2017/08/31

حسن أحراث// قراءة التاريخ جزء من مسؤولية المناضل

للنظرية الثورية دور حاسم في المسار السياسي للمناضل الثوري. فكما نردد دائما، "لا ممارسة ثورية بدون نظرية ثورية" (لينين).

 إلا أن تملك هذه النظرية لا يعفي المناضل الثوري، ليكون ممسكا بقضايا شعبه وسياقاتها، من قراءة التاريخ وتمحيصه واستنباط الدروس منه. فلا يكفي أن نقول أو ندعي أننا ماركسيون لينينيون، أي أن نكون ماركسيين لينينيين قولا. فلن يأتي يوما ماركس أو لينين أو غيرهما من القادة التاريخيين ليقودوا أو ينجزوا ثورة شعبنا. إن النظرية العلمية بوصلة المناضل الثوري لفهم الواقع وتحليله (التحليل الملموس للواقع الملموس) وبالتالي استلهام المهام النضالية لكل مرحلة من مراحل خلاص شعبه. وأي تنظيم ثوري لا يشتغل على التاريخ أو لا يوليه ما يستحق من اهتمام ضمن اهتماماته وانشغالاته، قد يعيد أخطاء الماضي ببشاعة، وقد يرتكب الأخطاء القاتلة التي من شأنها تدمير مشروعه السياسي..
ومناسبة هذه المقدمة العامة، إبراز خطورة بعض ما جاء على لسان عبد السلام الجبلي في إطار حلقات "المجالسة" بعنوان "نبش في الذاكرة" التي تنشرها جريدة المساء، العدد 3375، ليوم الاثنين 28 غشت 2017 (الصفحة 21، واحة الصيف، الحلقة رقم 60).
ففي سياق إجابة عبد السلام الجبلي (أحد رفاق الفقيه البصري...) عن أحد أسئلة الصحافي عزيز العطاتري، وردت الفقرة التالية: 
"وكان أن طرحت حكومة عبد الله ابراهيم مسألة الانتخابات، ونحن في خضم نقاشات ساخنة، واعتبرتها مهمة من المهام الأساس، لأن المغرب وصل الى وضعية متأزمة، واستفحلت هذه الوضعية مع حركة عدي أو بيهي، في منطقة تافيلالت: وهي حركة برزت، في الأول، مناوئة لحزب الاستقلال".
وعندما علق الصحافي: "من كان يحركها؟"
كان جواب عبد السلام الجبلي:
"بمباركة من ولي العهد مولاي الحسن. ولما شكلت حركة عدي أو بيهي اتجاها خطيرا على استقرار النظام نفسه، اضطروا لتوقيفها، وألقي القبض على عدي أو بيهي، عامل تافيلالت، وحكم بالإعدام في 31 يناير 1959. فيما تم تهريب اليوسي، الذي كانت له علاقة مع ولي العهد، إذ جعله في الواجهة، لكي لا ينكشف تورط النظام المغربي، في تكوين هذه الحركة وتدبيرها"؛ مضيفا بعد السؤال: "ما كان الغرض من ذلك؟"، "كان الغرض من خلق هذه التطورات هو إنشاء أحزاب موالية للنظام تدعمه وتشد أزره؛ لأن الأحزاب السياسية، إذاك، لم يكن النظام الملكي يأمن جانبها: كان توجسه منها يجعله ينظر اليها على أنها متأهبة، دوما، للقيام بعمل ناسف ضده. كان بعض القادة قد دخلوا في عملية تنظيم أحزاب موالية للنظام". ويقصد بهؤلاء القادة بعد أن سئل عن ذلك، "الدكتور الخطيب، والمحجوبي أحرضان". 
إن ما يستشف بالواضح من أجوبة عبد السلام الجبلي، أكان يعي ذلك أم لا، هو فضح مؤامرات النظام الخسيسة. فليس غريبا تفريخ "الحركات" وتفجير الأوضاع هنا أو هناك، من أجل إعادة ترتيبها وفق ما يخدم مصالحه الآنية والمستقبلية، ولقطع الطريق على أي محاولة جادة و"متأهبة للقيام بعمل ناسف ضده". إن النظام القائم صار بحكم تجربته وإمكانياته وآليات اشتغاله أكثر استباقا لإجهاض معارك الجماهير الشعبية المضطهدة ووأد أي تطلع لفعل ثوري منظم، ولو يؤدي ذلك الى "التضحية" بزبانيته وحرق أوراقها. لقد دمر الأحزاب السياسية والنقابات ويعمل بمكر على تشويه صورة ورمزية المناضل الميداني وعلى ضرب مصداقيته، ليرسخ في ذهن أبناء شعبنا أن الكلمة الأولى والأخيرة هي كلمة النظام (المنقذ الأول والأخير)!!
وإن يدل هذا على شيء، فإنما يدل على جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق المناضل الثوري. فلا وقت ولا مجال أمام هذا الأخير للتراخي أو السقوط في التفاهات في ظل هذه التحديات والرهانات.
وقد أضاف عبد السلام الجبلي في حديثه عن "الانقسام والتطاحن" (بين جيش التحرير وحزب الاستقلال):
"تمكنا من جهتنا، من تشكيل لجنة للتهدئة، واتصلنا بأصدقائنا، في جيش التحرير، في الشمال، وطلبنا منهم أن ينزلوا من مواقعهم المحصنة بالجبال، ويسلموا أسلحتهم، فاستغل ولي العهد هذه الفرصة: فرصة الوساطة، التي بادرنا الى القيام بها مع أهل الريف. فما أن قبلوا الهدنة المقترحة حتى انتقل بطائرة مروحية الى المنطقة الشمالية صحبة أوفقير، مدججا بأسلحة فتاكة استعملها ضد السكان هناك، فسقط على إثرها، ضحايا كثيرون من جراء القصف المتواصل".
يكفي هنا أن أسجل بمرارة: إنها جرائم إبادة لا تغتفر. والأمر يعني المناضل الثوري في سياق اشتغاله على ذاكرة شعبنا واستنباط الدروس منها. 
واعتبر عبد السلام الجبلي ذلك إجهاضا "لتصرف رئيس الحكومة عبد الله ابراهيم، الذي كان قد أصدر نداء لسكان الريف يحثهم، من خلاله، على النزول من الجبال، ووضع السلاح جانبا تحت تصرف الدولة. كذلك استجاب ثوار الشمال للنداء الحكومي، وكذلك أجهضه ولي العهد، في مهده".
مرة أخرى، مسؤولية النظام ثابتة، وكذلك مسؤولية العديد من الرموز السياسية المسكوت عن جرائمها وتواطئها، مسؤولية عبد الله ابراهيم (صاحب نداء الاستسلام من موقعه كرئيس للحكومة حينذاك) وكذلك الأسماء المكونة "للجنة التهدئة" ومن ضمنها طبعا عبد السلام الجبلي، وكذلك من يقف وراءها.
وخلاصة القول (المختصر المفيد أو مجال "تنافس"/تكامل المناضلين)، ومن مجالات الفعل النضالي المضنية بالنسبة للمناضل الثوري، ضرورة قراءة تاريخنا القراءة الصحيحة والعميقة، بما في ذلك محطة "إيكس-لي-بان" (AIX-LES-BAINS) المشؤومة، وما قبلها وما بعدها..
إضافة رقم 1: أشار عبد السلام الجبلي الى وحشية أوفقير قائلا: "كان يضع القنابل في قب جلباب كل مستسلم منهم، ثم يدفعه بعيدا كي ينفجر، وسط قهقهاته الشامتة". 
إضافة رقم 2: تسلم عبد السلام الجبلي عقارا شاسعا بقلب مدينة مراكش من طرف أحد المجالس الجماعية السابقة للمدينة (عقار مسيج ولم يستثمر حتى الآن). يوجد بمحاذاة السور العتيق للمدينة، من "البويبة" قرب الولاية الى ملعب باب دكالة قرب المحطة الطرقية (بجانب فضاء كان معروفا لدى المراكشيين بتيران أي ملعب الخائنين). ومعلوم أن ذلك الفضاء قد شهد إحراق جثامين العديد ممن نعتوا ب"الخونة" وتمت تصفيتهم بدون محاكمة في منتصف الخمسينات من القرن الماضي. ومعلوم أيضا أن الفرق التي تكلفت بتصفية الأسماء الواردة في لوائح "الخونة" قد تسلمت (أو بعضها) مبالغ مالية خيالية من لدن بعض المعنيين وعائلاتهم من أجل عدم تنفيذ التصفية الجسدية في حقهم. وهناك من اغتنى باسم المقاومة من خلال هذه الجرائم المسكوت عنها حتى الآن.

  28 غشت 2017



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق