خميس ايت عميرة، عين لقليعة أطراف بيوكرى، لا شيء يمكن أن يرى من غير الفقر الشديد. لم نعد نتحدث عن طبقة عاملة زراعية، بل عبيد الضيعات الفلاحية.
تفقير حاد لا يمكن لعقل سليم أن يتصوره. على هذه الارض تتضاعف اعمار الناس على وجوههم، الشيخوخة مبكرة ويرافقها البؤس والكآبة، كما نقول نحن المغاربة -لميزير-(la misère). حياة عمال الضيعات الزراعية بمنطقة سوس ماسة، اشبه بحياة سكان جزيرة سانتو دومينجو الفرنسية، هايتى والجمهورية الدومينيكية، قبل ثورة العبيد التي بدأت في أغسطس من عام 1791، كما تذكرها كتب التاريخ. مظاهر ووقائع تبدو لك انك مسافر عبر الزمان لعصور ولّت، اسدل التاريخ ستاره عليها تاركا هاته الاماكن للا تاريخ. منطقة تنشط فيها أسواق تجارة اليد العاملة البخيسة، اكثر من أي تجارة اخرى. التجار الوسطاء بوسائل نقلهم في خدمة طلبات الزبناء مالكي الضيعات من أجل استعمال قوة عمل العامل. أسواق يعمل النظام للحفاظ عليها بكل الاساليب من اجل ضمان امتصاص دماء المفقرين لتركيز الثروة في يد المعمرين وعملائهم المحليين. أسواق تواطأت على استمرارها النقابات والاحزاب السياسية بالاجماع. أسواق لا شيء يمكن أن تراه في محيطها سوى مظاهر التهميش وفقر شديد وبطالة عارمة، ومشاريع أطفال الشوارع، وإنتاج مشاريع قوة عمل رخيصة جديدة. لا تعليم لا صحة، لا سكن يليق بإنسان عصر انتاج الوفرة. لا وجوه تشبه الوجوه. لا بشرة تشبه البشرة. أمراض الفقر منتشرة بحدة. سموم الأدوية الكيماوية تحصد العامل وغير العامل. والعجز عن العيش وصل مستويات لا تحتمل. واليوم تخرج أصوات العاملات والعمال لتهز المنطقة. أصوات سمعها الكل والكل لا يسمع، أو لنقل الجل لا يريدها أصواتا تُسمع. إنه الصمت لشرعنة القمع كوسيلة للسيطرة على الاوضاع. هنا الإجماع على شرعنة الجريمة.
انتفاضة العمال والعاملات بشتوكة ايت باها، لم يشعل شرارتها الإعلام المحلي أو الخارجي، لم توقدها الجزائر ولا جبهة البوليزاريو. لم تفعل فيها النقابات ولا الأحزاب. انتفاضة العاملات والعمال الزراعيين بشتوكا أيت باها هي نتائج تراكم هجوم طويل واحتقان عميق اوصل العمال والعاملات الى حافة الموت بالجوع، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وارتفاع البطالة المؤقتة وارتفاع الشيخوخة المبكرة، والتدني الشديد لحد لا يطاق لما يسمى بالاجور(ما بين 70 و80 درهم في اليوم) اوصلت الناس لحد العجز عن الحصول على حالة الكفاف.
اليوم هنا التمرد، هنا صوت العمال، وهنا تَكسر الطوق وتَعرت النقابات والاحزاب السياسية. هنا فَقدت الجبهات معناها، هنا الكل متجاوز، هنا العمال يصنعون الحدث، يشقون الطريق، هنا الدرس، لمن يبحثون عن المناضل الجاهز، لمن يرسل الإشارات للأموات واشباه الأحياء.
هنا انتفضت المرأة العاملة والرجل العامل جنبا الى جنب، انتفضت من لا تُؤثث لهن المقرات، وتقدم لهن مكبرات الصوت.
نونبر، أو تشرين الثاني عند اشقائنا في الشام والعراق، أو شهر انتفاضة العاملات والعمال الزراعيين بمنطقة شتوكة ايت باها. هكذا سيسجلها التاريخ، وعلى الجانب الأيمن الاستبداد والقمع والتخاذل والمتاجرة وسياسة العهر.
انتفاضة العمال والعاملات إن كانت نتيجة لأوضاع هي نفسها التي فجرت العديد من الثورات التاريخية، فإنها اوضاع لازات تتعمق ولازالت شروط الانتفاض مستمرة وقائمة لأن النهب يتزايد والهجوم الامبريالي الصهيوني الرجعي توسع بشكل خطير ووصل إلى مستوى التخطيط لقتل الشعوب بكل الطرق من التجويع حتى الحروب ونشر الأمراض والفيروسات المميتة. وهي اوضاع تبشر بأن رسم مستقبل الشعوب بأيدي الشعوب قادم.
إنها درس جديد أيها الثوار، أيها الأحرار.
إن نجاح شعبنا في تحقيق مصيره يحتاج لقوة منظمة ثائرة وواعية متجذرة وسط هؤلاء المعنيين بالانتفاض والنصر والتحرر.
العاملات والعمال الزراعيين رغم قلة معارفهم العلمية واغلبهم لم تطأ أقدامهم المدارس، ورغم فقرهم السياسي والنقابي، وقلة تجاربهم التنظيمية، عرفوا كيف يستفيدون من التطورات التكنولوجية ومن الهواتف الذكية ومن المواقع الاجتماعية، وحولوها الى وسائل مفيدة للإعداد لانتفاضتهم، ويثبتون مرة أخرى أن الشعوب هي مدرسة الثوار الحقيقيين وهي من تصنع الثائر الحقيقي وليس الشعارات والمقرات وفذلكة الكلمات والعمل تحت الاضواء.