وأنا أتصفح المواقع الإليكترونية للنقابات العمالية ببلادنا وكالعادة أعير اهتماما أكثر لنقابة الاتحاد المغربي للشغل. أولا، لأنها تشكل حقلا واسعا من حقول النضال العمالي عبر امتدادها التاريخي والجغرافي ببلادنا بالإضافة إلى كونها النقابة الأكثر تمثيلية في صفوف العمال. ثانيا، بحكم الارتباط التاريخي لقواعدها بالمناضلين اليساريين. كما أعير انتباهي كذلك لنقابتي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل كنقابتين عرفتا النور من رحم ا.م.ش. وفي بعض الأحيان ألقي إطلالة وجيزة على موقع نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب التي أسست ضدا على ا.م.ش. أما النقابات الصفراء والمنتشرة كالطحالب وعلى رأسها الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب التابعة لحزب العدالة والتنمية، فغالبا ما أمر عليها مرور الكرام بالرغم من أن مواقعها الالكترونية ذات تقنية توازي مواقع النقابات الأخرى. ويهمني في الأمر الآن، الاطلاع على التقييمات النقابية لنتائج انتخابات 3 يونيو 2015. وكالعادة ليس هناك ما يشفي الغليل وكأنه إجماع بين جميع النقابات بدون استثناء حول التعتيم التام على الجماهير الشعبية. وفي خضم متابعتي للموضوع، استوقفني شريط بموقع الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب من إنجاز لجنة التواصل والإعلام للنقابة المعنية، شريط قصير للغاية يوضح ''الانتصار الباهر'' الذي حققته النقابة "الرسمية". ''فالانتصار الهام'' من خلال الشريط ليس عدد المقاعد التي أحرزت عليها، بل التقدم الهائل في النتائج مقارنة مع مثيلاتها في السنوات الماضية في الانتخابات المذكورة؛ انتصار عبارة عن زيادة 145 في المائة مقارنة ب40 في المائة مع الاتحاد المغربي للشغل... فماذا تريد نقابة يتيم؟ نقابة الحزب الحاكم من هذه الدعاية، هل هو استفزاز للنقابات الأخرى؟ هل هو استفزاز للقوى السياسية؟ هل هو إشارة الضوء الأخضر لامتصاص دماء العمال؟ هل هو استفزاز للمدافعين عن الطبقة العاملة؟
إنه استغلال واضح للموقع الذي يحتله عرابها حزب العدالة و التنمية. فهي تعمل جاهدة على توسيع شبكتها عبر المؤسسات المالية والخدماتية التي يشرف عليها هذا العراب. فلتلهث البيروقراطية النقابية وراء الحوار مع الحكومة ولتشيد قصورا من أوراق البيانات المنددة، إنه استفزاز عميق للمناضل الحقيقي. فهل المناضلون الحقيقيون بعيدون مسافات طويلة عن من يدافعون عنهم ويتبنوا قضاياهم/قضايانا؟
من السهل جدا أن يتغنى ''المناضل'' بخطابات قوية وعنيفة كلما باتت عبارة عن شعارات رنانة وأنغام صوفية تغذي الروح الثائرة. ففي اعتقاد البعض أن الرفع من إيقاع الخطاب دليل كاف على الإخلاص النضالي، وفي اعتقاد البعض الآخر يكفي انتحال اسم من الأسماء التاريخية أو الارتباط برمز من رموز النضال يعفيه من تصنيفه في خانات الانزلاق والانحراف معا. عندما يكون ''الخطاب الثوري'' في علاقة مجادلة عقيمة مع الخطاب ذاته فلن ينتج إلا الاعتقادات الواهية التي توهم أصحابها أنهم في سدة الدفاع عن الشعوب المضطهدة، وهم عكس ذلك تماما. إن لخطاب المناضل الحقيقي أهداف محددة تستهدف موضوعا معينا للانشغال به وتطوير التفكير فيه في أفق إعطاء إجابة علمية ودقيقة للأسئلة الملحة. والموضوع الملح الآن والذي يجب أن يأخذ حيزا وافرا من تفكير واهتمام المناضلين الحقيقيين، أي السؤال الملح الآن الذي ينبغي أن يلازم ذات المناضل ولا يجب أن يفارقها ولو للحظة واحدة، هذا السؤال الملزم لكل مناضل حقيقي هو إنجاز التغيير الجذري في أفق بناء البديل الاشتراكي. فالقفز عليه هو خيانة للقضايا العمالية، خيانة للطبقة العاملة.. إن القفز عليه يعد بمثابة الهروب من الواقع والتيه في عالم الاستهلاك اللغوي والنقاشات الجافة والقذف المجاني الذي لن يخدم إلا النظام وبيادقه.. فمتى سننظم ذواتنا لكي يصبح فعلنا في أدق الحرفية؟
لنشق الطريق في أعماق من ندافع عنهم..
شارك هذا الموضوع على: ↓