عيد العمال والشعوب عبر العالم ليس ككل الأعياد والأعراس. عرس ينفلت من قبضة المكان والزمان ويستشرف المستقبل رغما عن كونه محطة يخيم عليها لون وطعم البهرجة وحتى مشاركة أشد أعداء العمال والشعوب. عرس أو أعراس لا
تنسلخ عن الواقع، بل تتفاعل معه وفي لحظات الجزر وانسداد الآفاق يغدو مسرحا ومناسبة خطبة القوى البرجوازية.
تحت سماء غائم بل ممطر قدمت النقابات والأحزاب عروضها وبياناتها بمناسبة العيد الأممي. سأقف عند أهم ما ميز هذه المحطة التي غاب عنها شعارها المركزي والمؤطر لممارسة جادة ومسؤولة تستهدف مشروع الطبقة العاملة. وهذا أول ما يمكن تسجيله والتأكيد عليه للمرة الألف.
يقول بيان الكنفدرالية العامة للشغل (CGT) المنشور على أعمدة موقعها إن الهدف من هذه المناسبة والحضور فيها هو النضال من اجل الديمقراطية والجمهورية والسلم والحريات بما يخص التعبير. ولخص البيان وجهة نضال العمال في المطالبة ب "عولمة التقدم الاجتماعي" ضد "سياسة التقشف" ونتائجها المؤلمة.
يلخص هذا البيان الفكر السياسي العام المهيمن داخل النقابة العتيدة CGT والموجه لممارسة النقابيين. كما أن الحزب الشيوعي الفرنسي ذهب في نفس الاتجاه، وهذا ما أكدته الكاتبة العامة للكنفدرالية الأوروبية للنقابات CES، حيت قالت إن حل الأزمة يكمن في "رفع الأجور وتحفيز النمو الاقتصادي". كما طالبت CGT ب « اتحاد أوروبي قائم على النمو الاجتماعي" وبحوار وحقوق اجتماعية..
لن أشير الى بيانات النقابات الأخرى لاعتبار حيز التغطية، ولكون CGT أول نقابة عمالية، وما لدلالة بياناتها في توجيه وتأطير الفعل النقابي بفرنسا. وهذا لا يعني أن النقابات الأخرى لا حجم ولا تأثير لها.
لم تقل لنا نقابتنا الموقرة ما هي الديمقراطية التي تطالب بها؟ وما هي الجمهورية التي تدافع عنها؟
لا نعتقد ولو للحظة أن ديمقراطية بيان الكنفدرالية يعني الديمقراطية العمالية ولا نعتقد ولو لثانية واحدة أن جمهورية بيان النقابة هي الجمهورية الاشتراكية. فالديمقراطية والجمهورية ببيان النقابة هما أولا الديمقراطية البرجوازية ولا شيء غير ذلك. ويمكن فهم معنى الديمقراطية عند قيادة النقابة من خلال استبعادها للنقاشات السياسية داخل صفوف النقابيين والعمال فيما يخص تحديدا طبيعة النظام الرأسمالي بفرنسا وعلاقات الإنتاج وقوى الإنتاج والطبقات الاجتماعية الى غير ذلك، لكون القيادات النقابية تسلم قبلا بالنظام الرأسمالي ولا تعمل إلا من أجل تحسين شروط العمل والحياة العامة في إطار نظام الديمقراطية البرجوازية.
إن قياداتنا النقابية لا تسعى، بل تحارب كل فكرة أو ممارسة لها صلة من بعيد أو قريب بديمقراطية العمال والفلاحين وعموم المستخدمين. إن الديمقراطية العمالية كمفهوم وكممارسة وكنظام هي في تناقض حاد مع القيادات النقابية. وهذا ما تؤكده هذه القيادات من خلال شعاراتها وممارستها، حيث طالب البيان المذكور ب "تطوير الاستثمارات من أجل الإقلاع الاقتصادي"، والمقصود هو الاقتصاد الرأسمالي.
تلف هذه القيادات النقابية والسياسية كذلك خطاباتها بورود الزنبق الجميلة خلال العيد الأممي لتدافع عن جمهورية النظام الرأسمالي مستغلة قضيتين، أولهما الحقوق المدنية والسياسية وحرية الصحافة والتعبير. أذكر هنا بالأعمال الإجرامية التي ذهب ضحيتها رجال ونساء الصحافة المكتوبة، والتي هزت مشاعر العالم أجمع.
طيب وجميل أن تتم الإشارة الى هذه الحقوق الأساسية، لكن ما لا نتفق معه هو استغلال هذا الحدث وما تلاه من تراجع خطير على مستوى الحريات العامة والفردية للالتفاف حول جمهورية النظام الرأسمالي حليف هذا الإجرام بالضبط الذي قتل رجال ونساء الصحافة بفرنسا والذي يقتل بالجملة في صفوف شعوب بلدان أخرى كثيرة. وهذا ما لا نرضاه لنقابة CGT، أن تلتف وتشكل الذراع الواقي للنظام ضد نضالات وإضرابات العمال داخل وخارج النقابة. إن الدفاع عن الامبريالية ونظامها من طرف الكنفدرالية باسم الدفاع عن الحقوق هو موقف خاطئ ولا يمكن أن يرفع بالعامل النقابي والغير النقابي الى مستوى إدراك مصالحه الآنية وقضيته الأساسية، أي أن يتحرر من الاستغلال الطبقي وقيوده ويشيد نظام طبقته وحلفائه الاشتراكية. وثاني القضايا التي عمل البيان على استثمارها هي العنصرية و"خطب الكراهية". فلا يمكن لأي كان أن يتنكر لمسؤولية التوجهات النقابية والسياسية في ما آلت إليه الأوضاع المزرية للعمال والمستخدمين، هذه التوجهات التي عملت منذ عقود طويلة على أرضية التعاون الطبقي مع البرجوازية وأفسدت الوعي النقابي والسياسي لدى أوسع الشرائح وأن تتنصل وبمكر من مسؤولياتها وتخفي أو تحاول أن تخفي عجزها في قيادة الطبقة العاملة لانجاز مشروعها المجتمعي وترفع راية العنصرية لستر عورتها سياسيا ونقابيا واجتماعيا.
إن هذا الأمر مفضوح ومخجل حقا. وبالمناسبة، أشير الى أن الدعاية الإعلامية الرسمية سواء من طرف العنصري اللبق أو من طرف العنصري الفج ليست إلا فخا ينصبه البرجوازيون في ظل التردي الفظيع للعمل السياسي والنقابي والجمعوي والثقافي بفرنسا.
فلا جديد تحت سماء باريز (فرنسا)...
وتجدر الإشارة الى أن هذه الأساليب المعتمدة من طرف القيادات النقابية والسياسية الفرنسية هي نفسها المعتمدة على الصعيد الأوروبي بCES التي تتشكل قيادتها من العناصر الأكثر بيروقراطية والتي تملكت تجربة في قيادة النقابات الوطنية وكبح نضالات وإضرابات عمالية هائلة كادت أن تعصف بالتوازنات السياسية والطبقية لصالح العمال وخلق شروط وعيها وتنظيمها سياسيا، إلا أن هذه القيادات تواطأت ولازالت ضد الطبقة العاملة وباسمها.
ورغما عن الغيم والمطر، ورغم معاطفكم المبللة ورغم الحزن والأسى، فعيدكم سعيد ولتتجدد أعراسنا الجميلة، أعراس العمال بفرنسا وبالمغرب وبالعالم أجمع الى مالا نهاية كورد الزنبق الذي أهديكم بعضا من وروده كما أهديها لكل المعتقلين السياسيين القابعين بزنازن النظام.. وأشد على أياديهم...
عاشت الطبقة العاملة (يا عمال العالم اتحدوا..).
فرنسا، 01 ماي 2015
شارك هذا الموضوع على: ↓