اشتعلت الانتفاضة الشعبية بالحسيمة منذ طحن الشهيد محسن فكري، ودامت لمدة طويلة. لقد قدمت دروسا قيمة في البطولة والصمود والتضحية وطرحت السؤال الجوهري والمؤرق: "أي بديل...؟"، المستمد من السؤال الخالد: "ما العمل؟".
وفي خضم المعركة الطبقية الضارية تبارت الأقلام المشبوهة والأصوات المبحوحة وحراس "المعابد المقدسة" مسلحين بكل أدوات التخريب والتشويش لوضع حد لأي طموح أو شعار قد يتجاوز السقف السياسي الذي رسمه النظام في إطار ما يسميه "المجتهدون" المهرجون ب"التمارين الديمقراطية" والتي يسعى من خلالها الى فرز الحلفاء والأعداء في الحقل السياسي البئيس. والخطير في الأسلوب الحالي للنظام هو فسح المجال أمام الأشكال الاحتجاجية، وأحيانا تأجيجها من خلال زرع بهلواناته في صفوفها، وذلك لاستنزاف مخزونها النضالي، وخاصة الأشكال النضالية القوية حتى تصل الى وضعية الرتابة القاتلة والى المدى الذي يتيح له استيعاب كل ملابساتها وحيثياتها وإدراك مصادر خيوطها، وبالتالي قمعها بشراسة والانقضاض على الطاقات المؤطرة البارزة غير الطيعة، بالإضافة الى توظيف كل العناصر الانتهازية، من داخل السجون ومن خارجها، تطلعا الى خلق توازناته المريحة وسعيا الى افتعال صراعات هامشية وبطولات مصطنعة لخلط الأوراق والإجهاز على ما تبقى من رصيد الثقة والمسؤولية في الذات المناضلة والشعارات الثورية والأشكال الكفاحية.
وما عشناه في الآونة الأخيرة بالحسيمة ومنطقة الريف عموما، وقبل ذلك في أجواء 20 فبراير، نعيش بعضه اليوم بكاريكاتورية بجرادة الجريحة، فيخضم الاحتجاجات العارمة على الأوضاع المتفاقمة (ارتفاع الأسعار ومنها أسعار الماء والكهرباء وانسداد آفاق التشغيل...) واستشهاد العاملين الشقيقين حسين وجدوان. فمن تجييش العواطف وبث السموم وزرع قنابل التفرقة والتشرذم القائمة على إخفاء حقيقة الصراع الطبقي الى اللجوء الى الإجرام وأساليب القمع الأكثر ضراوة... علما أن من يسوق وهم "السلمية" وشعارات مبتذلة أخرى في الصراع الطبقي، ومن بينها "تسقيف" طموحات الجماهير الشعبية الكادحة، يخدم القوى الاستعمارية والصهيونية ووكلائهم من الكمبرادور والملاكين العقاريين الكبار الذين يعملون على تقديم وتصوير الثورات والانتفاضات الشعبية، كرعب مخيف يستهدف الطبقات الكادحة، وبذلك يخون القضية عن وعي ويخدم النظام المروج لوهم الاستقرار.. والأكيد أن هذا الوهم الذي تتواصل كل الجهود الجبانة لتكريسه كوعي وسط شعبنا سيتبدد وستتضح أكثر حقيقة الرعب، والذي ليس سوى تواصل واستمرار سيطرة النظام.
إننا ننتقل من مأساة الى أخرى لا تقل فظاعة، وكأننا نمارس هواية الفرجة "الثورية"، أي التخلص من تأنيب الضمير تجاه العجز والضعف أمام خدمة قضية شعب قدم الغالي والنفيس من أجل تحرره وانعتاقه.
وأمام تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واشتداد القمع والحصار، وتأكيد كون الحسيمة ليست استثناء أمام معاناة أوسع الجماهير الشعبية وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وكذلك جرادة، المدينة العمالية التي تحولت الى مدينة أشباح بعد إغلاق المنجم والتي تعاني بدورها كافة أشكال التهميش والاستغلال؛ نجدد استمرارنا على درب رفاقنا وشهدائنا، ونسجل:
- اعتزازنا بنضالات أبناء شعبنا بكل المناطق وبتضحياتهم، وتحيتنا لعمال جرادة الصامدين ولشهدائها، ومنهم الشهيدين حسين وجدوان؛
- كون المناضلين الجذريين معنيين بالانخراط، وليس فقط التضامن، في كافة معارك أبناء شعبنا بجرادة وبالحسيمة وبباقي مناطق البلاد. وكل من يتخلف عن الالتحاق بالمعركة، بموقفه أو حضوره أو دعمه يضع نفسه ضدها، أي في خندق الأعداء الطبقيين؛
- استعدادنا للتواصل والتفاعل مع كل المبادرات النضالية التي تخدم قضية شعبنا، فلا بديل عن لم شمل المناضلين الذين أثبتوا جدارتهم بعيدا عن المزايدات الرخيصة. وكل من يسعى الى تشتيت الجهود النضالية يتحمل المسؤولية التاريخية في تأبيد معاناة شعبنا... فهل يخفى على المناضلين الحقيقيين أن في وحدتهم انتصارا لقضية شعبنا؟ إنها مرآة شعب، كما ترصد الأعداء المباشرين، تكشف حقيقة المتربصين والمندسين الذين يختفون في أوقات الصراع الطبقي العصيبة ويظهرون عندما تستكين "العاصفة" ليوزعوا من أبراجهم العاجية التهم حسب طقس مزاجهم المريض..
- إدانتنا الصريحة للقوى السياسية والنقابية المتاجرة في عرق ودماء أبناء شعبنا، بالأمس واليوم، ورفضنا لتدخلاتها المهادنة والساعية الى تكريس واقع الاستغلال والاضطهاد لفائدة حفنة من الرأسماليين الذين لا تستقيم مشاريعهم إلا على تعميق النهب والإهانة والاضطهاد؛
- تأكيدنا مرة أخرى على أولوية بناء الأداة الثورية ضمن أولويات أخرى، في سياق التفاعل الجدلي بين الذات والموضوع...
تيار البديل الجذري المغربي
C.A.RA.M.
شارك هذا الموضوع على: ↓