من أكادير إلى وجدة، رسالة إدانة صاخبة أطلقها آلاف الشباب المنتفض عبر ربوع الوطن. نهر تمردي اندلع في الشوارع بعدما إلتقط شرارة المسيرات الاحتجاجية بكل من مدينة تاونات وأكادير حول الصحة والتعليم والغلاء.
إنه الوضع الذي افاض بركان غضب خامد صنعه نظام البؤس والتفقير والعمالة، بعد ان حول حياة شعبنا الى جحيم ومستقبل شبابنا الى المستحيل والمجهول. والدلالة على ضخامة الغضب والتمرد هو توسع لهيب الحرائق بسرعة لتشمل المغرب كله.
إنه الواقع نفسه، المستشري في كل ربوع الوطن، هو الذي صنع حركة اليوم، لتأخذ شكلها من الفراغ السياسي الذي صبغ البلاد بعد اختراق النظام للتنظيمات وتخريب كل الحياة السياسية والنقابية والجمعوية والمحاصرة الجهنمية للنضال الحقيقي والمناضلين الحقيقيين، لتظهر كحركة متمردة تجمعها وتحركها مطالب محددة، والسخط على الواقع، ولا تعرف زعيما او زعماء لها، ولا قيادة.
بهتافات مثل: " ما بغينا سطادات بغينا سبيطرات" "الحرية الكرامة العدالة الاجتماعية" "لا قمع لا إرهاب ما يوقف مسيرة شعب"..، جسدوا تصميمهم على عدم الرضوخ لعصور الظلم والاضطهاد ولمن استباحوا البلاد وجعلوها ضيعة للصهاينة والمعمرين الجدد، وحولوا كدح شعبنا إلى أرباح التكتلات التجارية وصقور النهب الدولي.
إن هذا النضال الكبير اليوم لابناء شعبنا من أجل الكرامة والعيش الكريم ومن اجل الصحة والتعليم، لن ينتهي بمناورات النظام المختلفة للالتفاف على مطالب شعبنا، حتى ولو تم رمي الحكومة والبرلمان بغرفتيه في القمامة، لأن المعركة قد بدأت منذ انتفاضات شعبنا لسنوات وهي ترمز الى استمرار معركة المقاومة وجيش التحرير ضد نظام لا وطني وريث الاستعمار. والمعركة التي تتواصل عبر عقود واجيال ولم تكبح يستحيل أن تدفن إلى الأبد.
واليوم النقاش تجدد بعمق، حول كيف يمكن ان نعيش في القرن الحادي والعشرين، في عصر الاكتشافات العلمية الكبيرة والذكاء الاصطناعي، وقد توسع وصار من اهتمامات حتى من عمل النظام على تدميرهم بأساليبه الاجرامية، اي الشباب الذي حاصرهم بالتفاهة والمخدرات الصلبة والتشرد. واكيد لن يقف هذا النقاش في حدود مخيلات ليبرالي. فالشباب المنتفض اليوم هم أبناء البروليتاريا والفلاحين الفقراء، ولكي يتمكن الشاب أو اخوه الطفل من رؤية ابيه، والمشاركة في الشؤون العامة، وتلبية جميع الاحتياجات الشعبية المعاصرة، من أجل مجتمع جديد، لن يغيب عنه موضوع الاستغلال وكيف بخرت المعيشة وغلاءها ثمانية ساعات عمل وكيف يضطر الآباء للعمل ساعات إضافية من اجل لقمة العيش على حساب رؤية اطفالهم ووقت الثقافة والرياضة والترفيه. لذا فشعارات معركة اليوم ليست سوى البداية.
وبالمناسبة اقول إن الانتفاضات والتمردات مثلها مثل الثورات، لا تعلق على حروف، فسواء قلت "زيد" أو قلت "إكس"، فأنت تتحدث اليوم عن مجهول، لكن المعلوم منه هو صوت الشعب الجريح. ليس المهم من يصوغ البيان هل نكرة ام معلوم، بل المهم تلك الحقوق التي تحملها قلوب الملايين. إنها مطالب الشعب المغربي التي لا تقبل المساومة، حقوقه المسلوبة التي تشمل محاكمة المجرمين الحقيقيين الذين أفقدوه أمنه، واغتالوا مستقبل أبنائه، امام محاكم الشعب.
والمجرم الحقيقي ليس من تلصق به أجهزة النظام تهمة الجريمة بل المجرم هو نهب البلاد وافقر شعبنا وشرع الخيرات للصهاينة وللشركات الاستعمارية ورهن مستقبل الاجيال بالقروض لتحقيق مصالح النهابة والسراق.
فما نراه اليوم من احتقان هو الحصاد المرّ لما زرعه النظام طوال سنوات - ظلما منهوبا، واستغلالا مفضوحا، وفسادا استشرى في كل مفصل. لقد جعلوا الوطن سجناً كبيرا، وابن الشعب غريبا في أرضه.
لكن رياح التغيير لا تُرد، والنظام الذي رهن البلد للصهاينة والقوى الاستعمارية، وجهز الجمر والرصاص لشعبنا، واعتقد أنه قادر على كبح جماح غضب الملايين، هو من سيدفع الثمن في النهاية. فشعب أيقن أن الموت أجل من الظلم، لا يمكن أن تقهر إرادته.