24‏/12‏/2023

لا عودة عن مواجهة البيروقراطية لا خيار عن مواصلة المعركة



إن الكلمة لا تسبق الفكرة ولا تنتجها. وإن الفكرة تستمد حياتها من الواقع الحي، بمعنى هي إنتاج الواقع، حين انعكاسه على مستوى ذهن الانسان، وما الكلمات سوى أدوات لنقلها للأذهان.

ففي الكتابة يجب أن نكون صادقين. ونطبق هذه الفكرة الصادقة على جميع الأوجه،  ونعرف اهمية وقيمة الصدق في الكتابة بكونه من أسس بناء الحقيقة. 

في العمل الثوري يعمل المناضل على تمكين الناس من المعلومات الموضوعية كما هي، وعلى تعليمهم طريقة تحليلها وكيفية معالجتها، لكي يكونوا قادرين على إنتاج الموقف وتمييز الحقيقة من الكذب.
 انفجرت معركة الشغيلة التعليمية،  بعدما أصبح وضع رجال ونساء التعليم مأساويا، سواء معنويا او ماديا،  معنويا امعن النظام في ضرب الاستاذ كقيمة رمزية، وحوله إلى شماعة يعلق عليها إخفاق التعليم في المغرب وانحداره إلى أسفل المراتب،  وماديا أغلبية رجال التعليم  غارقون في الديون وبالكاد ينهون الشهر، وخاصة ان أجرة الموظف بالمغرب يتقاسمها مع الاخوة والوالدين والحالات الانسانية العائلية، إضافة إلى اجهاز النظام على جل مكتسبات الشعب، مع استهداف القدرة الشرائية في ظل الزيادات الصاروخية المتتالية في أسعار جميع المواد الاستهلاكية.. ناهيك عن الوضع المزري الذي يعيشه الاساتذة المتعاقدون، وفئات أخرى مورست في حقها كل أساليب الإجحاف والقهر، وينضاف الى هذا  اقرار "نظام أساسي" مجحف، يشرع العمل بالعقدة ويدق آخر مسمار على نعش الوظيفة العمومية في قطاع التعليم، بعدما قطع النظام شوطا في تفييء القطاع وبلقنته، بتواطؤ القيادات البيروقراطية.

ورغم التشتت  والبلقنة الذي يعرفها حقل التعليم بين نقابات أصبحت مكشوفة للعموم بتواطئها، وتنسيقيات تجاوزت حد 24  تنسيقية. هذا التشتت سيجد نفسه موحدا  في غالبية مكوناته، على اثر الاوضاع المزرية القائمة، وضدا في "النظام الاساسي" الذي أطلقت عليه شغيلة القطاع، نظام المآسي، لينخرط الكل في معركة  سيسجلها التاريخ كواحدة من المعارك التي انضافت الى رصيد مقاومة ونضالات ابناء وبنات شعبنا، لافظة قيادات الرباعي الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023.

وتجدر الاشارة الى كون الرباعي ( umt , Cdt , Ugtm , fdt )  حاول تكسير الاضراب من خلال حوار شكلي، رافقه بالدعوة للعودة للعمل، لكن الشغيلة التعليمية كان لها رأي آخر، جسدته بتشبثها بمطالبها وبشرعية معركتها وبالاستمرارية في الاضراب، مما كشف عورة الداعين للعودة بصفتهم المخدومة (الاكثر تمثيلية)،  ليستمروا في لعب الادوار القذرة والانخراط في سلسلة من الحوارات، دون أن يتجرؤوا لا الى الدعوة للمزيد من الاضراب، ولا بالدعوة للعودة للاقسام،  فقط يحاورون ويراهنون على عامل الزمن والمؤامرات الخفية من اجل افشال المعركة. إلا أن قاعدة الشغيلة كانت يقضة وظلت متشبتة بالمعركة وبمطالبها الرئيسية المركزة في إسقاط نظام المآسي وإسقاط التعاقد.

يوم 22 دجنبر 2023، دقت ساعة انكشاف المستور، وسقط رداء الديمقراطية المزيفة عن قيادة (fne) "التوجه الديمقراطي"، واختار لعبة النظام  والكرسي لجوار من خانوا مبكرا، لمشاركتهم جريمة الذبح للشغيلة التعليمية وبيعها مقابل الكرسي إلى جوار الخونة. ولم يعد يهمها، أي النقابة الوطنية للتعليم -التوجه الديموقراطي- (fne)، ما ستخسره من الصفة النضالية بقدر ما هرولت للعرض، وفي ظرف وجيز بصمت بصمة الخيانة على بياض لتلتحق بصف الرباعي وتنفد مباشرة شرط الدعوة للعودة للاقسام، كعربون وفاء، لانقاذ النظام من عنق الزجاجة، دون ان تخفي مصلحتها فيما ستكسبه من المصافحة لأطراف المسرحية وما تقدمه من دور في انجاح خطط النظام، لتتذوق طعم التفاوض والخيانة، ونعمة النظام وتأخذ على عاتقها الاجتهاد، بدورها، في تجميل الاوهام ونسج طرق الخديعة.
كل هذا بعدما مضت المعركة في طي أسبوعها الثاني عشر، وهي تواجه عدوا استطاع إخضاع الأحزاب بنقاباتها وجمعياتها، ولم تعد قوته تحتاج إلى برهان، أمام كراكيز العمل السياسي والنقابي، وتسجل نجاحاتها الميدانية وصمودها في الشوارع وهمة قاعدتها.
 الخذلان/الخيانة ليس كمية قابلة للقياس، فلا أحد يستطيع أن يقدره ويعوضك. سيصبح جزءا من الذاكرة يُضاف لطعنات سابقيها، وجزءًا من جروح تراكمت منذ جريمة التصفية لرجال المقاومة وجيش التحرير. إنها حقيقة واقع الصراع الطبقي ببلادنا حيث النظام يمسك بكل أدوات الترويض والإخضاع.
نحن نعتز  بالتضحيات التي قدمتها الجماهير الأستاذية، وبالصمود في الشوارع، في وجه التهديد والترهيب، والحملات الإعلامية الواسهة، على مستوى جميع قنوات النظام، والجرائد الورقية والالكترونية الممولة، وبقدرتها على استغلال عالم المعلوميات وابداعها لأشكال نضالية واعلامية وتنظيمية متقدمة، تساير تطورات العلم والمعرفة لخوض المعركة، رافعين معنويات الجماهير، مطلقين بصيص نور الأمل في ظلمات الخيبات المتتالية. وهي تلعب بشكل غير مباشر وغير مفكر فيه دور المعد والمحرض للجماهير على المعارك المقبلة لا محالة. كما أيضا نعتز بتضحيات رفاقنا من مختلف الإطارات النقابية في دورهم المسؤول والمبدئي في التأطير القاعدي وفي فضحهم لكل اشكال الخيانة والتخاذل، ونعتبر أن المرحلة التاريخية تستدعي المزيد من الصمود وخوض التحديات إلى جانب شغيلة القطاع. فنحن لم نركب يوما وهم الرهان على البيروقراطية، بل تاريخنا هو تاريخ الصراع معها.


فإيماننا وقناعتنا راسخ وقوي بقدرة جماهير شعبنا وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وطبعا بعد عدة انتصارات ولو جزئية وايضا عدة هزائم وعدة اخطاء، وعدة إخفاقات في معارك متنوعة، وفي نضالات ثورية، ستدفع التاريخ من واجهتها إلى الامام، وستستفيد من التراكمات وتشق الطريق نحو نصرها.  
اكيد أن من كان لهم حساب بكون قيادة  النقابة الوطنية للتعليم -التوجه الديموقراطي-(fne) ستظل إلى جانب الجماهير الأستاذية، على طريقة مناقضة لقيادات الرباعي، واستمروا منذ انطلاق المعركة في الدعاية لها، وفي نفس الوقت، ادوا ادوارهم في تقديم واجبهم النضالي اتجاهها، وحال لسانهم يقول بالاعتقاد بمصداقية قيادة (fne) في خضم المعركة، وتناسوا، أو صمتوا عن بيروقراطيتها وسقفها السياسي في خوض الصراع مع العدو، على حساب الجماهير في سيرورة المعركة، مزدرين المبدأ الذي كان ينبغي أن يحكم كل من يؤمن بخط الجماهير، باعتبارها القوة الوحيدة من أجل خوض الصراع والتغيير، سيتجرعون المرارة وخيبات الأمل الشديدة، وسيستمر ارتباكهم. بل فيهم من عاد للقول "ما كان عليكم  أن تخرجوا للشوارع/ أن تحملوا السلاح"، "قبل بناء الأداة الثورية"، ليبتروا من القاموس الثوري مقولة "بناء الأداة الثورية تحت نيران العدو"، وان الشعب لا يخشى قوة العدو، ويستطيع أن يخوض الصراع الى منتهاه، وهو ما يعني أن الوطنيون ما كانوا سيباشرون أي أمر إذا أخذوا بعين الاعتبار غياب الأداة السياسية وحتى ميزان القوى السائد إبان الاستعمار المباشر، حين اشعلوا المقاومة ضد قوى الاحتلال في أغلب البلدان التي عرفت الاستعمار، بالموازاة مع بناء الذات.


كل هذه البديهيات الثورية المستخلصة من عصارات تجاريب الشعوب، أدخلت لمتحف النسيان، أو التجاهل مادامت لا تنفع، ولا تخدم التحليل والهدف في اللحظة الراهنة لمن كان لهم الرهان لرؤية جنازة المعركة.

إن التنظيم لا يبنى في الخلاء. والحركة النضالية لا تتطور بمعزل عن الصراع، فدوما لها في العالم اعداء واصدقاء. وفيها، ووسطها، نقيس بدقة طاقتنا على التأثير على الاحداث وقدراتنها على الفعل والبناء فيها، بدون أن نخدع أنفسنا. والتجربة هي زاد رحلة الحقيقة، والحوار هو سبيل المعرفة، والجدل هو أعلى صور العلم، والحرية هي حامي هذه القيم كلها، أما التهجم على الشرف فهو قمة الانحطاط. قد تكون الجملة الثورية، في لحظات ما، طريقة البرجوازي الصغير للهروب من إشكالات الصراع، والتحديات المطروحة، بارتداء زي النقاء العقائدي المنحول. فمن أوليات المنسجم في الصراع التذكر دوما من أين انطلق حتى لا يفقد الطريق. فالقفز من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا، حسب ما تمليه حسابات عابرة لا ينتج الموقف المنسجم. 
لهذا نقول، ليس الامر في من يحك، ويحك بشكل قاس وبشكل جيد جدا.. بل الامر المطلوب هو أن يحك الانسان حيث توجد حكة. يقينا ان دور القائد الثوري، وكل من يخدم قضية شعبنا بطريقة صحيحة ومبدئية، هو بث الامل وتعزيز بواعث الشعب، ومن ضمنه، في هذه اللحظة التاريخية التي نمر منها، الشغيلة التعليمية، على مواصلة المعركة. مع الوعي بان الواجب الى ذلك هو عدم خداعها وتغديتها بالاوهام التي يفوق خطرها خطر خيبات الامل الموجعة. قد لا نحظى بتحقيق ما يرضينا في هذه المعركة، لكن نرى مثل شعبنا وكل القاعدة المناضلة وسط الشغيلة التعليمية، والمناضلين الجذريين، انه لا يمكن قبول التفريط في المدرسة والوظيفة العموميتين، فالتفريط في الوظيفة العمومية هو مقدمة لتشريع الابواب لانهاء مجانية التعليم وللشروع في تطبيق بنود قانون الاطار المجمدة لحدود الآن وفتح الأبواب لهيكلة جديدة تقدم المدرسة العمومية بصيغة من الصيغ لمن يمتصون دم شعبنا. ونحن واثقون أن هذا لا يعني بديل عن النضال الثوري من أجل التغيير الجذري، فلا يمكن ان نتصور تعليما شعبيا علمانيا ديمقراطيا وموحدا إلا إذا قامت سلطة وطنية ديمقراطية شعبية وعلى رأسها قادة ثوريين، يعبرون عن مصالح منتجي الثروة، واثبتوا في سيرورة الصراع الطبقي ثوريتهم وارتباطهم بمشروع التحرر من التبعية لقوى الاستعمار الرإسمالي ولهم أفق القطع مع الرأسمالية بشكل لا رجعة فيه ببناء المجتمع الاشتراكي.

 إن خيانة يوم الجمعة، 22 دجنبر 2023، تحملنا مرة أخرى لإعادة دروس التاريخ، وبعض الأجزاء الدقيقة منه والتي دخل في عداد المنسيات، ولم يعد الكثير من أجيال مجتمعنا اليوم يلتفت لها. وبالمناسبة نتوقف على  حدث تاريخي، جد مهم، من تاريخ كان محط اهتمام الشعوب العربية وشعوب شمال افريقيا، وبالاخص قواها التحررية، ويتعلق الامر بمحطة ركوع النظام المصري على أعتاب الكيان الصهيوني. فلما حطت طائرة بوينغ الرئاسية يوم 19 نونبر 1977 بهدوء في مطار "تل أبيب"، ظل حتى آخر الأنفاس، من كانوا يراهنون على أنظمة البرجوازية الصغيرة، لهم أمل مجنون ألا ينزل السادات من الطائرة ويصافح ايادي القتلة الصهاينة، من بيغن، دايان، شارون، وجنرالاتهم صهاينة آخرين.. ويعانقهم، ويقف جامدا أمام علم المحتلين، ونشيدهم يدوي على مسامعه. لكن رمزهم "المنتصر في حرب 6 أكتوبر" طعنهم وخان كل من كانوا يراهنون على دوره في المعركة ضد الاحتلال الصهيوني.

إن بيروقراطية قيادة نقابية لا يقاس على ضوء تجربة محطات محدودة في الزمان، لان البيروقراطية هي خط سياسي انتهازي، يعبر عن البورجوازية الصغيرة وسط الإطارات الجماهيرية. وهذه أدبيات ثورية استخلصت من تجارب الصراع الطبقي امميا في ظل سيطرة الأنظمة الرأسمالية.

 إن البيروقراطية واحدة سواء في هذه النقابة او تلك، إنه موقف ومنطلق المناضل الجذري، والواجب هو فضح وتعرية البيروقراطية لا الدفاع او التستر على ممارستها وجرائمها، سواء بهذه النقابة او تلك مهما كانت التطورات.

ونحن، اليوم، مطالبون لتطوير العمل القاعدي وسط الشغيلة التعليمية، كجزء من مهمات بناء الذات المناضلة، من أجل تمتين وحدة شغيلة القطاع وتحصينها من حسابات الطفيليات البيروقراطية ومن نزعات مشاريع الدمى النقابية، التي لن تساهم سوى في تقليص تماسك الشغيلة وأضعاف فعالية نضالاتها، مع زيادة منسوب اليقظة وسط الشغيلة، وروح التضحية، والتشبت بشرعية المعركة ومطالبها الذي يعد إسقاط نظام المآسي والتعاقد محورها المركزي.

مدونة "مغرب النضال والصمود من أجل بديل جذري"




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق