يسألونك عن "تطرفك" وعن "قسوتك" و"تشددك".. يسألونك بعيون جاحظة وبحقد..
إنه شموخ لا يرى إلا بالعيون الطيبة والصادقة والمخلصة للحقيقة والتاريخ..
أجيبهم: كيف، وفي أوج حملة الانتخابات التشريعية لسنة 1984، لمن سقط شهيد على يمينه (الشهيد بوبكر الدريدي) وشهيد آخر على يساره (الشهيد مصطفى بلهواري)، وقبل ذلك (يوليوز 1984) سقوط الشهيد عبد الحكيم المسكيني، أن يصالح أو ينسى أو يركع؟!
إنه جرح عميق في الجسد وفي الذاكرة، بل وفي القلب..
لا صلح (لا إنصاف ولا مصالحة) ولا نسيان ولا ركوع..
لا للولاء، قالها الشهداء ونرددها معهم وبعدهم.. ومن يكرمهم يتبع خطاهم..
لقد "واجهنا الجوع والعطش والتعتيم وأصناف متعددة من الآلام والإجرام في عزلة تامة. ولم يتم تنقيلنا الى المستشفيات إلا بعد تدهور الحالة الصحية لكل المضربين، حيث انطلق فصل جديد من الاحتراق تميز هو الآخر بالإهمال والتيئيس وافتعال كل ما يمكن أن يؤثر على صمودنا ومعنوياتنا. فمن التقييد بالأصفاد مع الأسرة وإغلاق النوافذ والحرمان من وسائل النظافة الى إجبارنا على القيء فوق الأرض والأسرة عندما عجزنا تماما عن الحركة. وكانت النتيجة المأساوية هي استشهاد المناضل بوبكر الدريدي بالصويرة في 27 غشت 1984 والمناضل مصطفى بلهواري في 28 غشت 1984 بأسفي وهما في أسبوعهما الثامن من الإضراب عن الطعام، ثم سقوط عدد كبير من المضربين في غيبوبة عميقة. وبما أن الظرف السياسي كان استثنائيا حيث الحملة الانتخابية في أوجها (الانتخابات التشريعية لشتنبر 1984) تم العمل على تكسير الإضراب بأي شكل من الأشكال، خاصة بعد توسع التغطية الإعلامية للمعركة بالخارج وصدى الاستشهادات (استشهاد عبد الحكيم المسكيني في يوليوز 1984 بالسجن المدني ببني ملال وكذلك استشهاد الرفيقين بلهواري والدريدي )* وعلى محاصرة كل ما من شأنه التشويش على طقوس الانتخابات. بعد ذلك تم تنقيل الحالات الخطيرة في صفوف المضربين من الصويرة وآسفي الى مستشفى بن زهر بمراكش مع استقدام أطباء ذوي كفاءات عالية من الدار البيضاء والرباط للإشراف على الوضعية الخطيرة التي بات يتردى فيها المضربون" (مقتطف من كتاب "مجموعة مراكش.. تجربة اعتقال قاسية"، 2012).
كيف تنسى؟! وكيف تقبل تبرئة الجلاد وتجريم الضحية (المناضل)؟!
كيف تنخرط في أهازيج التضليل وتتناسى الحقيقة المرة: الفقر والجوع والقمع والأعداد الهائلة من أبناء الشعب في غياهيب السجون..
إن الانتخابات التشريعية بالمغرب عنوان للموت..
إنها الإجرام، والإجرام الانتخابات التشريعية..
إنه الأمس كما اليوم..
لنسأل ضحايا القمع السياسي..
لنسأل الأمهات عن أبنائها..
لنسأل الضحية عن جلادها..
لنسأل الجميع عن الحقيقة.. حقيقة بنبركة وزروال وبوملي، حقيقة العديد من المختطفين ومجهولي المصير..
لسنا "الاتحاد الاشتراكي" الذي خان بنبركة والشهداء.. لسنا اليوسفي الذي ركع وقدم الولاء والطاعة.. لسنا من به "خلل".. من ولعلو والراضي وبوزبع وباقي "رفاق" الغدر..
لسنا "الاستقلال" الذي باع استقلال البلد وخان المقاومة وجيش التحرير..
لسنا "الاستقلال" الذي ساوم بدم قتيله عبد العزيز بن ادريس..
لسنا شباط أو آذار أو نيسان.. شهور تأتي وتغيب، كرموزنا الجبناء "تظهر وتختفي". تظهر في "السراء" وتختفي في "الضراء"..
لسنا "الأصالة" ولسنا "المعاصرة".. لسنا "العدالة" ولسنا "التنمية".. لسنا الكذب ولسنا النفاق..
ماذا جنت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي منذ 1984، غير "فوز" بن سعيد الذي رقص على دم الشهداء المسكيني والدريدي وبلهواري صيف 1984؟! ماذا جنى الاتحاد الاشتراكي منذ 1977؟! وماذا جنى التقدم والاشتراكية الملكي أكثر من الملك؟!
لقد ربحوا أوسمة الذل والعار والاحتقار، من على رأس ومن داخل حكومات شكلية لا تملك القرار..
وماذا سيجني، بعد كل هذه الدروس والتجارب، الاشتراكي الموحد والطليعة الديمقراطي الاشتراكي والمؤتمر الوطني الاتحادي؟!
إنهم "أهل الكهف" المستنسخين..
لقد استفاق "المساكين" متأخرون..
يسوقون الوهم في ظل دستور ممنوح ويعيدون عقارب التاريخ الى الصفر..
أن يشتكي التقدم والاشتراكية المطيع باسم "رفاقه" في "العدالة والتنمية" من "التحكم"، ماذا تنتظر فدرالية "اليسار" الحالمة؟!
إن التاريخ سيحاكمكم أيها الحالمون..
فساد شامل وديمقراطية شكلية (واجهة للاستهلاك) وتردي اقتصادي واجتماعي عام وسجون ممتلئة بالمعتقلين السياسيين، ويأتيك باسم "اليسار" من يدعي "النبوءة"..
لسنا في حاجة الى نبوءتكم/خيانتكم أنى تكونوا..
لنا شرف مقاطعة لعبتكم/مهزلتكم..
نحن في حاجة الى نبوءة/حقيقة شعبنا..
سينتصر شعبنا على شعوذتكم ودجلكم ونصبكم..
وأخيرا وليس آخرا، كيف، وفي أوج حملة الانتخابات التشريعية لسنة 1984، لمن سقط شهيد على يمينه (الشهيد بوبكر الدريدي) وشهيد آخر على يساره (الشهيد مصطفى بلهواري)، وقبل ذلك سقوط الشهيد عبد الحكيم المسكيني، أن يصالح أو ينسى؟!
إنه جرح عميق في الجسد وفي الذاكرة، بل وفي القلب..
* نقرأ بالكثير من الشفقة في بعض المواقع الالكترونية أن الشهيدين الدريدي وبلهواري قد خاضا عدة إضرابات عن الطعام.. والحقيقة التي تجهلها هذه المواقع هي أن الشهيدين قد خاضا إضرابا واحدا عن الطعام واستشهدا إبانه.. الحقيقة حقيقة ولو تكن مرة..
شارك هذا الموضوع على: ↓