في غزة ينفذ الكيان الصهيوني بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الإعدام في حق مستشفيات غزة، يقتلون المرضى والأطفال حديثي الولادة، ليصل الاقتلاع إلى ذروته،
في إبادة غير مسبوقة للمدنيين: قصف المستشفيات والمدارس والكنائس، ونقص المياه والكهرباء والغذاء والدواء ليحكموا بالإعدام كل يوم على كبار السن والأطفال الخدج والضعفاء (فيما يزيد عن شهر، لم يعد يتم قياس الخسائر في صفوف المدنيين..).
وجاء تصعيد جيش الاحتلال من شراسة هجماته الخاصة حول أكبر مستشفيات الشفاء والقدس في غزة، بعدما نفد منها الوقود (وبالتالي الكهرباء) والمياه بالكامل في نهاية الأسبوع، مما أدى إلى وفاة المئات وبالاخص المرضى في وحدات العناية المركزة والأطفال حديثي الولادة في الحاضنات الذين توقفوا عن العمل بسبب الهجمات الإجرامية والحصار. لترتفع حصيلة القتلى وتجاوزت 11200 بينهم ما يزيد عن 4600 طفل و3100 إمرأة حسب ما يتداوله الإعلام المرئي والمسموع، إضافة للتهجير العنيف لمئات الآلاف من الفلسطينيين. وعلى هذا المستوى تشير عدة تقارير إعلامية، أنه تم تهجير أكثر من 1.6 مليون من منازلهم، من أصل 2.3 مليون فلسطيني في قطاع غزة، وأُجبر ما يقرب من 200 ألف فلسطيني على مغادرة شمال غزة، متجهاً إلى جنوب القطاع الفلسطيني خلال ثلاثة أيام فقط (من 9 إلى 11 نوفمبر)، ليواجه ظروفاً مزرية هناك أيضاً وتهديداً بالقصف.
إن المذابح التي يرتكبها الكيان المحتل بحق الشعب الفلسطيني في غزة تجري بهندسة، ودعم كامل وقوي، من كل المؤسسات السياسية والعسكرية، والاعلامية، والمؤسسات الاقتصادية، الغازية للعالم، لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والأنظمة الرجعية بالمنطقة العربية وشمال إفريقيا.
إنها الجريمة التي كشفت عبارات التزييف الإيديولوجي لتلك الكلمات المعسولة الخادعة المروج لها من قبل المثقفين والسياسيين بمختلف تلويناتهم اليمينية واليسارية من قبيل: المجتمع المدني، الحداثة، "حقوق الانسان"، "الديموقراطية"، الإنتخابات، البرلمان، اليمين، اليسار، وتصريحات "نندد" و"نستنكر"، و"يهتز ضمير الإنسانية".. هذا القاموس المفبرك وسط الآلة الاديولوجية لنظام رأس المال، بفهرس متنوع يوظف في خداع الجماهير.
في فلسطين الآلة العسكرية من طائرات وبوارج بحرية وصواريخ ودخيرة ومرتزقة تقدمها امريكا والاتحاد الأوروبي والأنظمة العميلة للصهاينة للقتل، بتزييف إعلامي واسع، وهي نفسها الأنظمة التي تحرك منظمات دولية للحديث عن الوضع الإنساني وعن فك الحصار وعن إيصال الدواء والغذاء وعن حماية الأطفال وتقديم المساعدات..
فوفقا للمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (United Nations Office for the Coordination of Humanitarian Affairs )(OCHA)، قدمت عبره مساعدات "انسانية" من طرف 20 دولة وسبع مؤسسات تابعة للأمم المتحدة وأربع منظمات إنسانية، ومن بين الدول يوجد على القائمة الدول المطبعة والداعمة للحرب ومنظمات موالية لها..
فكيف ينسجم الدعم، ويكون فعلا له بعد انساني، وكذا الحديث عن الإغاثة الإنسانية لغزة وفي نفس الوقت الدعم للكيان الصهيوني ولحربه وللقتل والحصار، وأخص بالذكر النظام المغربي، الإمارات، الكويت، السعودية الاردن، قطر، بريطانيا..
نحن إزاء مرحلة التوحش الكلي لرأس المال، مرحلة سيطرة إمبراطوريّة المال و السّلاح و الإعلام، ذلك الأخطبوط الباسط لنفوذه يقتل، ويشرد، وينهب.. ويداوي ويطمئن، يدين،.. في نفس الوقت.
نظام جديد تمكّن من ترويض جل أشكال "الفعل الإنساني" عبر المؤسسات الدولية، وكذا من خلال إحتوائها عن طريق النقابات والجمعيات والمنظمات المروضة والمفبركة و المنخورة بفساد البيروقراطيّة المتسلّقة و هيئات الضبط الطّبقي المسمّاة أحزاب و جمعيات..
ويعمل الإعلام بالتوازي مع حشد مادة لإقناع الرأي العام وتبرير الجريمة، على التغطية لتحركات مؤسسات موضوعة تحت إدارة المجرمين يوظفونها في ما يسمونه العمل الانساني. مثل ما حصل في التغطية لتحركات "كاترين راسل" المديرة التنفيذية لمنظمةالامم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" التي تم تعيينها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في 1 شباط / فبراير 2022، ولخطابها يوم 30 أكتوبر الماضي، في الأمم المتحدة حول الوضع الإنساني في قطاع غزة الذي يتعرض للعدوان الصهيوني.
و"كاترين" هي التي كانت تشغل منصب نائب مساعد الرئيس في البيت الأبيض في عهد الرئيس باراك أوباما، ومستشارة متقدمة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ معنية بالقضايا الدولية للمرأة، وعملت في الفترة من 2000 إلى 2020 مساعدة للرئيس جون بايدن، احد رواد الحروب في الادارة الامريكية، ومسؤول مجزرة غزة، وايضا مديرة لمكتب البيت الأبيض لموظفي الرئاسة. وعدة مهام أخرى في الإدارة الأمريكية. وهي زوجة المحامي توم دونيلون العضو في الحزب الديمقراطي ومدير أكبر شركة سلاح في العالم، شركة "بلاك روك" والتي تعد من كبار المساهمين في أشهر شركات الأسلحة الأمريكية، وهي “ستورم روجر” و “أمرييكان أوتدور بران" ولها علاقات ونفوذ في الاقتصاد الحربي والمالي الصهيوني.
إذا هل يستقيم فعلا أن يقف قطيع من الذئاب مع الراعي ضد جزئه المهاجم..
أليس هذا جزء من اللّعبة للتحكم والترويض؟!
إنهم "الشياطين" الأكثر حيوية من أي وقت مضى بجاهزية عالية للضرب ومحو آثاره من الضمير الإنساني في نفس الآن..