عرفت الحياة السياسية بالمغرب عدة أساليب للاستقطاب، منها الصريحة والملتوية، ومنها أيضا الحميدة والخبيثة (البيع والشراء والتهديد والترغيب/الإغراء وتزييف
الحقائق والافتراء والطعن من الخلف...). وبدون شك، يسعى كل "المشتغلين" في المجال السياسي (أفراد أو أحزاب) الى الاستقطاب، تحت مسميات مختلفة، وليس بالضرورة إبان الانتخابات سواء الجماعية أو التشريعية. فمنها التواصل والتفاعل والانتشار والتوسع التنظيمي والتقاسم (هنا الأمر يعني تقاسم الأفكار والمعطيات أو المستجدات، وكذلك الغنائم و"الفيء"، اقرأ سورة "الحشر"...)..
والثابت بكل المقاييس النظرية والعملية، أن الاستقطاب بواسطة الأساليب الخبيثة لا يمكن أن يخدم قضية نبيلة/عادلة ولا يشرفها. ويعد ذلك، أي الخبث، مؤشرا على المكر والخداع من أجل مصالح ذاتية ضيقة وتافهة أو مصالح طبقية. وحتى شعاري "الحرب خدعة" و"الغاية تبرر الوسيلة"، لا يصمدان أمام حقيقة كونهما حكاية انتهازية مفرطة تتوخى الغاية ولو تكن مقيتة بغض النظر عن الوسيلة، ولو تكن إجرامية. ومعلوم أن من يعتمد الأساليب الخبيثة والقذرة هو الضعيف أو الجهة الضعيفة والعاجزة عن المجابهة والمقاومة بكل ما يستدعيه الأمر من طول نفس وصمود وإبداع.. وأي جهة مناضلة وأي مناضل، لا يمكن أن يسقط في فخ "خبث الاستقطاب" أو "خبث الصراع". فضمن الرصيد النضالي للمناضل الأخلاق النضالية، وللمناضل شرف التحدي والصمود بعرق الجبين والعض على النواجذ ومواصلة المسير على الشوك والنار الحارقة. والتاكتيك لا يعني بثاثا اللجوء الى الخبث أو المكر أو التنكر للمبادئ، إن التكتيك أسلوب عمل نضالي قائم على آلية التحليل الملموس للواقع الملموس من أجل تحقيق استراتيجية نضالية لفائدة قضية عادلة.. إن المناضل الحقيقي والجهة المناضلة الحقيقية تعتمد صيغ عمل نضالية ومبدئية تفرض من خلالها وجودها وانتزاع مكتسباتها وحقوقها وتحقيق أهدافها القريبة والبعيدة..
ومن بين الأساليب التي اعتمدت للاستقطاب والتدجين، سواء من طرف النظام أو من طرف القوى السياسية الرجعية، نجد الابتزاز بواسطة صور أو فيديوهات في وضعيات مشبوهة (الجنس، المخدرات، الصفقات القذرة...).. ومن بين ما كان يلجأ إليه بعض أطراف "اليسار" توظيف المرأة (الجميلة) لاستمالة "المناضلين" وإلحاقهم بصفوفها.. كما أن القوى الظلامية، بالإضافة الى توظيفها الدين للاستقطاب، تقوم بتشغيل فئات عريضة أو توفر لها بعض "الرساميل" الصغيرة (بيع الخضر والفواكه والمأكولات...)، كما تقوم بتزويج الأتباع لربط بعضهم ببعض، وتراهن على إدماجها في صفوفها..
وما يهمني الآن وباختصار شديد هو أسلوب خطير ومدمر معتمد من طرف حزب الأصالة والمعاصرة (البام)، الحزب الملكي المصنوع على المقاس وفي صيغة "فديك" الستينات.
إنه يقضي بالانتماء أو مواصلة الانتماء لتنظيم معين أو حركة معينة والعمل على الاستقطاب من داخلها و"التسفير" (من السفر) أو التهجير الى "البام"، وهو ما يعني تقوية هذا الأخير وإفراغ أو إضعاف التنظيمات الأم. وفي أسوأ الحالات تسميم أركانها وتفجيرها من الداخل. إنه نفس الأسلوب المعتمد من طرف المخابرات، تجنيد مخبرين سريين داخل مختلف الهيئات السياسية والنقابية والجمعوية لالتقاط المعلومات وضبط ما يجري داخلها ثم تجنيد مخبرين جدد قد يصل مسارهم التنظيمي الى موقع القيادة.
وقد استهدف "البام" بالدرجة الأولى، وباسم اليسار والنضال، بعض الأحزاب السياسية، ومن بينها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (المريض) وحزب الاشتراكي الموحد (غير المتجانس)، وكذلك الحركة الطلابية، وخاصة بعض المواقع الجامعية المزعجة. وطالت يد "البام" القذرة حتى داخل السجن للتأثير على بعض المعتقلين السياسيين واستغلال معاناتهم وآلام عائلاتهم مستخدمة/مجندة بعض المحامين المرتزقة وبعض "الحياحة" المتربصين والمندسين الممولين بدون حساب الذين تجدهم و"زماراتهم" أينما وليت وجهك..
ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تشكيلة ما سمي ب"اللجنة الوطنية للدفاع عن المعتقلين السياسيين بفاس". فبداخلها وفي جوانبها عناصر مشبوهة لا يجمعها غير مصالحها الشخصية (جمع ما لا يجمع)..
عموما، الارتداد والخيانة والغدر، جرائم لازمت كل التنظيمات السياسية والعسكرية.. فالاختراق "البوليسي" وارد دائما، وضمن تجليات قوة أي تنظيم، التصدي للاختراق بكل أصنافه. فالعديد من الرموز المناضلة عبر التاريخ، وخاصة لينين وستالين وماو وغيفارا وهوشيه منه...) لم يسلم من شر الخيانة والغدر.. وببلادنا، لم نسلم من شر هذه الآفة، من ملحمة محمد بن عبد الكريم الخطابي وعبر المقاومة المسلحة وجيش التحرير وتجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية وتجارب مكافحة أخرى (حركة 03 مارس)، الى يومنا هذا...
لنحذر الاختراق البوليسي ولنواجه الخيانة والغدر..
10 سبتمبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓