صباحا، من صفرو، المدينة الجميلة، رسالة صوتية لرفيقة المعتقل، تنقل لنا
سمعت الرسالة لمرات عديدة رغم بساطتها. وكل مرة استشف شيئا، استشف معنى ودلالة.
فهمت أن الرسالة فيها تذكير بالمعتقل.
عرفت أن معنويات الرفيق خلف القضبان مرتفعة.
وفهمت أيضا أن رفاق ورفيقات المعتقل، وشعبه هم الذين يغدون صمود المناضل المعتقل ويصلبون عزيمته.
وتيقنت، أكثر، أن المناضل الحقيقي، هو الذي يولد من احشاء الشعب، ويعيش معاناته. ويصير أمله وثقته في شعبه، ورفاقه، هي غذاء صموده.
واكيد ان الشعب يعرف صوت مناضليه، لأن صوته هو صوتهم.. والرفيق قد اعتقل لاسكات صوت الفلاحين الفقراء.. لفتح المجال للأنذال، وكل من مسوحهم من الفساد، يتنقلون بين المقاهي الشعبية، وكل الأماكن حيث كانت النقاشات الجادة، ليخاطبوا الفلاحين، ولينشروا أكاذيبهم ووعودهم الخادعة.. ويعمقوا من انتشار ظل الظلم مذلا مظهر الفلاح؛ على كل ما كان المعتقل يحب؛ على أشجار الزيتون؛ على تربة حنونة لشجيرات الخضروات؛.. على التلاميذ؛ وعلى الشيوخ.. وهو من لم يترك عليه الوحل ولا لعاب الافتراء القذر، أي آثار.
رسالة هذا الصباح عادت بالذاكرة إلى الماضي القريب والبعيد، إلى المشترك، وتذكرت كم اجتزنا البلاد في كل الاتجاهات، من اجل النضال، ومن اجل المعرفة، ومن أجل الشقاء. استعملنا مختلف وسائل النقل العمومية. سمعنا حديث البسطاء، والكثير الكثير من حكايات البؤساء، وحكايات الشجاعة والبطولة، شاهدنا أعاجيب شعبية مختلفة، وواقع تدمى له العين، وعشنا لحظات الصمود بالصدور العارية أمام طلقات نيران لا ترحم في انتفاضات شعبنا. وكان الدرس: إن أولئك الذين لا يؤمنون بالشعب لا يؤمنون ايضا بتضحياته ولا ببطولاته. فليس من الغرابة أن لا يؤمنوا بتضحيات أبطاله. وان لا يساهموا في إيصال رسائل الامل إلى المظلومين..
من يحفر في منجم التضحيات، هو من يسلط الضوء على الثروة النضالية المتعددة الأبعاد. هو من يمكننا معًا من إثراء معرفتنا ومشاعرنا، وأيضًا إرادتنا، من أجل القتال بشكل أكثر حسما وفعالية وبشهامة ويجعلنا دوما نستجيب عند نداء التضحية، ودائما حاضرون.
"المستقبل أكيد، يا رفيقي.
مهما حدث - أكيد...
لا يمكن العودة إلى الوراء
الشمس لا تقبل دوران الارض للخلف
الحرية تتطلب اكثر من الموت،
الحرية تتطلب أن يهبها الانسان كل لحظاته،
كل جهده، كل ما يملكه،
كل قواه.
انت اليوم خلف القضبان يا رفيقي، وفاء لشعبنا ولدماء شهدائنا.
نحن لا ننس معتقلي شعبنا،
نحن لا ننس شهداء شعبنا.
هذا ما أصبحنا عليه جميعا، هذا خيار ومصير، لأننا وجدنا أن هناك ظلم واستغلال، لأن هناك قمع ونحن كبشر نقاومه. ومن ثم آمنا جميعا، بمسؤولية تاطير وتنظيم المظلومين، المقهورين، والبؤساء المستغلين.. وتنظيم انفسنا، متحدين مع الحلم الإنساني، لبناء حياة أفضل مع جميع الناس. ليس فقط بالنسبة لنا. لأننا قد لا نستمتع حتى بما نصنعه. لكننا سعداء بأن نحافظ على بريق الأمل، نحافظ على استمرار ضمير الشعب، وعلى خط التضحية من أجل بناء البديل.
الحرية للرفيق عزالدين اباسيدي
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين
المجد والخلود لشهداء شعبنا