لولا نقط الضوء التي تصنعها الشعوب المضطهدة بدمها وكل أشكال مقاومتها، لبدا العالم بتلك الصورة النمطية الواطئة التي تحلم بها الامبريالية والرجعية والصهيونية.
فرغم الهمجية السائدة في جل مناطق العالم والقائمة على تفعيل كل أصناف الإجرام والوحشية والتوظيف الدقيق للتكنولوجيا "الحربية"ولأساليب الدمار العسكرية ما فتئت الشعوب المضطهدة، وفي طليعتها العمال تقاوم وتصنع الملاحم تطلعا الى تحررها وانعتاقها، وهو ما يتجسد في المقولة الشهيرة "إرادة الشعوب لا تقهر". ولأنه لا حل لأزمة الرأسمالية ولتناقضاتها إلا بإقبارها، فالامبريالية لا تتردد كعادتها في تقديم حلفائها قرابينا من أجل التجاوز المرحلي والمؤقت لضغط الأزمة وتبعاتها الكارثية..
لقد استشعرت الأنظمة الرجعية الخطر واستوعبت رسائل الامبريالية الواضحة والمشفرة، بعد أن عصفت هذه الأخيرة بالنظامين، أو للدقة رأسي النظامين، الحليفين لها بكل من تونس ومصر، وصارت تضاعف جهودها بما يثبت جدارتها في مواصلة إجرامها في حق الشعوب المضطهدة ونهب خيراتها.
لقد تأكد لها بالملموس أن أي تقاعس في أداء مهامها بتنفيذ الأجندة السرية والعلنية المملاة من طرف الامبريالية بالدرجة الأولى، سيكلفها غاليا، بل سيعصف بها كما سابقيها.
وبالنسبة للنظام القائم، كنظام لاوطني لاديمقراطي لاشعبي، فإن أخطر ما يقوم به تعبيرا عن الإخلاص الكامل للامبريالية وللحد من اختناقه وعزلته السياسية هو، وإلى جانب إبراز "مفاتنه" تجاه الأنظمة الرجعية بافريقيا وخطب ودها على حساب مصالح شعبنا الحيوية، تلغيم (زرع الألغام في) كل حقول الصراع الطبقي ببلادنا.
إذ بذلك يجعل من أزمته الهيكلية الخانقة أزمة شاملة، أي تصدير عناصر الأزمة في تنوعها الى كل مكونات الحياة السياسية من أجل ترويضها وإخضاعها. لقد تفنن في تدمير الأحزاب السياسية، وخاصة تلك التي كانت تشكل نواة "معارضة"مزعجة الى بعض الحدود، أي القوى الإصلاحية. ونفس الجريمة، نفذها وأزلامه بالنسبة للمركزيات النقابية، حيث جعل العمل النقابي واجهة مشلولة بدون تأثير سياسي أو أفق نضالي. ويكون بذلك قد فتح أمامه أبواب المزيد من تفقير وتشريد أبناء الشعب المغربي والزحف على المكتسبات والحقوق، حيث ارتفاع درجة الحرمان من الشغل والسكن اللائق والصحة والتعليم...، الى أعلى مراتبها. وسهل بذلك تمرير مخططاته الطبقية المدمرة التي استهدفت المدرسة العمومية والوظيفة العمومية وصناديق المقاصة والتقاعد... وصارت اللغة الوحيدة اليوم هي القمع بكل أشكاله. وقد تجلى ذلك في ساحة معركة الحسيمة من خلال إطلاق يد القوى الظلامية والشوفينية إبان الانتفاضة الشعبية لخنق المناضلين الثوريين والقوى المناضلة وقطع الطريق أمامهم بإجهاض أي حلم قد يرى النور أو أي مطالب قد تتحقق، وخاصة على مستوى التأطير والتنظيم وربط نضالات أبناء شعبنا ببعضها على طول وعرض البلاد.
ولم يعد الآن أمام النظام القائم بمنطقة الريف سوى اللجوء الى أساليبه القديمة/الجديدة، أي الترهيب والاعتقال والاغتيال. وهي نفس الأساليب الإجرامية التي تطبق بتفاوت على طول خريطة هذا الوطن من أقصاه الى أقصاه..
إن العدو أمامنا، والعدو وراءنا. ولا مفر من الصمود والمقاومة. لقد صار التيار المرآة التي تفضح الانتظارية المتسترة والعجز المستشري في الساحة السياسية، وكذلك الضمير الذي يؤنب محترفي "النميمة" السياسية والتشويه والافتراء. فمفروض في أي مبادرة نضالية تتوخى توسيع مجال الفعل النضالي الانطلاق من الواقع ومعطيات الواقع. فنكران المجهودات الجبارة للمناضلين ونتائجها الملموسة أو بالأحرى التنكر لها يقوض مصداقية تلك المبادرات ويشكك في نوايا أصحابها؛ حيث لا يمكن للتراكم النضالي –اختلفنا أو اتفقنا معه- إلا أن يكون رافعة لتقدم الفعل النضالي. ولا يمكن للمناضل الصادق أن يطمس الحقيقة ولو مرة، فبالأحرى تضحيات المناضلين اليوم والأمس. ونؤكد أمام "الفوضى" التي يغذيها النظام، أي خلط الأوراق وزرع البلبلة واليأس، أن المناضل مطالب بإثبات نضاليته وأحقيته بالاسم وكذلك المعتقل السياسي المناضل.
لقد جعل النظام السجون "مشتلا" للانتهازيين والعملاء و"الأطر" التي سيعتمد عليها لإجهاض التجارب والمعارك النضالية. وما مؤامرة "الإنصاف والمصالحة" التي نفذها وسهر على تمريرها "فرسان" السجون ببعيدة عنا،ولن تكون الأخيرة.
إن المناضل الثوري لا يكرر أخطاءه، وكذلك التنظيم الثوري. وكما لم تنطل علينا مؤامرة "الربيع العربي"، فلن تنطلي علينا مؤامرة أي "ربيع" أو "خريف".
ولأن انشغالاتنا والمهام النضالية التي تنتظرنا أكبر من إمكانياتنا، فإننا نهيب بالمناضلين الانتباه الى مكر من يزعجهم التاريخ النضالي لأبناء شعبنا وترعبهم "الجملة" الثورية المتبوعة بالفعل الثوري وتقض مضاجعهم (نحن نقول الموقف الثوري والممارسة الثورية).
إن صدقنا ووضوحنا يرعبهم، لأنهم لم يكونوا يوما صادقين ولا واضحين.. لنفوت عليهم فرص جرنا الى المستنقعات النتنة أو إضعاف طاقاتنا في متاهات بدون نهاية.. فهمنا الأكبر خدمة القضية، قضية شعبنا، قضية الطبقة العاملة، وتطوير الأداء السياسي والتنظيمي لتيار البديل الجذري المغربي الصامد، رغم الحصار والتشويش وكل محاولات "شخصنته" وإغراقه في وحل الصراعات الهامشية.
إننا في تيار البديل الجذري المغربي، وفي الذكرى الرابعة للإعلان عن تأسيسه، بقدر ما نهنئ أنفسنا على الصمود في وجه إعصار دام أربع سنوات، في شقيه القمعي والاستئصالي، وفي ظل حضور نظري وعملي متميز ومواكبة سياسية منتظمة ومستمرة لأهم المحطات النضالية داخل المغرب وخارجه، بقدر ما:
- نحمل أنفسنا مسؤولية مواصلة المعركة على درب ثورة شعبنا، الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، منفتحين على كل المناضلين الصادقين وعلى كل المبادرات النضالية الصادقة، ومنددين بكافة أشكال "التصالح" المباشرة أو غير المباشرة سواء مع النظام أو مع أزلامه، وبمبادرات التطبيع مع القوى الرجعية سواء كانت ظلامية أو شوفينية؛
- نعطي الأولوية لتقوية الذات المناضلة في خضم الصراع الطبقي الضاري وليس بمعزل أو بعيد عنه، تحت النيران العدوة و"الصديقة"؛
- ننخرط بالدرجة الأولى في معارك العمال والفلاحين الفقراء، ونساهم في فضح واقع الاستغلال بالأرض والبحر والجو، وتكسير أغلال الاضطهاد والعبودية التي تكبل أوسع الجماهير الشعبية؛
- نتصدى لجيوش النظام الالكترونية المقنعة وذات اللبوس "الثورية"، ليس بالحروب "الدونكيشوتية" (الافتراضية)، بل بالعمل في الميدان وعلى أرض الواقع، من خلال النقابات والجمعيات والتنسيقيات وكل آليات الفعل التي تقربنا من الطبقة العاملة بالخصوص. فلم يعد خاف على المناضلين الصادقين الدور البغيض الذي تقوم به الأسماء والجهات المريضة ومناوراتها الخسيسة بغاية التشويش على الفعل والموقف النضاليين المتميزين؛
- نناضل بشراسة من أجل خدمة قضية الاعتقال السياسي كقضية طبقية، ومن أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين بدون استثناء.
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
شارك هذا الموضوع على: ↓