تتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في المغرب، وتتسع رقعتها يوماً بعد يوم، مُحمّلةً بغضبٍ عارم تجاه السياسات القائمة في قطاع الصحة المنهك.
فبعد أسبوع من انتفاضة مدينة أكادير، انفجر الغضب نفسه في مدينة تاونات يوم السبت 20 سبتمبر 2025، حيث خرجت جموع غفيرة في مسيرة حاشدة حاملةً همومها وآمالها، ومعلنةً رفضها القاطع للسياسات الطبقية التي أنهكت القطاع الصحي وأفقرت شعبنا.
اجتذبت المسيرة أبناء الإقليم من مختلف الدواوير والبلدات، وكانت المشاركة النسائية والشبابية لافتة وقوية. انطلقت المسيرة من ساحة البلدية متجهةً إلى مقر مندوبية وزارة الصحة، وهتفت الجماهير ضد سياسات التهميش والإقصاء، وضد الوضع الكارثي الذي يعيشه المستشفى الإقليمي، حيث شحّت المعدات والبنى التحتية، وتراجعت الخدمات إلى مستويات مزرية، وانتشر الفساد "وعطى الريحة" والفضائح.
ولم يقتصر غضب المحتجين على قطاع الصحة فقط؛ فقد رفعت شعاراتٌ لاذعة تعري واقع التعليم، وتندد بالاكتظاظ وهزالة التجهيزات والنقص الحاد في الكوادر التعليمية. كما عبرت الجماهير عن سخطها على ارتفاع كلفة المعيشة والارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الأساسية، مما يزيد الأسر معاناة وفقرا.
هذه المسيرة ليست سوى حلقة في سلسلة متصاعدة من الاحتجاجات الميدانية التي تشهدها المنطقة، تؤكد جميعها إصرار الناس على النضال من أجل كرامتهم وحقوقهم المسلوبة. لقد آمنوا أن الخروج إلى الشوارع والساحات هو السبيل الوحيد لكسر جدار الصمت، وفضح السياسات الطبقية الممنهجة التي تستهدف الخدمات العمومية، وانتزاع الحقوق المشروعة.
إن خروج أهل تاونات وغضبهم العارم هو مواجهة مباشرة مع سياسة النظام القائم، الذي يفرض، بتوجيه من مؤسسات مالية دولية، سياسة الخوصصة والتقشف، مجهزا على ما تبقى من خدمات عمومية، ومكتسبات شعبنا، ومحولا الصحة والتعليم من حق إنساني إلى سلعة تخص من يدفع/الأغنياء فقط.
هذا السخط المتصاعد، وهذه الاحتجاجات المتفرقة هنا وهناك على خريطة الوطن الجريح، ليست سوى مؤشرا على عمق التناقض بين الشعب والنظام، وإنذارا ببركان شعبي آت لا يوقفه قمع ولا تهدئة مؤقتة. لقد سئم الناس وعود النظام الكاذبة وخطاباته الممجوجة؛ فهم يعرفون أن قوتهم الحقيقية تكمن في وحدتهم وإصرارهم.
فالشعب الذي يبني ويزرع ويصنع الحياة هو من يملك الأرض وخيراتها، وهو صاحب الحق الحقيقي في تقرير مصيره. والنظام القائم ليس سوى مجموعة لصوص سرقوا خبز الأطفال وكرامة الشعب، وسيأتي يوم يلقون فيه من على عروشهم المصنوعة من الأوهام.
فلنواصل السير نحو وطن لا يخاف فيه أبناؤه من المستقبل، وطن الكرامة والعدالة والحرية والمساواة.