2017/08/18

حسن أحراث// ذكرى الشهيد شبادة: محطة نضالية أخرى لتجديد العهد

من حق الشهداء أن يثوروا في وجهنا، نحن "معشر" المناضلين، بل من حقهم صفعنا الصفعة تلو الأخرى حتى نستفيق من سباتنا العميق. إنهم الضمير المناضل اليقظ دوما وأبدا، وبوصلتنا في ظل هذا التيه وهذه الظلمات. 

يدرك الشهداء حق الإدراك نضاليتنا وصدقنا النضالي ولا يخفى عنهم الانتهازيون والممولون للتشويش على الفعل النضالي الجاد والمسؤول. يتفقون بقليل أو كثير من التفاوت مع مواقفنا وشعاراتنا المعادية للنظام القائم. لكنهم، بكل تأكيد، لا يرضون تبعثر صفوفنا وغرقنا في الهامش وفي الماضي، وأحيانا سقوطنا المدوي في المتاهات القاتلة.
إن الشهداء لا يسعدهم تمجيد الماضي وترديد الشعارات وإعلان المواقف فقط، رغم ثوريتها وراهنيتها. ولا تفرحهم "نجومية" أو "بلاغة" هذا "المناضل" أو ذاك، ولا يشد انتباههم صور الماضي الجميلة. إن ما يثلج صدر الشهداء هو تجسيد تلك المواقف والشعارات على أرض الواقع، وبالتالي تقدم المناضلين في الميدان متحدين ومتراصين في جبهة مناضلة واحدة وفي خندق واحد. فليس بالضرورة أن يكون المناضلون نسخة طبق الأصل لبعضهم البعض، فمجال تفاوت التقديرات قائم وكذلك مجال الاجتهاد والإبداع بما يخدم قضية شعبنا الواحدة. وكل نزوع نحو الانتظارية أو الحلقية أو التربص بالمناضلين، لا يمكن إلا أن يكون منبوذا ومرفوضا، ولا يمت للشهداء بصلة. لا أتحدث هنا عمن يشوه الحقيقة أو يمس بالإرث والرصيد النضاليين للشهداء وللمناضلين وللتجارب النضالية وفي مقدمتها التجربة الرائدة للحركة الماركسية اللينينية المغربية. فمن يقوم بذلك أو يسعى اليه بوعي أو بدونه، فإنما يسيء الى نفسه أولا، ثم يضع نفسه خارج دائرة اهتمام المناضلين ثانيا.
إن احترام المناضلين، كافة المناضلين وبدون تمييز في الرتب و"النياشين"، والتفاعل معهم والشد على أيديهم، ضرورة نضالية لرص الصفوف وتمتينها على أرضية صلبة، وفك شباك العزلة عن الفعل النضالي المستهدف الأول من طرف النظام والقوى السياسية الرجعية و"الإصلاحية" وأزلام لا هم في العير ولا في النفير. وذلك هو فعلا الوفاء الحقيقي للشهداء ولقضية الشهداء.
إننا في ذكرى الشهيد عبد الحق شبادة وفي كل ذكرى، نستحضر مسؤوليتنا تجاه كافة شهداء شعبنا وقضية شعبنا، بعيدا عن أي مزايدة أو نرجسية سياسيتين. فيسعدنا ما يسعد الشهداء، ويثلج صدرنا ما يثلج صدر الشهداء. ومن الطبيعي أن نسعى الى تحقيق آمالهم وأحلامهم في الوحدة النضالية وفي رص صفوف المناضلين الحقيقيين وفي إنجاز الثورة المغربية.
وللتوضيح أكثر، فالحديث عن الوحدة النضالية لا يعني البحث عن الأتباع لأحد أو لجهة ما أو عن تقوية ذات أحد أو جهة ما، ولا يعني الفشل في مسار ما أو مشروع ما أو البحث عن التحالف مع "الشيطان". إن الحديث عن الوحدة النضالية كان قائما لدى المناضلين الثوريين دائما ومحكوما بمبادئ الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي، وازدادت حدته مع التطورات التي تعرفها بلادنا، خاصة بعد انتفاضة 20 فبراير وفي أجواء انتفاضة الريف المستمرة وما تلا ذلك من اغتيالات واعتقالات وخلط للأوراق وتشويش على المناضلين وقضاياهم المصيرية. وكل من يدعي قدرته على إنجاز الثورة المغربية، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، تحت قيادته لوحده، فهو واهم، بل مريض إذا كان "صادقا". وكل من يناضل بعيدا عن الطبقة العاملة وبعيدا عن هم بناء حزبها الثوري، فهو خارج دائرة الماركسية اللينينية ولو يدعي ذلك، إنه ليس غير مهووس بالترف الفكري البورجوازي الصغير. إن الماركسية اللينينية نظرية خلاقة وممارسة مبدعة في متلازمة سديدة "لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية"..
إن النظام القائم يقوي صفوفه ويمتن علاقاته السياسية والاقتصادية والعسكرية بالداخل والخارج في علاقة ذلك بالامبريالية والصهيونية والرجعية. وكل من يقسم صفوف المناضلين بالمكر والخداع والافتراء يخدم مصلحة النظام شاء أم أبى.. وكل من يحتمي بالتضليل والتغليط للحفاظ على مصالحه الضيقة وامتيازاته اللحظية ستنكشف حقيقته آجلا أو عاجلا..
ومن باب المسؤولية النضالية، فأي مناضل أو إطار سياسي مناضل لا يمكن أن لا ينشغل بمسألة التحالفات السياسية. فما أحوج الفعل النضالي المنظم الى تحالفات سياسية مناضلة تصونه وتطوره وتفتح أمامه آفاق التأثير الفعال في موازين القوى السياسية بالبلاد. وكيساريين حقيقيين تهمهم المصلحة الطبقية للطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين الفلاحين الفقراء، ومن منطلق واقع بلادنا، فما أحوجنا الى تحالفات مناضلة مبنية على الوضوح والمبدئية وليس على الحربائية باسم التكتيك والواقعية. 
فكيف يمكن التفكير في التحالف مع فيدرالية اليسار الديمقراطي؟ فبسقفها المتجاوز سياسيا وتاريخيا، أي الملكية البرلمانية، ومشاركتها في الانتخابات بشروط النظام وفي ظل دستور ممنوح، تضع نفسها خارج سياق التحالف المناضل المنشود. ورفضها التحالف مع حزب النهج الديمقراطي القريب منها أكثر من غيره من القوى السياسية يفضح أي رهان على مسارها السياسي الانبطاحي. وكيف بالنسبة لحزب النهج الديمقراطي الذي يضع يده في يد القوى الظلامية المتورطة في اغتيال رفاقنا/شهدائنا (تنسيقا أو تحالفا أو دعما/تأييدا...)، المتورطة الى جانب النظام القائم في سفك دماء رفاقنا/شهدائنا، أن يكون ضمن أجندة تحالفنا المناضل المنشود؟
أما كون هذه الأحزاب والتشكيلات السياسية خاضعة لقانون الأحزاب الذي يشترط الولاء للملكية والاعتراف بها، فوحده كاف لرفض التحالف معها. وطبعا، هناك معطيات وحيثيات عديدة أخرى في الميدان، نأخذها بعين الاعتبار، وعلى رأسها تجريم المناضلين والاستعداد الدائم للمساومة على حساب المواقف والمبادئ والخلاصات المسطرة ديمقراطيا، وكذلك إجهاض العديد من المعارك النضالية للعمال والتعتيم على أخرى، وتزكية ومهادنة القيادات النقابية البيروقراطية، وهو ما عشناه في مناسبات كثيرة، خاصة في صفوف النقابات (الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل) والجمعيات (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف...).
وهناك بدون شك تيارات سياسية محسوبة على اليسار، منها من اختار طريق التشكيلتين السياسيتين المذكورتين، وهنا لا مجال أيضا للحديث عن التحالف معها. وبالنسبة لباقي التيارات السياسية، ونقصد التيارات المناضلة وليس أي تيارات أخرى، فباب الحوار والنقاش والتداول مفتوح، شريطة التزام الوضوح والمبدئية في التعاطي مع مسألة التحالف السياسي الذي يجب بالضرورة أن يخدم قضية شعبنا.. قد نلتقي في الميدان وفي النقابات والجمعيات، لكن إقامة تحالفات سياسية الآن مع القوى المذكورة غير واردة بالمرة. 
إن ذكرى استشهاد المناضل عبد الحق شبادة محطة أخرى لتجديد العهد ومواصلة الوفاء للشهداء والمعتقلين السياسيين ولقضية الشعب المغربي. وإنها أيضا محطة لتقديم الجديد الذي يرقى بنا الى التصدي الفعلي لمخططات النظام الطبقية. أيننا مثلا من انتفاضة الريف ومتطلباتها السياسية والتنظيمية؟ 
إن أجمل هدية يمكن تقديمها للشهيد عبد الحق وباقي الشهداء هي وضع يد المناضل الصادق في يد رفيقه المناضل الصادق، أفرادا وجماعات/تنظيمات...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق