تحل اليوم الذكرى السادسة والعشرين على اغتيال الشهيد آيت الجيد محمد،
المعروف باسمه الحركي بنعيسى. وفي استحضارنا لذكراه المجيدة، لا يمكن لنا إلا أن نستحضر واقع جامعة ظهر المهراز بمدينة فاس في نهاية عقد الثمانينات وبداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث اغتيل الشهيد، وهي الفترة الجامعية التي عايشها وكان شاهدا عليها وشهيدا لها، بفعل حركيته ونشاطه النضالي. إنها فترة مليئة بالعطاء والتضحية... فعكس ما تروج له بعض الأقلام المأجورة من أجل تشويه مصداقية مناضلي الحركة الطلابية والجامعة المغربية إن الواقع غير ذلك. لقد كانت حقلا مصغرا ومناقضا لما هو سائد داخل المجتمع الطبقي. كان الطالب الجديد يفاجأ بواقع الانضباط والمسؤولية، كان يبهر بالعلاقات الرفاقية الراقية وبالاحتضان والدفء اللذين أقبرتهما الرأسمالية المتعفنة، كان ينفتح على واقع الصراع الفكري الدائرة رحاه داخل حلقيات النقاش التي تكاد لا تنتهي وبشكل راقي. فلكل الفصائل التاريخية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الأرضية للدفاع عن مواقفها ومطالبها السياسية والنقابية بغض النظر عن تمثيليتها للجماهير الطلابية. كان النقاش الديمقراطي سيد الموقف. وكانت القضية الفلسطينية بفصائلها دائمة الحضور، وكذلك قضية المرأة وقضية الاعتقال السياسي وحركات التحرر الوطني العالمية، آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بالخصوص (لاهوت التحرير). وكانت المسيرات التضامنية مع كل القضايا العادلة عبر العالم تجوب ساحات الجامعة، وكانت المطالب اليومية المادية للطالب فوق كل اعتبار...
هذا الزخم النضالي الذي كان يلقي بضلاله على المواقع الجامعية الأخرى بل على الشارع المغربي كذلك، انتفاضة 14 دجنبر 1990 نموذجا، جعل النظام يفكر بجدية في ردعه واجتثاث الخط الجذري من داخله. وكانت البداية بعزل الكليات والأحياء الجامعية عبر الأسوار الاسمنتية الفاصلة، وتسخير القوى الظلامية العائدة وقتها من أفغانستان التي أصبحت غير مرغوب فيها هناك.. كانت شبيبتا العدالة والتنمية والعدل والإحسان قائدتي هذا المخطط الإجرامي. فبدأت الفتاوى والغزوات وتم رصد المناضلين وملاحقتهم بأحياء وأزقة المدينة. وهكذا كان نصيب الشهيد هو الرصد ثم القتل..
لم يكن هذا الاغتيال وليد الأحداث الدامية التي عرفتها كلية الحقوق سنة 1993، كما يدعي البعض، ولم يكن نتيجة مشاجرة أفضت إلى القتل كما يدعي المتورطون في عملية الاغتيال أو المحامون الذين يتفننون في قراءة القانون، بل هو نتيجة النشاط النضالي الذي كان يمارسه الشهيد والذي لن تقبله هذه القوى الغارقة في الرجعية والعمالة للنظام القائم. إن رصيده النضالي جعله ضحية لتلك العصابات المسخرة، لأنه في لائحة الاستهداف والتصفية الجسدية. فالجريمة هي جريمة سياسية، جريمة ضد الإنسانية، جريمة لا تقبل التقادم. وهذا متعارف عليه دوليا، فبغض النظر عن القانون ومتابعة مرتكبي الجرائم، حيث هذه القوانين هي من أجل إخضاع الطبقة الكادحة وتثبيت ما يسمى بالسلم الاجتماعي لغاية الإنتاج وتراكم الأرباح.. فكم من مادة قانونية تم محوها واستبدالها بمادة أخرى ضد الحركات الاحتجاجية، وخاصة الإضرابات العمالية، ويحصل هذا حتى في المجتمعات "المتقدمة" التي تغزو المجتمعات "المتخلفة" تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان...
إن الاصطفاف وراء أو الى جانب حزب العدالة والتنمية تحت أي ذريعة كانت أمر سخيف ومخجل. والغريب في الأمر عندما يصدر هذا من "الرفاق" الأقرب الى لشهيد، وخصوصا من كان يحمل ويدافع باستماته عن ورقة "الكلمة الممانعة" الصادرة سنة 1989. إن الحسابات السياسية هي رهان كل القوى السياسية، ولا نستثني منها العدالة والتنمية، الحزب الرجعي الظلامي الذي "صعد" (بفعل فاعل) إلى الحكم (الحكومة) على حساب حركة 20 فبراير وتضحيات الجماهير الشعبية وعموم أبناء شعبنا. فبعد 26 عام، ها هو الشهيد يقض مضاجع الظلامية، في انتظار محاكمتها التاريخية من طرف الجماهير الشعبية المضطهدة...
شارك هذا الموضوع على: ↓