2014/12/29

البديل الجذري// أربع سنوات على "انفجار" المنطقة المغاربية والعربية الماركسيون اللينينيون: أي موقع؟

لقد مضت على انطلاق ثورات/انتفاضات المنطقة العربية والمغاربية أربع سنوات، كما مرت ثلاث سنوات على تمرير النظام القائم للدستور الممنوح
ومهزلة الانتخابات التشريعية وإخراج حكومة البهلوان الذي يطلق صيحات الإصلاحات التي لا تعني للشعب المغربي سوى المزيد من الفقر والنهب والإذلال والاستغلال والاضطهاد، بحيث لم تخل من التدمير والتراجع على مكتسبات اجتماعية وديموقراطية تحققت بفضل تضحيات شعبنا وبطولاته.. ليلوح سؤال مشروع في الأفق: من أجل ماذا قدمت وتقدم الشعوب، ومن ضمنها الشعب المغربي، التضحية تلو الأخرى؟ وهل تحققت أحلام ومطالب المنتفضين؟ إن الحصيلة الملموسة والنتائج القائمة لم تحقق أي إنجاز أو طموحات أو أحلام في مستوى تضحيات المنتفضين. في حين أن الأنظمة الرجعية استطاعت إعادة الهيكلة لذاتها دون المساس بمصالحها الاقتصادية أو بنمط إنتاجها التبعي، بالرغم من سقوط بعض الرموز الديكتاتورية، بإشراك أطراف من القوى الظلامية والليبرالية (اليسار "الليبرالي" واليسار "اليميني"...) من خلال لعبة مخدومة بتكتيك إمبريالي صهيوني رجعي لامتصاص الغضب في مناطق كانت محسوبة لصالحها والسطو والتحكم في الانتفاضات بمناطق غير تابعة لها، مستفيدين من العفوية التي خلفها الفراغ السياسي القاتل نظرا لغياب التنظيم السياسي والمعبر الطبقي الحقيقي للجماهير الشعبية الثائرة.
وقد أصبح التصور الرائج بشكل واسع، وسط من ينسبون الإسهام لأنفسهم من الأحزاب القائمة والسياسيين الانتهازيين والنقابيين البيروقراطيين والجمعويين الطفيليين، يقوم على حصر كل جهودهم وتفكيرهم في النتائج في حد ذاتها والانحسار في دائرة هل ما جرى ثورات أم انتفاضات في استخلاص يقول إما أن الثورات لم تحدث بل هي مجرد انتفاضات، أو أنها ثورات فاشلة، وتسييد الميل المؤسس على أن النتائج هي نهاية الاستخلاص مع لوم للجماهير الشعبية التي لم تساند خياراتها الانبطاحية، في دعم ضمني بشحنات من الوعي الزائف للميل المضاد للثورة.
فبالتأكيد أن من كانوا يبنون منظورهم على أرضية النضال الديموقراطي وحقوق الإنسان، وعلى أوهام تحقيق الديموقراطية، بعيدا عن نبض الشارع، في ظل أنظمة الكومبرادور والملاكين العقاريين الكبار يستحيل أن ينظروا للموضوع بعمق، فبالأحرى استكشاف أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي وما يفرزه من احتقان في ظل التطورات والتحولات التي كانت جارية قبل استشهاد البوعزيزي سيقود لا محالة إلى انتفاضات و"تمردات" عنيفة استهدفت إسقاط السلطة السياسية، وأن استمرار نفس الأوضاع وتعمقها يؤسس لنهوض أقوى وأعنف. لهذا انحسر دورهم بعد انطلاق شرارة الشوارع في محاولة للحاق والقيادة من الخلف والركوب على التضحيات والعودة بالصراع إلى دائرة الصفر وإيجاد موطئ قدم لها في المشهد السياسي.
فهل فعلا أن حصيلة النتائج تعني نهاية الثورة أو نهاية الثورات أم أنها محطة في صيرورة الثورة المنتصرة القادمة؟ إن الانتفاضة الشعبية التي أفرزت في خضمها شعارات ثورية نوعية استهدفت السلطة السياسية والنظام لخصها الشعار القوي "الشعب يريد إسقاط النظام" والتي أعطت المضمون الثوري لوسيلة الفعل الانتفاضي، كانت نتيجة لوضع طبقي تسيطر فيه طغمة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار ورهن البلد وكل خيراته للمصالح الاستعمارية والمخططات الجهنمية للمؤسسات المالية الكبرى وعلى رأسها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، أي لبنية طبقية يستحيل أن تستوعب الديموقراطية وحقوق الإنسان بالصياغة البورجوازية المنصوص عليها من طرف المنتظم الدولي أو أن تجيب عن الواقع المتردي والفظيع وعن التدهور المستمر على جميع الأصعدة من البطالة والتعليم والصحة وواقع الطفولة والشيخوخة والمرأة وأحزمة البؤس والفقر المدقع والتهميش..، لهذا هل كان ممكنا بناء الديموقراطية في ظل استمرار سيطرة لطبقات تقف على النهب والجشع والامتيازات والوساطة والنفوذ.. وتراكم الثروة بشظف الفقراء..؟ إن استمرارية سلطة الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار يستحيل دون الديكتاتورية والسلطة المطلقة، لأنه ببساطة بالتفريط في السلطة المطلقة سيعرض سلطتها السياسية للهشاشة والتصدع ويحكم على مصالحها الاقتصادية بالانهيار. لأنها غير مبنية حتى على قواعد "الاستثمار"، بل على النهب والامتيازات (الريع).. مما يرجح كفة القمع والفتك وإزهاق الأرواح بشراسة ودموية (وهو ما يعرف بجنون السلطة)، وأن كل الطرق غير المستقلة عن الرأسمالية أثبتت عجزها عن حل هذه الأزمة مهما تنوعت الألوان المؤتى بها لإدارة السلطة من الإسلامية/الإسلاموية أو الديموقراطية أو الحقوقية أو التيكنوقراطية أو "اليسارية".. والتي لم يعد يعنيها سوى كيفية التسلل للسلطة دون النظر للبنية الطبقية الواقفة على اقتصاد عاجز عن الاستجابة لمتطلبات الجماهير الشعبية المضطهدة العريضة. وهذا ما يعني أن شروط استمرار وبروز فعل ثوري قوي وعنيف قائمة ومستمرة، وقوته الفعلية والأساسية هي الطبقة العاملة وبجانبها فقراء المدن والمعطلين والطلبة والتلاميذ والفلاحين الفقراء بالبوادي وبعض الفئات من المراتب الدنيا والتي لم تعد قادرة على قبول استمرار بؤسها وإذلالها، بحيث صار الاحتجاج والسخط هما الطابع العام السائد في المدن والقرى. فلا يكاد النظام، بوسائله الجهنمية (الحديد والنار والقتل والفتك والسجن..)، يخمد فعلا نضاليا هنا حتى يندلع آخر هناك، وأن ما حصل منذ 2011 هو محطة في صيرورة تراكم الفعل الثوري، في مده وجزره. أما النتيجة اللحظية في صعود القوى الظلامية أو القوى الليبرالية أو في تحالفهما من خلال لعبة الانتخابات المكشوفة والسيطرة على المؤسسات التشريعية في بعض البلدان أو بسطوها على ثورات الشعوب في بلدان أخرى ما هو إلا نتيجة لوضع سياسي غابت فيه الأداة السياسية العمالية المكافحة والثورية والفلاحين الفقراء والمعدمين وغاب الوعي السياسي الطبقي مع سيطرة القوى الانتهازية المتواطئة والبيروقراطيات النقابية على جل الأدوات الجماهيرية، والتي فعلت كل جهودها بالترويج للصفقات المشبوهة على حساب الشعب المنتفض وتحييد قاعدة مهمة عن الشوارع، والتمسك بقبضة القيادة من الخلف في النموذج المغربي، من خلال تحالف هجين ورجعي لعبيد الليبرالية الذي عمل على تسقيف الفعل النضالي بمطالب دستورية وإخضاعه للعبة الديموقراطية، وهذه العوامل السياسية جعلت الصراع يبتعد عن البرنامج البديل المبني على مشروع مجتمعي اقتصادي واجتماعي يقوم على الهجوم الشعبي العنيف على السلطة السياسية المتخلفة وتحطيمها وبناء سلطته الحقيقية الضامنة لتشييد المشروع البديل.
لكن، بعد مجمل هذه التطورات، ما الذي لم يتبين وبشكل أعمق؟ أو لنقل ماذا يتخفى وراءها؟ بالنسبة لكل متمحص لهذه التجربة ومستوعب لها، ومن منطلق ثوري عميق، سيقف مباشرة على أن الحصيلة الحالية ليست هي المطلوبة، وأن المطلوب لازال قائما ويستدعي الانخراط والفعل، وهو طموح الجماهير الشعبية للتخلص من نظام اقتصادي وسياسي يكرس البؤس والبطالة والفقر والجوع والأمراض والتشرد والأمية والحرمان و.. وبملحاحية أكثر بل وبمعطيات مهمة ومفيدة ومنها انهيار عوامل الخوف التي زرعتها الأنظمة الديكتاتورية ونشرتها في النفوس الأحزاب الخنوعة والعميلة وانكشاف المشاريع الظلامية وأدوارها المشبوهة في تدمير نضالات الشعوب وخضوعها للإمبريالية والصهيونية والرجعية (الخليجية وغيرها...) ولإملاءات مراكز التمويل وفقدانها للمصداقية. ويتأكد عجزها عن حل مشاكل الجماهير الشعبية لحد التناقض مع مصالح هذه الأخيرة وأن المشاريع الليبرالية صارت مأزومة واختارت الاستغاثة بكل قوى التطرف اليميني من التنظيمات الإرهابية والعنصرية والشوفينية.
فإن كانت هزيمة 1967 قد شكلت عنوانا للانهيار وللفشل الذريع للمشروع البرجوازي الصغير، فإن ثورات 2011 جسدت منعطفا تاريخيا انكشفت فيه للشعوب حقيقة القوى الظلامية وتعرت مواقعها الحقيقية وعلاقاتها المشبوهة المتسترة برداء الدين.. وكذلك العجز إلى حد الذعر لدى بعض دعاة الماركسية، سواء الذين يقولون إن المرحلة هي مرحلة البناء النظري، أو الذين يتبنون النضال الديموقراطي، المؤسسين لتكتيكهم المرحلي من خلال "تكتيك النصوص" (نصوص الأصول الماركسية لدى جهة ونصوص منظري الارتداد والنضال الديموقراطي لدى البعض الآخر) بدل الانطلاق من الصراع الطبقي الجاري على الأرض ومن التناقضات القائمة التي لا تتوقف،أي من تحليل ملموس لواقع ملموس، وهو الأمر الذي حولهم إلى عبيد النصوص بدل محللين وفاعلين في تطور الصراع الطبقي، وحكم عليهم بالصمت في محطات عدة بحكم ما تحمله من مستجدات لا تجد لها نصا للقياس وكذا انزلاقات في المواقف في كثير من الأحيان إلى حد التناقض مع الواقع ومصالح الجماهير الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة، وبالتالي كان العجز عن التقدم في الصراع والمسؤولية والتعبير عن مصالح العمال والفلاحين الفقراء، في سعيهم لتحقيق التغيير..

من هذا ومن خلال الواقع الملموس على الأرض والذي تتثبت فيه الدينامية اليومية غير القابلة للتوقف أو التراجع بالرغم من القمع والاعتقالات والاختراقات التدميرية والوعود الزائفة وغيرها من التكتيكات المكشوفة والمحبوكة في دهاليز خبراء الرأسمالية العالمية، يتأكد أن الصيرورة لن تتوقف خارج الجواب الفعلي عن واقع غير مطاق لدى الجماهير الشعبية والذي ستلعب فيه الطبقة العاملة، بحكم موقعها داخل مسلسل الإنتاج، الدور الرئيسي وبجانب الفلاحين الفقراء والطلبة والمعطلين والتلاميذ والمفقرين والمهمشين في أحزمة البؤس بالمدن وفئات من المراتب الدنيا.. إذا السؤال هو من سيتحمل مشروع التغيير؟ والأهم في هذا العمل هو أي دور للماركسيين اللينينيين في هذا الصراع؟ وهل بإمكان الأحزاب القائمة أن تلعب دورا في هذا الصراع؟ أقول وبشكل حاسم إن هنا تقع مهمة الماركسيين اللينينيين الفعليين المستوعبين لهذا القانون المؤطر لتناقضات المرحلة التاريخية والذي هو الأساس في الجدل المادي من أجل الفعل في الصيرورة للانتقال والتغيير، أي أن مسؤوليتهم بالدرجة الأولى، وبدون تردد أو تخلف، هي في انخراطهم في الصراع فكرا وممارسة وتنظيما وإنضاجه استناداً إلى العمال والفلاحين الفقراء من أجل حسم الصراع مع الأعداء الطبقيين على أرضية مشروع مجتمعي ينطلق من تغيير ما هو قائم تغييرا جذريا وبناء البديل. وإن متطلبات الوضع الجديد لا يمكن للأحزاب القائمة أن تلعب فيه أي دور، أو أن تفكر فيه، أو أن تتخلص من طبيعتها الانتهازية وميولها للتسلل الى مراكز السلطة تحت رعاية الكمبرادور، بل إنه لا مخرج للوضع خارج الثوريين الذين لم يهزموا ولم ينكسروا ولم يبيعوا ولم يتخلفوا عن الوقوف في مقدمة نضالات وانتفاضات شعوبنا بالرغم من اضطهاد الجلاد وارتداد الأصدقاء القدامى والجدد والخيانات المتتالية والضربات الموجعة، فهم من سيسطر ويصيغ البديل الحقيقي التاريخي الممكن. وهم من سيعيد تأسيس الفعل السياسي بوعي طبقي ناضج وبنفس ومعنويات جديدة وعالية في إطار مسؤولية واضحة تتمثل في بناء الأداة الثورية للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كأساس للدور التاريخي المطلوب وبشكل ملح. لأن ما راكموه من تجربة ومن خبرة في ظل الصمود والمقاومة عبر مسار تاريخي ونضالي طويل يؤهلهم للمبادرة والتقدم في الصراع طبقا لأهداف واضحة. فلا يمكن أن يكون ماركسيا لينينيا من يعتقد بأن دوره في الصراع ومهمته في التنظيم لم تحن، كما لا يمكن أن يكون ماركسيا لينينيا من يرتعد في الصراع ومن يرتعب في الانخراط بمسؤولية وكتنظيم ثوري حامل لهم التغيير الثوري ويخوض المعارك الحقيقية من أجل بناء البديل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وإلا هل من يعيش على الانتظار والتشتت وينظر له/يبرره ماركسي لينيني؟ وهل يمكن الحديث عن النظرية الثورية دون الانخراط في الممارسة الثورية؟ وهل يمكن الحديث عن ممارسة ثورية تعكس النظرية الثورية على أرض الواقع دون تنظيم ثوري؟ وهل آراء الأفراد في وضع الشتات وما يحملونه من نصوص وأدبيات محفوظة عن ظهر قلب تعتبر نظرية ثورية؟ وكيف يمكن نقل نظرات الأفراد الى الممارسة دون معبر أو وسيلة تنظيمية؟

إن الماركسية اللينينية هي نظرية ثورية، جذرية، تؤسس لتغيير ما هو قائم في أفق بناء الاشتراكية، وليست نظرية مؤسسة ومحنطة في نصوص ومقولات تؤسس عليها الميولات والرغبات والتفسيرات، كما ليست مذهبا جامدا وجاهزا وتحت رعاية ووصاية وحراسة "الكهان"، بل هي المذهب المرشد للعمل النظري والسياسي.. فإن كان انجلز قد عبر عن ذلك بطريقة كلاسيكية، فاليوم يستدعي منا الأمر والواجب التذكير، لهذا نقول ونكرر إن حفظ النصوص وترديد الشعارات والتشدق بمفهوم الدياليكتيك والإطناب من ترديد الماركسية اللينينية ليس بماركسية ولا لينينية، كما ليست من المقاييس العلمية للحكم بماركسية أو لينينية هذا أو ذاك، فهي معايير رديئة ورثة وبئيسة، وكذا ليس من الماركسية ولا اللينينية الميول المتفشي والمخدوم من قبل الأعداء لتوزيع لصاقات التحريفية من فوق الأبراج ومن على الكراسي الجامدة فكرا وممارسة الذي يدخل عمليا الماركسية اللينينية إلى أندية عشاق الفذلكة الكلامية والرماية من الخلف. إن المطلوب هو أولا الانخراط المسترشد بالماركسية اللينينية والمستوعب لها في الممارسة والانكباب على تناقضات الواقع ودراسته والتعبير الصحيح عنه وعن مجمل التغيرات وتطورات الصراع السريعة، وتقديم، في إطار ممارسة مسؤولة على الأرض، كيفية العمل والفعل لإنضاج شروط التغيير من موقع الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء كموقع ومنطلق طبقي واضح ودقيق، لأنها هي المهمة والهدف الإستراتيجي للمشروع الماركسي اللينيني، كوعي عميق بتحديات الماركسية اللينينية، أو بقول آخر تحديات علم الثورة في ظل متغيرات عدة. لذا التحدي يفرض ويتطلب ماركسية لينينية تؤسس الفهم على الواقع والتكتيك على إمكاناته الذاتية والموضوعية، وليس ماركسية لينينية محنطة ومن مخلفات نصوص صيغت على نتائج زمن مضى، ودون ذلك يظل الحديث عن الماركسية اللينينية مجرد موضة وتبجح برجوازي صغير يقتات على النصوص على الطريقة المحدثة "نسخ/لصق" وأمجاد الماضي التليد..
29 دجنبر 2014



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق