مع حلول 20 يونيو 2016، تكون قد مرت أربع سنوات على انتفاضة أهالي الدواوير المتاخمة لدائرة العوامرة باقليم العرائش، وبالضبط تكون أربع سنوات قد مضت
على تنظيم القافلة التضامنية مع الأهالي بدوار الشليحات، قافلة شارك فيها بمبدئية قل نظيرها الشهيد مصطفى مزياني ورفاقه، في مساهمة وازنة ودالة بغية فك الحصار الرهيب الذي فرضه النظام على منطقة منكوبة بات فيها البعوض أفضل من الإنسان، وصارت فيها شركة أخطبوطية متعدية الجنسيات أفضل من أبناء هذا الوطن، مجموعة شركات ضخمة تدعى « Ebro Foods »، مستعدة للدوس على الجماجم ولتدمير الإنسان والبيئة حتى تضمن أرباحها الخيالية وبمساعدة ودعم من النظام العميل القائم في المغرب.
فعلاوة على استثمار أراضيهم من طرف إدارة الأراضي التابعة لما يسمى أملاكا مخزنية، بات السكان يطالبون بما هو أبسط من الأرض، أي تحسين شروط استغلال الأرض وأبناء تلك الأرض. فلم تعد الساكنة تنام لا ليلا ولا نهارا من وطأة البعوض السام، بما يعني أنهم لم يعودوا يريدون أرزا بجانب مساكنهم على الأقل عن بعد 20 كلم. إحدى النساء المكلومات من تبعات التدخل الهمجي أكدت أن وكيل الشركة اسباني الجنسية قال لهم بأنه لن يرحل وشركته من هنا، وبأن من "يقبلون يديه" هو الضامن لوجوده واستمراره. وعليه تنصلت الشركة المحلية بالعرائش من تشغيل أبناء المنطقة كأولوية وتنصلت من شرط إقامة حزام صحي للحماية من الحشرات الناجمة عن زراعة الأرز، حتى الرعي الصغير حرمت منه أنعام السكان البسطاء.
لقد كان رد السكان انتفاضة بطولية سماها البعض انتفاضة الأرز، وهناك من لقبها بانتفاضة الناموس، لكنها في كنهها الحقيقي وجوهرها المتمظهر في شتى الوقائع والأحداث والخلفيات الطبقية كانت حتما انتفاضة ضد النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي، العميل للامبريالية. إذ قامت جماهير الفلاحين والساكنة بدوار الشليحات خاصة بتوقيف الإنتاج بالشركة المذكورة حتى الرجوع الى الاتفاق الأخير أو مغادرة الشركة للبلاد. فكان الرد يفوق خيال أهل الشليحات.
لقد كان تدخل النظام عقابا جماعيا بامتياز، حيث تم ترويع الجميع أطفالا وشيوخا، كما تم تهديد النساء بالاغتصاب. ومع احتدام المواجهات استعملت القنابل المسيلة للدموع، منتهية الصلاحية إضافة للرصاص المطاطي الذي ووجهت به الصدور العارية والشعب الأعزل إلا من الحجارة. كما استعملت خراطيم المياه المملوءة بالمياه الساخنة (يا للخسة)، والحق يقال، لقد جعلت الساكنة جيشا نظاميا بكامل عتاده يفر كالجرذان من السفينة الغارقة، لولا الإمدادات والمروحيات والتيه والحيرة التي أصابت الساكنة من هول الهجوم الذي شن عليهم. لقد أكدت بعض النساء أنهن بطيبتهن وبراءتهن فرحن بمجيء المروحيات لإنقاذ الجميع من هذا الهجوم الصهيوني المساند لصاحب الشركة، ليكتشفن بعد ذلك أن تلك الأفعى من ذاك الغار وأن المروحيات ما كانت إلا مساندة لأجهزة القمع على الأرض لزعزعة توازن المنتفضين، فيسهل النيل منهم.
أو ليس انتقاما جماعيا أن يتم منع المصابين من التوجه للمستشفى واعتقال كل من له صلة بالمنطقة على طول الطريق ما بين القنيطرة وطنجة؟ أو ليس انتقاما جماعيا أن يتم منع حتى التلاميذ من اجتياز الامتحانات الإشهادية لشهر يونيو؟ أو ليس انتقاما جماعيا استغلال حتى بوق المسجد لتهديد الرجال اللاجئين إلى الغابة المجاورة بالعبث بالنساء الباقيات بالبيوت مباشرة بعد غروب الشمس؟ أو لم يكن انتقاما جماعيا الحالة التي تم خلقها بالمنطقة لدرجة جعلت البعض يهرب ويصير في عداد المفقودين تاركا خلفه ذويه في حالة هيستيرية؟ أو لم يكن انتقاما جماعيا الدخول للمنازل والعبث بالأشياء الخاصة والأكل والسرقة والاستلقاء في فضاءات البيوت وحرماتها؟ ترى من أخل بالأمن العام سوى الجيش وقوى القمع؟ من قام بإتلاف الممتلكات سوى من يعبث بالأرض والحيوان والإنسان؟ من شكل عصابة إجرامية؟ أليست أكبر عصابة إجرامية هي التي تحمي هذا المشروع المرخص بقوة الحديد والنار والديماغوجية و"حرية العمل"؟
لقد فهمت الساكنة كل شيء. ولم تستطع عشرات الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية فعل أي شيء سوى التمويه والتضامن الفارغ من أي مضمون تحرري في قضية توبع فيها العشرات من أبناء المنطقة بتهم واضحة أرضيتها الطبقية. لقد فهمت الساكنة كل شيء. ولن يمحو التاريخ انتفاضتهم البطولية ولن تمحو ديماغوجية "الإطارات المدنية" حقيقة المجزرة المرتكبة في يونيو 2012، في ذكرى انتفاضة 20 يونيو 1981 وفي أجواء انتفاضة 20 فبراير المجيدة. فعلى هذه الرقعة من حوض اللوكوس، وفي أجواء التضامن، رفعت الجماهير المنكوبة بمحض إرادتها شعار: الشعب يريد إسقاط النظام، شاء من شاء وأبى من أبى.
تنتشر المجموعة الاقتصادية الضخمة "ايبرو فودس" العالمية في العالم بأسره عبر أمريكا وأوربا وآسيا وافريقيا (على مستوى مصر والمغرب)، وهي كارطيل ضخم متعدد الجنسيات مختص في الصناعات الغدائية الفلاحية، لإنتاج وتسويق الأرز والمعكرونة والصلصة، يوجد مقرها في اسبانيا أما رأسمالها التجاري والصناعي فيتنقل عبر 25 بلدا عبر شركات تابعة في عديد البلدان كالدانمارك وبولندا والمجر وتايلاند ورومانيا والهند وفرنسا وتكساس الأمريكية ومصر وبعض بلدان أمريكا الجنوبية، ولها 64 علامة تجارية عبر العالم، ماركات مسجلة تسم العديد من أوجه الاستهلاك الغذائي التي ألفها الإنسان المعاصر والتي لا يستغني عنها. وناهيك عن الإنتاج والتوزيع، تستعمل المجموعة المذكورة حيلا ديماغوجية لإيهام جمهور المستهلكين عبر إعلام الدول المستقبلة بكونها تقوم أساسا عبر نشاطها على البحث والإبداع لتلبية احتياجات الناس الغذائية وتعزيز صحتهم ورفاهيتهم. وعلاقة بالموضوع، فلقد كذبت انتفاضة اللوكوس هذا الإفك والبهتان إذ اتضح مقدار حقد الرأسماليين على الإنسان والأرض، واستعدادهم لاستعمال أبشع الطرق للتنكيل بكل من يقف في وجه الاستثمارات القذرة، قمع الساكنة المتضررة صحيا من نشاط الشركة محليا، أو التهديد بمستقبل العلاقات بين البلد الأصلي والبلد التبعي في حالة عدم اتخاذ المتعين في حق كل من يعرقل "حرية" الاستغلال عبر التلويح باللجوء للتحكيم الدولي. ولقد جاء الجواب في الحين عبر حجم الأسطول القمعي الموظف لهذا الغرض في يونيو 2012، وهذا ما يفسر حجم الترهيب المسلط على جمهور المنتفضين، وهو ما يدحض أيضا أكذوبة المقاولة الحريصة على البيئة المستدمجة في قيمها المعلنة مركزيا في حين لا تنفك معاناة الناس مع الحشرات الفتاكة، ولا مستقبل واضح للأرض المستغلة من طرف الشركة الاستعمارية إن كانت ستصلح لشيء بعد انتهاء العقد طويل الأمد مع المستعمر الجديد.
بهذا الثمن إذن يأكل الإنسان المعاصر الأرز من استغلال بشع لقوى الإنتاج يدر الملايير الصافية سنويا. فلقد سجلت المجموعة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الجارية أرباحا صافية مجموعها يفوق 43 مليون يورو إضافة إلى أرباح تشغيلية لرأس المال التجاري تفوق 300 مليون يورو مع تسجيل أكثر من 2500 مليون يورو كقيمة للدوران الرأسمالي الصافي، كل هذا في تزايد مضطرد كل سنة يناهز في مجمله الربع تقريبا، ومؤخرا تمكنت المجموعة من ابتلاع كلي للشركة الشهيرة SANTIER المختصة في الحبوب والأغذية العضوية البيولوجية، تمكنت بذلك فقط عن طريق أحد أذرعها المقاولاتية بفرنسا.
إن دماء الجماهير الشعبية والطبقة العاملة والفلاحين الفقراء أرخص ثمنا لدى النظام العميل من مكانة مثل هذه المجموعات الاقتصادية الكبرى، إضافة إلى توفير حمايتها وتأمين ممارستها الإجرامية في حق كل ما هو حي مع ما يستتبع ذلك من تكاليف قمعية لمواكبة الإنتاج على 6300 هكتار من ألفه إلى يائه في حالة استمرار العصيان، هذا طبعا أحب للنظام بكثير من تلبية مطالب الساكنة البسيطة. ولقد اختارت حينذاك الجماهير خيار التصعيد رغم أنه كان حمالا لوجهين: المقاومة من جهة، والاستغلال الفج في الحملات الانتخابية للكائنات السياسية المحتضرة من جهة أخرى. لقد التزم النظام في حماية أسياده الامبرياليين عبر مجمل الجرائم السياسية التي تم اقترافها قبل وإبان وبعد الانتفاضة..
مغرب النضال والصمود – 20 يونيو 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓