الأقسام ضاقت بمرتاديها وأصبحت غالبية المدارس تشبه أوضاعها أوضاع المعتقلات..
مع الدخول المدرسي الحالي انكشفت المزيد من ملامح المخطط الطبقي لتصفية ما تبقى من مكتسبات للشعب المغربي في قطاع التعليم. فتحت مسمى الرؤية الإستراتيجية يتم شن حملة شرسة من أجل تسريع تنفيذ الجريمة وفي واضحة النهار بتواطؤ مكشوف للقيادات المافيوزية للمركزيات النقابية، خاصة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل.
فبعد موجة "الفرار" الجماعي (القسري) لرجال التعليم من مقصلة "قانون التقاعد" الذي تم تمريره ونشره أواخر شهر غشت بالجريدة الرسمية، عبر القفز من بوابة التقاعد النسبي، حيث عرفت هذه السنة تسجيل أرقام قياسية، حوالي 6700 محال على التقاعد النسبي، تنضاف إلى حوالي 9472 مدرس بلغوا السن القانونية للإحالة على التقاعد الكامل. وهو ما يجعل أرقام الخصاص تقفز في موسم دراسي واحد بحوالي 16172 منصب دون احتساب تراكم السنوات الماضية. ومع تقليص عدد المناصب المحدثة ينكشف مراد مهندسي سياسات النظام: فلتغرق السفينة ومن يرغب في طوق النجاة فليدفع الثمن أو ليغرق مع السفينة. أما الأغنياء فلهم يخوتهم الفاخرة التي تتكلف بحمل أبنائهم إلى بر المدارس العليا بسلام. وأما أبناء الفقراء فقدرهم في ظل هذا التعليم الطبقي هو المقاومة أو الالتحاق بجيوش اليد العاملة شبه المتعلمة التي يعدها النظام خدمة لاستثمارات أسياده الإمبرياليين. إن النظام عبر تبنيه لما سمي رؤية إستراتيجية يكون قد وضع التعليم رهن إشارة المستثمرين سواء من خلال تشجيع الاستثمار المباشر في القطاع من خلال توفير امتيازات ضريبية وتفويت مؤسسات عمومية بمجموعة من المدن تحت مسميات مختلفة بطنجة والدار البيضاء وسلا وخريبكة، من أجل تفوق القطاع الخاص من داخل القطاع عبر حشد كل الدعم والدعاية والرعاية أو من خلال إشراك بعض الشركات في هندسة تخصصات مهنية يستفيدون من مخرجاتها فيما بعد عبر بوابة التخصصات المهنية (صناعة السيارات، صناعة الطائرات...)، نموذج معمل "رونو" والشركة المتعاقدة مع" بوينغ" بمدينة طنجة...
وقد خرجت أبواق النظام من أجل التبشير بالمفهوم الجديد للجودة أي جودة الفرصة الممنوحة للقطاع الخاص والضوء الأخضر الذي أعطي لتمدده لتدبير مجالات أخرى بعد النظافة والحراسة كسد الخصاص في مجموعة من المديريات. ومنذ نهاية الموسم الماضي خرج البرجاوي، الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، مخيرا الأساتذة وعبرهم آباء التلاميذ بقبول الاكتظاظ كأمر واقع أو طرد نصف المتمدرسين، وهو الأمر الذي تم الشروع في تنزيله بشكل فعلي في سياق تعميق جراح المدرسة العمومية وتدميرها. فالأقسام ضاقت بمرتاديها وأصبحت غالبية المدارس تشبه أوضاعها أوضاع المعتقلات. أما النيابات/المديريات، فشرعت منذ بداية الموسم الدراسي في تطبيق وصفة عجيبة لمعالجة مشكل الخصاص: تكديس ما يمكن تكديسه، بل حتى ما يستحيل تكديسه، داخل حجرات المدارس/المعتقلات. فقد تم تفريخ المزيد من الأقسام المشتركة والمتعددة المستويات، خاصة بالوسط القروي حيث يتم اعتماد مبدأ جديد: إسناد فرعية الى أستاذ وحيد مطالب بتدريس كل أو جل مستويات التعليم الابتدائي. وتحت مسمى تقليص البنية، يتم ارتكاب جريمة بشعة في حق المتعلمين، بحيث يتم ضم الأقسام من أجل "التفييض" القسري للأساتذة، ثم نقلهم داخل الجماعة في مرحلة أولى، ثم خارجها في مرحلة ثانية. مما يجعل المؤسسات التي تعرف خصاصا مهولا تعرف فائضا شكليا، يسمح بالمرور إلى المرحلة التالية من الخطة التي تباشر تنفيذها المديريات، حيث يتم تكليف الأساتذة في مواد غير موادهم الأصلية. وفي حالة عدم القدرة على تدبير العجز، يتم العمل على تقليص ساعات التدريس ببعض المواد (تقليص ساعات الفرنسية من أربع ساعات بالإعدادي الى ثلاث ساعات، والاجتماعيات الى ساعتين بدل ثلاث ساعات بمجموعة من المؤسسات التعليمية العمومية). أما التفويج في المواد العلمية فقد صار منذ سنوات في حكم الملغى.. وكنتيجة لهذه الفوضى "الخلاقة" (المطلوبة)، يفر من استطاع سبيلا إلى القطاع الخاص. أما البقية، فيتم تكديسها في أقسام يبلغ معدل التلاميذ بها ما بين 50 و60 تلميذا في التعليم الثانوي التأهيلي والإعدادي. أما التعليم الابتدائي، فالعدد يتجاوز الستين تلميذا، بل في بعض الحالات، يبلغ السبعين تلميذا. ولتنزيل الستار عن الشعارات الزائفة التي ظل النظام يروج لها بالموازاة مع شروعه في تفكيك أوصال القطاع العام، فإن عنوان مرحلة التدابير ذات الأولوية هو دعم القطاع الخاص وتفويت المزيد من المدارس لمافيا "المعرفة" التي تتاجر في المعرفة الحقيقية. فحالة الفوضى التي تعيشها المدارس العمومية والدعاية التي يتم بثها بشكل ممنهج تفضي إلى تهجير جماعي لعشرات الآلاف من التلاميذ نحو القطاع الخاص الذي استحوذ بشكل شبه كلي على التعليم الأولي. ويتمدد بشكل مطرد في التعليم الابتدائي واضعا نصب عينيه التعليم الثانوي التأهيلي والإعدادي… أما الآباء الذين تمثلهم/تغيبهم جمعيات سماسرة مفبركة على المقاس، فلا يهمها إلا تحصيل مبالغ انخراط التلاميذ بداية كل موسم دراسي ثم التواري عن الأنظار، وليذهب التلميذ والأستاذ والتعليم عموما إلى الجحيم، حيث يسجل كل موسم دراسي فصل وانقطاع أزيد من 400 ألف تلميذ عن الدراسة.
إنها الرؤية الإستراتيجية، أي بلغة النظام، كل الإجراءات الكفيلة بدفع الآباء للأداء مقابل تعليم أبنائهم. فالنظام "يشرعن" تواجد القطاع الخاص ويقدمه على أنه البديل المقدر للمدرسة العمومية التي تتهاوى تحت وقع الضربات المتتالية، حيث تبلغ مصاريف التأمين للطفل الواحد ما بين 1000 و2500 درهم، تنضاف إلى الواجب الشهري من 1600 إلى 3000 درهم حسب نوعية المؤسسة..
كل هذا في دولة تزعم أنها تشتغل على ورش التعليم منذ أزيد من نصف قرن.. فضائح بكل المقاييس.. فأيننا من شعارات "النهوض بالمنظومة وإصلاحها"، في زمن المهزلة (07 أكتوبر) وبعدها؟
إنها تحديات فاصلة..
5 أكتوبر 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓