب لمعسكرات اقتتال الشعوب ودبح بعضها البعض.. 

والسؤال العام الذي به يمكن الاحاطة بالتساؤلات السابقة هو هل لازال للرأسمالية دور إيجابي في عصرنا؟! هل هناك، في عصرنا الراهن، رأسمالية تسمح بتطوير قوى الانتاج؟! 

اقول انتهى دور الراسمالية الايجابي. انتهى مع نهاية سيطرة الرأسمالية الصناعية وصعود البرجوازية المالية، انتهى مع الاحتكارات والبنوك والمصارف، مع نزع السيطرة والقيادة من البرجوازية الصناعية من طرف الرأسمالية المالية، وأنتهت مرحلة كانت تسمح بتطوير قوى الإنتاج. فالبرجوازية المالية هي عدو تطور قوى الإنتاج، عدو المجتمعات، عدو الشعوب، عدو الاوطان، عدو الإنسانية. البرجوازية المالية لا يهمها سوى تراكم الاموال، تستثمر في القتل وفي الإجرام. تستثمر في الرأسمال الوهمي لزيادة ارباحها. 

الرأسمالية المالية منكبة على استغلال الطبقة العاملة في إنتاج وتطوير أسلحة الدمار، وتطوير وترويج جميع انواع المخدرات الفتاكة والفيروسات القاتلة والمروعة ونشرها عبر العالم، أي في انتاج ما يمكن الامبريالية  من اخضاع سكان الكرة الارضية لأهداف شركاتها الاحتكارية ولتصريف ازماتها الدورية، كما ان كل مجالات التطور العلمي يتم إخضاعها لنفس الاهداف بدل الاستفادة منها في انتاج ما ينقذ البشرية من الجوع والأمراض والجهل.. 

في عصرنا، ليس هناك برجوازية احتكارية إنسانية، في أمريكا ولا في أوروبا ولا في روسيا.. روسيا تستثمر في أسلحة الدمار الشامل وتقوم بتخزينها مثلما هو  الحال في الولايات المتحدة الأمريكية والإمبريالية  الأوربية.. روسيا تنافس أمريكا في إنتاج وتطوير جميع انواع المخدرات الصلبة لتدمير الشباب ورفع أرباحها.. 

بلغة الشعب ليس في القنافد املس.     

إن الرأسمالية في عصر سيطرة البرجوازية المالية لن تستمر دون إخضاع بلدان العالم لمصالحها، دون الاستثمار في أسلحة الدمار، دون الاستثمار في الرأسمال الوهمي.. دون تصدير الأموال.. دون حروب.. دون إنتاج مواد القتل والتخريب..

الحرب على الاراضي الأوكرانية هي حرب بين البرجوازية الاحتكارية الروسية والقوى الاحتكارية الكلاسيكية الأمريكية والأوروبية، وليست هي نفسها الحرب على العراق أو الهجوم على ليبيا أو يوغسلافيا سابقا، ووقوف قوى التحرر إلى جانب العراق وليبيا هو وقوف إلى جانب حق الشعوب المستهدفة للدفاع عن نفسها ضد النهابين واللصوص الامبرياليين، ضد إخضاع البلدان المستهدفة وإذلال شعوبهما. اما جعل حرب الدفاع ضد اخضاع الشعوب والحرب الجارية بين روسيا وحلف الناتو، وكل من القوى المساندة له، على أراضي اوكرانيا، كلاهما في سلة واحدة، لا يعدو أن يكون سوى فقدان للبوصلة، او تزوير للتاريخ.. والمناضل الجذري لا يقبل منه أن يكون مساهما في تضليل الشعوب.. وفي سوقها لخدمة هذا اللص أو ذاك.. أو يدفعها للانسياق خلف الإعلام البرجوازي وخدامه ممن يسمون خبراء..

هل روسيا تخوض الحرب من أجل التحرر؟! هل من أجل خلاص الإنسانية من الاضطهاد والعبودية؟! هل من أجل خلاص العالم من الاستغلال؟! أم تخوض الحرب من أجل مصالح الاحتكارات والرأسمالية المالية الروسية لضمان حقها في إخضاع بلدان لمصالحها، أي إخضاع بلدان تعتبرها جزء من مجالها الحيوي، كما أن حلف الناتو عازم على منافسة روسيا في محيطها لإضعاف قدراتها وتفتيتها والسيطرة على منابع الطاقة؟! 

إن روسيا اليوم ليست هي روسيا البلاشفة ولا روسيا البرجوازية الصناعية، إن روسيا اليوم هي روسيا الرأسمال المالي هي روسيا تصدير الأموال إلى البلدان التابعة، هي روسيا الصناعة الحربية وكل أدوات القتل الفتاكة، هي روسيا الاحتكارات... لذا غير مسموح لنا تجاهل الحقيقة والذهاب لحد تماثل ما يجري على الاراضي الاكرانية وتدخل التحالف الغربي بعراق الأمس أو بليبيا الأمس.. 

في الحرب على العراق وقفت شعوب العالم ضد التدخل في العراق وضد اخضاع الشعب العراقي وعن حقه في مقاومة التدخل، ونفس الحال حصل اثناء الهجوم على ليبيا، اما الحرب الجارية على الأراضي الأوكرانية  لا  تمت بصلة إلى أي مصلحة من مصالح الشعوب. إنها حرب رجعية تتطلب يقضة المناضلين لاستنهاض همم الشعوب لمناهضة الحرب وكشف حقيقتها.

ما الذي يدفع بروسيا اليوم ولا بدول الناتو وأمريكا والصهاينة إلى هذه الحروب، إلى التدخل في ليبيا وفي سوريا وفي السودان وفي أفريقيا وفي آسيا لو لا رغبتهم في التوسع وفي أخضاع البلدان الضعيفة لاحتكاراتها ولمخططات الرأسمالية المالية، من أجل الاستثمارات، من أجل تصريف أزماتها، ونهب المواد الأولية، واستغلال الشعوب لمراكمة الثروة؟! 

كل أطراف الحرب تسوق لتضليل الشعوب بشكل واسع، بغية تحويلها لحطب النيران، وتضليل الشعوب، هو احتراف برجوازي على جميع الاصعدة، وممارسة تنهجها على أوسع نطاق في فترات الحروب، لأن البرجوازية في حاجة لمن تسوقهم لساحة المجازر. فالبرجوازية لا تخوض الحرب بطاقمها البشري بل تخوضها بمن تخدعهم من أبناء الفقراء، لذا هي في حاجة للخداع والتضليل لتمويه أغراضها وأهدافها الخاصة..

 لذا ليست مهامنا، سواء كمناضلين أو كتنظيمات مناضلة، اشغال الشعوب بمتابعة الحرب لمعرفة من قد ينتصر فيها من أطراف النزاع،  بل المهمة التي تجعلنا في الموقع المناضل، هو النظر من زاوية البروليتاريا وحلفائها الموضوعيين، هي توعية الشعوب ورفع منسوب الحماسة الثورية لذيها، واستنهاضها لمقاومة حرب اللصوص واستغلال صراعاتهم لإضعاف قوتهم ولما إسقاطهم في أي بقعة من العالم تتوفر فيها شروط اسقاطهم. أما الوقوف من زاوية المتابع مع أمل انتصار هذا الطرف أو ذاك، او بالانحياز لجانب هذا اللص أو دعم ذاك، أي الوقوف إلى جانب لص ضد لص آخر هو انحراف عن مصالح الشعوب..

إن من يطالب بحشد الشعب للتعاون مع الرأسمالية المالية الروسية ومافيا إنتاج أسلحة الدمار وحقها في إخضاع جزء من بلدان العالم ضد الانظمة الرأسمالية الاستعمارية الكلاسيكية بدعوى حماية روسيا لمجالها "الحيوي" لا يختلف عن من يناصر معسكر أمريكا وحلفائها في مواصلة زحفها واخضاعها للعالم.. إنها مجرد راديكالية شعبوية، وإن لم أقل المفرطة في الذاتية. فانتصار هذا الطرف أو ذاك هو في آخر المطاف انتصار الرأسمالية الاحتكارية، هو انتصار قوى الإجرام وتدمير الحياة على الارض، هو انتصار لقوى التدمير والقتل، تدمير قوى الانتاج، تدمير الشباب، قتل الشعوب. وكما يقول المثل اليوناني: "مشاركة الأغنام في أعمال الجزار، لا يعني أن مصير الأغنام يتغير"

إن الماركسية عقيدة جدية ليست بنزعة شعبوية أو قناع يتزين بها المناضل للتماثل مع "اساتذة" الفضائيات، وتقمص خطاباتهم لدخول أندية "خبرائها". إن الماركسي هو اول من يعلم بالابتزاز والتحريف الكامل للواقع من خلال وسائل الإعلام البرجوازية في الفناء الخلفي، او ما قد نسميه سلطة صناعة الرأي العام، وهي من صارت قاعدة صلبة لا يمكن في ظروف الراهن كسرها،..

فواجبنا المطلق، كمناضلين وتنظيمات مناضلة، هو كشف الحقائق للشعوب، هو توعية الشعوب بخلفيات الحروب الجارية وبمصلحتها في ظل الصراعات الجارية، وفي العمل على بناء تنظيماتها السياسي المعبرة عن مصالحها الحقيقية لدك أركان الأنظمة الرأسمالية. فدون وسيلة لشق الطريق لن يذهب الخط نصف ميل أبعد.

الدفاع عن الشعوب هو النضال بجميع الوسائل الثورية المتاحة والممكن انتاجها في الشروط التاريخية التي نعيشها ضد تجار الحروب، ضد الإمبريالية والرجعيات العالمية والصهيونية.. هو النضال ضد أعداء وطننا، هو النضال ضد النظام العميل خادم الإمبريالية والصهيونية. إن النظام هو أساس الظلم والاحتقار والفساد والاستغلال والنهب والعمالة والقتل.. ومن لا يحشد شعبه لمناهضة الظلم المسلط عليه أولا لن يقف في الموقع المطلوب في معارك الشعوب.

إن روسيا اليوم قد كشفت نفسها على الوجه الاقتصادي، بأنها اقتصاد الاحتكارات الكبيرة والرأسمالية المالية وكشفت نفسها على المستوى السياسي بسياسة بوتين وتعبيره الصريح عن التوسع لضم أراضي بلدان مجاورة واخضاعها لمصالح روسيا، أي لمصالح الاحتكارات الروسية والرأسمالية المالية الروسية، تحت دريعة حماية "مجالها الحيوى"، وبعدائه الصريح للشيوعية بما هو عداء للشعوب المقهورة والمستغلة.. وان الحرب ضد امريكا وكل حلفائها لا تقل عما شاهده العالم من حروب لصوصية سبقتها.

الشعوب لها ذاكرة، لا تنس ولا تقفز على الحقائق..

أمريكا عدوة الشعوب؛

الإمبريالية عدوة الشعوب؛

حلف الناتو عدو الشعوب؛

الاحتكارات عدوة قوى الانتاج؛

بوتين في خطابه يوم ما سمي بانقلاب جيش فاغنر اختار أن يوضح لأكثر الأشخاص تشككًا، أن معاداة الشيوعية هي عنصر أساسي في سياسة الحكومة الروسية، أما النداء إلى الماضي البطولي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية ليس أكثر من تمويه للتجنيد في مساعي البرجوازية الروسية. 

 غورباتشوف، يلتسين، بوتين، وغيرهم، هم الذين ساهموا في تدمير سلطة العمال وتفكيك الاتحاد السوفياتي هم نتاج الانحطاط السياسي، هم ورثة مشروع نيكيتا خروتشوف، هم من نفذوا مخططات حلف الناتو ، باعتباره الذراع السياسية العسكرية للإمبريالية الأمريكية والأوروبية/أعداء الشعوب.. ودمروا حلف وارسو.. 

إن بوتين نفسه يعد واحد ممن عملوا على الإطاحة بالاشتراكية في الاتحاد السوفيتي السابق ، فهو وكل الخونة يتمتعون بالامتيازات والثروة على حساب فقر الشعب، والآن يسفك الكثير من الدماء في اوكرانيا مثله مثل حلف الناتو. 

شيء آخر. أن شبح الشيوعية باقٍ، على الرغم من بوتين وارتباطه السلبي للغاية بتاريخ الاتحاد السوفيتي، باعتبار الشيوعية السبيل الوحيد للخروج من نظام الحرب والفقر.

إنه لأمر جيد أن لا نفوت هذه الحقيقة. ومن يستخلص المستقبل من أحد اطراف الحرب/"ابطال" اللصوص يسقط السلام وتآخي الشعوب ويسقط بناء اشتراكية المستقبل..

في عصرنا من الصعب بناء المشروع البديل، ولكن من السذاجة الترويج له بالتعلق باذيال اللصوص..  

لنناهض حرب قوى الاحتكارات والتدمير، اليوم وغدا؛ 

لنناهضة عصابة اللصوص الامريكية والأوربية والروسية؛

لنناهض الأنظمة العميلة والخاضعة للقوى الاستعمارية؛

لنناهض الصهيونية والمطبعين مع الصهيونية؛

لنصطف الى جانب نضالات الشعوب من أجل الحرية والانعتاق والسلام..





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق