02‏/02‏/2019

حسن أحراث// عندما يقتل "المناضل" ذاكرته!!

إن ذاكرة الشعوب المضطهدة المخضبة بالتضحيات والبطولات والعبر في معمعان الصراع الطبقي مرجع وأرضية صلبة لبناء معالم المستقبل (خريطة طريق). 

وصيانتها واستحضارها ليسا غرقا في سجن الماضي أو استنجادا وتغنيا به. إنها ضامن ومحفز وعربون وفاء لمواصلة معركة التحرر والخلاص من الاضطهاد والاستغلال، بدماء جديدة ومبدعة تترجم المعاني والمضامين السليمة للتحليل العلمي (التحليل الملموس للواقع الملموس) والنقد والنقد الذاتي، دون أي يكون هذا الأخير طعنا في المحطات النضالية المشعة أو اعتبارها "حلما وغبارا". 
ولأن استهداف الذاكرة استهداف للمستقبل؛ فالنظام القائم، من خلال مؤامرة تدمير ذاكرتنا، يسعى، بل سعى مبكرا، الى تدمير مستقبل شعبنا مقابل رسم مستقبله، أي استمراره. 
ومن بين أخطر جرائم الإجهاز على الذاكرة المناضلة، شراء النخب وتدجينها؛ وبالواضح شراء وتدجين "المناضلين" و"الزعماء" و"المنظرين/المفكرين" في مختلف مجالات الفعل، السياسية والنقابية والثقافية... ببساطة، لأنهم "أقدر" على تبرير الخيانة وتسويغها، بل وعلى تنزيلها وتسييدها على أرض الواقع (ولو الى حين). ولأن شراء "الزعيم" يعني احتواء وإخضاع التنظيم الذي ينتمي اليه، سواء كان حزبا أو نقابة أو جمعية، خاصة إذا علمنا أن سياقات إنشاء وتأسيس تنظيماتنا كثيرا ما تقوم على الولاءات والعلاقات المشبوهة و"الكفاءات" الفردية بعيدا عن التقاليد الديمقراطية والمبادئ التنظيمية المحصنة. كما أن الانخراط في دواليب النظام يفرض، وكذلك ألفة الامتيازات والتطبيع مع الريع، التخلص من الذاكرة المزعجة والتنكر لها بأي طريقة وبأي ثمن. وبمعنى آخر، فقتل الذاكرة "يحرر" الانتهازيين والوصوليين والمتواطئين، وحتى "المناضلين" المتقاعسين/المترددين، من إرث الماضي وعهوده والتزاماته ومن واجب الوفاء للرفاق والشهداء والقضية... 
تصوروا، هناك من ترعبه ذاكرته، ويسعى، بل "يناضل" من أجل النسيان واجتثاث جذورها...
والبشاعة، حقا، أن يقتل "المناضل" بيديه القذرتين ذاكرته/تاريخه/رصيده...!!
وليس غريبا إن اعتمد النظام على "فرسان" الماضي لتجديد ذاته وتبييض سجله الدموي. فمنذ الخمسينات وهو "يقطف" (تهديدا وترغيبا) الرموز التي يراها مناسبة للأدوار المعدة لها سلفا، بالإضافة الى مساهمة القوى الإصلاحية (سابقا) المحسوبة على "اليسار" في تأثيث مشاهد وفصول مسرحياته المبتذلة، وخاصة الانتخابات الجماعية والتشريعية. وكانت "الغزوة" الكبرى مع ما سمي حينه ب"حكومة التناوب" بقيادة حزب الاتحاد الاشتراكي. وتلتها عاصفة "الإنصاف والمصالحة" التي استقطبت الغث والسمين، وشوهت الماضي النضالي لأبناء شعبنا، وعبدت بالتالي طريق الاستنزاف والمنزلقات السلسة المتواصلة، طولا وعرضا، على قاعدة المصالح الطبقية المشتركة والتحالفات السياسية المنسجمة وغير المنسجمة...
فماذا عن الذاكرة في خضم الفوضى العارمة الراهنة؟
هل سنبتدئ من الصفر؟
ماذا عن ملاحم العمال والفلاحين ومعارك الطلبة والتلاميذ ونساء ورجال التعليم والصحة...؟
ماذا عن الانتفاضات الشعبية، ومن بينها انتفاضة 20 فبراير 2011 التي نقف على أبواب تخليد ذكراها الثامنة؟
نتحدث عن المعتقلين السياسيين اليوم، وكأننا لم نعش أي تجارب للاعتقال السياسي سابقا!!
أين المئات أو الآلاف من المعتقلين السياسيين السابقين؟ 
أين التجارب الرائدة لعائلات المعتقلين السياسيين؟
أين من "أنصفوا" و"تصالحوا"؟
أين الحقيقة؟
أين المحاسبة؟
ومن بين المفارقات المستفزة أن يكون على رأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان "رمزان" من ماضي/عالم القمع والاعتقال/الاغتيال السياسي!!
طبعا، المجلس آلية من آليات النظام لطمس الحقيقة، وبعيد عن أن يكون مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وفق مبادئ باريس، وخاصة مبدأ الاستقلالية...
إنه تأكيد لاستمرار انخراط "فرسان" الماضي في مستنقعات الحاضر... 
إنها "عقدة" الذاكرة.. ومن بين الأعطاب التي نتعايش معها تلك التقب العميقة في ذاكرتنا.. علما أن الخطوات الأولى في درب الخيانة والاستسلام تبتدئ بالتنكر للذاكرة والتشويش عليها، وأيضا محاربة القابضين على الجمر من أجل أن تحي الذاكرة وأن تنتصر القضية...
ولنتذكر أن أخطر أشكال القتل هو قتل الذاكرة. وقد يكون اغتيال الذاكرة بالمعنى الجمعي والرمزي أقوى من اغتيال الجسد...



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق