دأبت الأحزاب والقوى السياسية ببلادنا على البهرجة والحركة غير المعتادة والكلام الصاخب والمزايدات في المواقف وتأويل إحصائيات نسبة المشاركين على هواها
وتقديم الوعود الوهمية كلما حل موعد من مواعيد الانتخابات (انتخابات الغرف٬ انتخابات الجماعات المحلية والجهوية٬ انتخابات اللجن الثنائية، الانتخابات التشريعية...)، و سرعان ما تنزوي وتنكفئ على ذاتها وتبتلع ألسنتها المدوية بالأمس القريب مع نهاية كل حملة من الحملات الدعائية والتشهيرية لبعضها البعض... فإذا كان النظام القائم بالمغرب هو الساهر على تأطير وتسيير وتدبير هذه الانتخابات من أجل تجديد مؤسساته السياسية ليضفي عليها نوعا من المصداقية والمشروعية و يلمع وجهه السياسي بديمقراطية وهمية لضمان الاستمرارية والحفاظ على مصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أي الحفاظ على موقعه الطبقي المسيطر، فإن بعض القوى والأحزاب المشاركة أو المقاطعة للعبة السياسية تجعل من فترة الحملة الانتخابية المسموح بها والمرخص لها قانونيا فرصة في غاية الأهمية، وكأن التاريخ ثابت لا يتحرك خارجها، للظهور وإبراز الذات ، بل تجعل منها معركة مصيرية وكأن المعارك اليومية للشعب المغربي أقلها أهمية أو لا تعنيها بنفس الحدة.. وذلك من أجل تحقيق بعض المكاسب الهامشية والتافهة. وإذا كانت الأحزاب المصطنعة أو ما يصطلح عليها بالأحزاب الإدارية لها وظيفة أولوية هي تسويق هذه اللعبة بالذات، لحاجة في نفس النظام، فإن أحزاب "اليسار" المشاركة والمقاطعة هي الأخرى أصبحت تجعل من هذه المحطة معركة مصيرية، رغم أن في تجربة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ما يعفي من شرح ودحض البديهيات. إن حزب العدالة والتنمية وخصيصا ذراعه الدعوي، جماعة الإصلاح والتوحيد، هو أحد عرّابي مسخرة 7 أكتوبر لسنة 2016 والذي لازال يتوهم أو على الأصح يحاول إيهام الرأي العام أن نزاهة صناديق الاقتراع هي من منحته شرذمة الكراسي البرلمانية التي يتوفر عليها اليوم. إنه يتناسى، عن قصد وعمد، أنه حل بقبة السلطة التنفيذية على حساب وضد ا على حناجر وعذابات واستشهادات مجموعة من مناضلي انتفاضة 20 فبراير 2011. لقد ازداد واشتد تشبثه أكثر فأكثر بالقبة اللعينة لمواصلة تحصيل الفتات و من أجل المصالح الضيقة التي تخدم مرجعيته من خلال شبكة التوظيف والعلاقات التي نسجها عند احتلاله مجموعة من المراكز المهمة في إدارة شؤون البلاد. إن حزب العدالة والتنمية يدعي الصدق والنزاهة المفرطين، بل هاجم وبشكل شرس أعضاء وازنين في أحزاب سياسية بالفساد٬ وهلمجرا من النعوتات اللاأخلاقية ضدهم وصنفهم في خانة الأعداء٬ على شاكلة العداء الذي يكنه اليوم خاصة لحزب الأصالة والمعاصرة. وفي الأخير، تبخر العداء الوهمي ووضع يده في أيادي فاسدة أخرى واشتغل مع أحزاب سياسية لا مصداقية لها. فما المانع بعد مهزلة 7 أكتوبر 2016 أن يعانق البيجدي أي حزب يملى عليه القرار المناسب ولو يكن هذا الحزب غارقا في الفساد؟ المهم تشكيل الحكومة لتكتمل الصورة البهلوانية للمسرح السياسي ببلادنا. فما فتئ حزب بنكيران يتحفنا "بلا حول ولا قوة له" أمام جبروت النظام كاستعطاف لطاقاته وأتباعه والمتعاطفين معه، وباستعداده "للتضحية" بكل "رصيده" وحتى بإخوانه من أجل كراسي البرلمان. والغريب (استغراب استنكاري) في الأمر، أنه رغم الانتهازية والانبطاحية التي وصل إليها هذا الحزب لم يتلق النقد المطلوب ولم يتعرض للهجوم المفترض من طرف بعض خصومه/أصدقائه السياسيين الذين دعوا إلى مقاطعة الانتخابات. فمثلا جماعة العدل والإحسان في بلاغها الصادر عن الأمانة العامة للدائرة السياسية في 18 شتنبر2016 تحاشت أن تنتقد بشكل عنيف كما هو الحال مع أحزاب أخرى حليفها التاريخي واكتفت بالتركيز أكثر على إشكالية فصل السلط، اللهم بعض اللمحات الهجينة من خلال المقطع الذي ورد في البلاغ تحت عنوان: ''رفعا للشرعية عن الفساد والاستبداد ورفضا لتزكية مؤسسات شكلية..''.
''وإذا جاز لأي جهة أن تتحدث عن مكتسبات، فإن النظام أولى بذلك، إذ هو الذي تمكن من خلال إدماج تيارات سياسية وحزبية وحتى ثقافية ودينية كانت لها صولة ومكانة في القلوب فسقطت في أعين الناس ولم يعد يلتفت إليها أحد''. إن عدم توجيه السهام والطعن بالشكل المطلوب لحزب العدالة والتنمية من طرف العدل والإحسان وعدم نزولها المكثف والقوي للشارع من أجل فضحه، وهذا ما لم يستطع فهمه حزب النهج الديمقراطي، بل يتحسر ويلقي باللوم والقذف على ''المتياسرين''، حيث يتساءل أحد قيادييه عن الاكتفاء بإصدار بيانات المقاطعة... فليعلم زعماء حزب النهج الديمقراطي أن للظلامية وجه واحد مهما تعددت منابره. فقواعد العدل والإحسان ستصوت على حزب العدالة والتنمية في الخفاء، ودروس 20 فبراير ليست بعيدة منا. أما ''المتياسرين'' فلم ولن يخلفوا المواعيد. فالمناضل الحقيقي لن يفوت الفرصة، بل سيسعى جاهدا الى إطلاق شرارتها قبل اليوم المسموح به قانونيا وعلى استمراريتها خارج المدة الزمنية المحددة لها من أجل فضح اللعبة السياسية جملة و تفصيلا. والحملة من أجل المقاطعة في إطار الحملة الانتخابية هو انضباط لما يسطره النظام.
إن الشعب المغربي يئس من هذه اللعبة السياسية بأكملها ومن محترفيها. إن المعارك المصيرية متعددة، وقد حان وقت قلب الطاولة على هذه الأحزاب وعلى لعبتهم. إن اللعبة مرفوضة من أساسها، وإن القوى السياسية التي تدور في فلك النظام والمتحمسة زيادة عن اللزوم هي من يرمم ويساهم في حماية بنيانه المتلاشي. إنها ضد مصلحة الشعب، وقد وجب على كل مناضل أن يفضحها وأن لا ينجر وراء الأطماع الوهمية التي تسوقها
5 أكتوبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓