اليوم ونحن نتابع الذكاء الاصطناعي كبطل لأحداث سوريا، بعد إلقائها على سرير بروكرست، والشروع في تقطيعها وتوزيعها بين اللصوص الدوليين، من خلال صور
مزيفة وتعليقات مفبركة وجوقة من الحوادث غير الموجودة التي يتم تثبيتها في أذهان ملايين من مستخدمي النت ومواقعه الاجتماعية، لم نعد نستبعد أن يقترح هذا الأخير، أي الذكاء الاصطناعي، جعل بتر احشاء الحوامل طريقة لمنع أي ظهور لأي مجموعة قد تنفلت من البرمجة وتؤسس لفعل مقاوم في المستقبل القريب، وتقديمها لنا هدية لرأس السنة الجديدة، تعميما للتجربة/الجريمة السريرية في غزة، حتى لا يعود التاريخ لنسج قصة يوسف العبقري الفقير، الذي حمى رحم "مريم العذراء"، من حملة ذبح كل مواليد بيت لحم من قبل هيروس انتيباس بعد علمه بولادة المسيح بها، كما تذكر مصادر انجيل متى، وقطع رأس النبي يحيى تنفيذا لطلب بنت اخته، راقصة قصره، وتقديمه هدية لها، لاعتراضه الشديد على زواج هيرودس انتيباس من اخته هيرودية سالومي بعد تطليقها من زوجها.
إننا نعيش عصر الخوارزميات ونلمس بقوة قدرتها على التحوير والتطهير لاخضاعنا لمخططات ومصالح رأس المال. فعملية التلاعب بذكائنا تفعل في كل ثانية نجد فيها عيوننا مركزة على الشاشات وايادينا جامدة على الازرار، عاجزة عن العمل امام ما يجري من تقليص المعلومات المقطوعة، وبالتالي شل قدرتنا على النقد، ونحن نشاهد كيف ينفذ الآن الاستعمار الجديد، الاستعمار الأكثر قسوة الذي عاد إلى الظهور بداية من غزة، ممارسات سادية وعنيفة بشكل علني، والتي تشير مباشرة إلى "سياسة" ليوبولد الثاني في الكونغو، أحد أبرز مرتكبي المجازر في التاريخ الحديث بذبح أكثر من 10 ملايين إنسان في وقت سيطرته على مناطق إفريقية، وفي هذه الحالة تزداد أرباح رأس المال، ويزداد النهب بشكل مباشر، بما يتناسب مع الإرهاب.
وتذهب وستذهب عشرات التريليونات من جيوب شعوب الارض إلى صناعة الحرب والأسلحة. ويجني، وسيجني، رأس المال ثروات وارباحا طائلة من الحرب ومن تجارة السلاح. ويستعملون، وسيستعملون، بضاعتهم لجعلنا حطب ل"هيروشيمات" القرن الواحد والعشرين، بطريقة أكثر مأساوية من ذي قبل ببرمجة الصواريخ المتحكم فيها، من المكاتب المكيفة، للسقوط على رؤوسنا. ونحن الذين نقترب من النار، نصلب أمام سحر الخوارزميات وهي تقول لنا إنه لا يجوز لنا أن نحترق، لأننا على الجانب الذي يذبح ويحتفل بانتصار "الأصدقاء الطيبون"، المستثمرون في الدم والمال، لـ"المرتزقة الطيبين" في تدمير الشعوب.
إن "أصدقاء المرتزقة" هم اليوم المتحكمون في الخوارزميات، وهم نفسهم الذين رفعوا ممثلاً كوميدياً إلى قائد حرب، والآن تفوق سجن ابو غريب على جامعة سانت اندروز وكامبريدج واكسفورد، بتخريج سجين من سجنائها زعيما متمكنا من المعرفة العسكرية والدبلوماسية، وأكثر من ذلك، مطهر من جرائم الذبح للعراقيين والسوريين ومن بيع اليزيديات، وفي غضون اسبوعين من ادخاله دمشق يتسابق الرؤساء من العواصم العربية والاوروبية للتواصل معه مع تقديم هدايا للتبرك بمقدامه، والذي أجرى مقابلة مع صحيفة "تايمز" الصهيونية قبل يومين من حمله الى دمشق، تبرع فيها للصهاينة بمرتفعات الجولان مع الحق في قضم نصيبهم من سوريا، والتصريح لتمهيد الطريق لخلافة ديكتاتورية لأخرى دون أي عائق. إلى جانب الحجاب أو البرقع لتغطية النساء في دمشق، والهدف هو أن يغطي البرقع عقول الشعوب، وليس التمييز بين الجنسين.
وما لا تقوله الخوارزميات، هو ما نلمسه في الأفعال، وليس في الاقوال. فالقتلى في النزاعات الحربية الجارية على كوكبنا تعد اليوم بآلاف الآلاف، وأن ضغط احتياجات الشعوب تئن له الجبال والصخور. وأن توسع مساحاتها تلوح في الأفق، وتنذر لعودة تقسيم العالم بعد تمزيقه وتفتيته والخلاص من نسبة عالية من الساكنة المقهورة والمعدمة. وكل المؤشرات تقول ذلك بالفعل. ومهمتنا هي أن نرى ما يجري على الأرض وليس ما تطعمنا به الخوارزميات في كل ثانية، وتجعلنا نصارع طواحين الهواء. فالحرب تلامس يوميا مشاعرنا وتدمر شعورنا، وتقتل فينا كل ما هو إنساني، وتهدد عملنا، وتسرق جيوبنا. وهذه حقيقة نعيشها كل يوم، والمطلوب التجند بعيدا عن الخداع لمنعها والوقوف إلى جانب ضحاياها بدل التباكي على الماضي. فصاحب النظرة السليمة سيعرف من انت إذا عرف من هو صديقك.