انتهت حكاية "الربيع العربي" المحبوكة وسقطت الأقنعة، ولم تنته ثورات
الشعوب، سواء بتونس أو مصر أو المغرب أو سوريا أو اليمن أو ليبيا... لقد اندلعت شرارة هذه الثورات من خلال انتفاضات شعبية خالدة قبل الحكاية وبعدها. وقدمت تضحيات من قبل ومن بعد. إن تاريخ الشعوب المضطهدة يشهد على الحياة المستمرة والمتطورة للصراع الطبقي في هذه الرقعة أو تلك. حكايات وحكايات، هزائم ومؤامرات، وبالمقابل ملاحم وانتصارات.. فكما "يجتهد" أعداء الشعوب في ابتكار أساليب تأبيد الاستغلال والمعاناة وباعتماد مختلف أدوات الفتك والقمع والإبادة، تبدع الشعوب وتقاوم من أجل خلاصها وتحررها.
لا نخفي أو نتنكر لتفاؤلنا المفرط لحكاية "الربيع العربي"، وفي خضمها "حركة 20 فبراير" بالمغرب. ولنا كامل الجرأة النضالية اليوم، لنقدم نقدا ذاتيا عن ذلك "التفاؤل" الحماسي أكثر من اللازم، رغم أننا لم ننخدع للحكاية في مجملها. وكان تركيزنا الأساس على انتفاضة 20 فبراير 2011 ودروسها وعلى شعارنا المتميز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. فلم نتوقف لحظة واحدة عن التحذير من مؤامرات الامبريالية والصهيونية والرجعية ومن مغبة السقوط في حبالها. ولم يفتنا أبدا التشديد على أهمية الأداة الثورية (الغائبة/المغيبة) لقيادة أي ثورة ولتأطير الجماهير الشعبية المنتفضة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. كما أن فضحنا كان مستمرا لأي تحالف أو تنسيق مع ركائز الماضي وبقايا الأنظمة الرجعية بعد تحطم/سقوط رؤوسها. وكان كذلك رفضنا القاطع لأي تفاعل (تحالف أو تنسيق سياسي أو ميداني...) مع القوى الظلامية حاملة المشروع النكوصي الرجعي الذي يتقاطع ومشاريع الأنظمة الرجعية بالمنطقة...
الآن، وفي ظل ما آلت اليه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمختلف الدول التي طالها تأثير "الحكاية"، وحتى الدول التي عرفت في الآونة الأخيرة انتفاضات شعبية قوية (السودان، الجزائر)، هل من أوهام يمكن أن تخدعنا أو أن تحجب رؤيتنا للمأساة القائمة والتردي الفظيع الذي يحاصرنا؟
تونس كمثال، بمناسبة الانتخابات الرئاسية ليوم 15 شتنبر 2019..
لن نعود الى المؤامرة تلو المؤامرة التي أجهضت حلم الشعب التونسي الذي بدا قاب قوسين أو أدنى إثر استشهاد البوعزيزي وانتفاضة 17 دجنبر، خاصة من طرف القوى السياسية التي سوقت الوهم متفاعلة مع شعارات غير مقتنعة بها، منها شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وتواطأت في الأخير مع القوى الظلامية ليستمر النظام القديم في حلة بالية، وليس حتى في حلة جديدة..
اليوم، ورموز هذه القوى السياسية المتلونة لم تعد قادرة على الحفاظ على أقنعتها، ها هي ترتمي في أحضان النظام القائم المدعم من طرف الرجعية والصهيونية والامبريالية.
وكمثال، حمة الهمامي، زعيم حزب العمال الشيوعي التونسي (سابقا) يعاود الكرة، ويترشح هذه المرة (المرة الثانية) كمستقل، بعد انتخابات ما بعد فرار بنعلي التي خاضها تحت شعار "حمة، ولد الشعب، رئيس" وكمنسق لل"جبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة" بتاريخ 23 نونبر 2014...
وهنا، ليس الشخص المقصود في ذاته، بل التوجه أو الخط السياسي الذي يمثله ويعمل على توسيع تأثيره وترسيخ أثره داخل تونس وخارجها (المغرب كمثال).
إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية الحالية؛ في ظل الاستياء العام في صفوف الشعب التونسي وارتفاع أصوات مقاطعتها، وفي ظل قوانين مجحفة تكرس الهيمنة الطبقية لأعداء الديمقراطية والاشتراكية وتسهر على تنزيلها "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" غير ذات مصداقية/مشروعية شعبية وديمقراطية؛ إسهام آخر يتمم أركان "الحكاية" في حق الشعب التونسي وفي حق الطبقة العاملة التي يمتطون جراحها ومعاناتها لربح رهاناتهم وتحقيق أحلامهم البورجوازية الصغيرة...
وبدون شك، فإن توسع حركة المقاطعة (أربع هيئات سياسية) سيحرج الأحزاب المنخرطة في اللعبة السياسية المفضوحة، وخاصة ما يسمى ب"اليسار الإصلاحي"، وكذلك الأسماء التي كانت فاعلة من خارج إجماع النظام ولها رصيد نضالي، ومنها حمة الهمامي ومن يتبنى أو يدافع عن مساره الانبطاحي..
فيما يلي، ومن باب مواكبة الوضعية السياسية بتونس في ظل الحملة الانتخابية، وثائق لمجموعة من الأحزاب والمنظمات السياسية الداعية للمقاطعة:
* البيان المشترك حول مقاطعة الانتخابات الرئاسية، تحت شعار "بمقاطعة الانتخابات نعزل الرجعية":
تستعد الرجعية لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية أخرى بعد مناسبتين انتخابيتين مماثلتين وقعت الأولى سنة 2011 وأفرزت مجلسا تأسيسيا انقلب على انتفاضة 17 ديسمبر وحكومات ظلم واضطهاد وصل بها الأمر حد استعمال الرصاص الحي لقمع الانتفاضات المتلاحقة مثل تلك التي وقعت في سليانة، وحصلت الثانية سنة 2014 وازداد خلالها الوضع سوءا.
وفي الحالتين تبين للشعب زيف وعود الرجعية بتشغيل المعطلين عن العمل وتنمية الجهات المحرومة ومحاربة الفقر والمرض فقد تفاقم قمع الشعب وتفقيره وتجويعه وتعطيشه وتفشى الإرهاب والاغتيالات والتهريب والجريمة والمخدرات وغيرها .
وقد لعب اليمين الديني ممثلا في حركة النهضة الاخوانية دوره كاملا في ترسيخ الاستغلال والنهب والفساد وخدمة الامبريالية والصهيونية في تحالف مع اليمين الليبرالي ممثلا في نداء تونس وغيره من الأحزاب والقوي الدستورية وبمشاركة اليسار الإصلاحي، حيث استباح هؤلاء مجتمعين ثروات الوطن وكرامة شعبه .
وقد أدى ذلك كله الى اتساع الهوة بين النظام والشعب وعم الغضب والاحتجاج والاضرابات والانتفاضات المتتالية أغلب الجهات، ولولا الدعم الامبريالي الرجعي الخارجي لكان مصير سلطة التوافق الاخواني الدستوري شبيها بمصير سلطة بن علي .
وقد انعكس ذلك الوضع على نظرة الشعب للديمقراطية التي يتلحف بها النظام فقد أصبح ينظر اليها على نطاق واسع على أنها ليست الا الدكتاتورية والاستبداد والقمع فازدادت نسبة مقاطعة الانتخابات أكثر فأكثر، مثلما بينته نتائج الانتخابات البلدية .
و يتعلق الأمر اليوم بانتخابات جديدة شبيهة بما حصل سابقا، ستجري في ظل انعدام السيادة الوطنية وسيطرة الرجعية على الاعلام وتوظيف الإدارة والمال السياسي والخلط بين السياسة والدين والولاء للقوى الامبريالية وتزييف إرادة الناخبين دون حسيب أو رقيب، وهو ما تجلى فيها مثل المرات السابقة حتى قبل بدايتها، من خلال فضائح تزييف التزكيات .
لأجل ذلك نرفع النداء الى عموم الشعب بعماله وفلاحيه وصغار تجاره وحرفييه ومثقفيه وموظفيه وطلبته وتلاميذه، بنسائه ورجاله، بكباره وصغاره، أن هبوا جميعا الى مقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية فكلما كانت نسبة المشاركة ضعيفة كلما فقدت السلطة الرجعية مبرر وجودها وأصبحت معزولة، وتم حرمانها من الادعاء بأنها تملك الشرعية الشعبية، فلنحدث الفراغ حولها ونتركها تذهب الى صناديق الاقتراع وحيدة فهي لا تمثل الا نسبة ضئيلة مقارنة بالشعب الذي يمثل الأغلبية. وكلما سرنا في هذا الطريق كلما اقتربت ساعة الثورة التي بنجاحها وحدها يمكن بناء سلطة الديمقراطية الشعبية التي تمنح الثروة والحرية لكل أبناء الوطن وبناته .
1ـ حزب النضال التقدمي؛
2 ـ الحزب الشيوعي الجديد (قيد التأسيس)؛
3 ـ الجبهة الشعبية الوحدوية؛
4 ـ حزب الكادحين.
* البيان رقم 2: حملة المقاطعة في مواجهة حملة المشاركة .
تنطلق اليوم 2 سبتمبر 2019 رسميا الحملة الانتخابية الرئاسية داخل تونس بعد تدشينها يوم أمس خارجها فيما يشبه الانتقام الديمقراطي من الشعب ومواصلة مسار الانقلاب على انتفاضته وفي علاقة بذلك يهمنا التعبير عما يلي :
أولا: ان تلك الحملة قد بدأت فعليا قبل مدة في اختراق للقانون الانتخابي الذي وضعته السلطة نفسها دون أي تدخل من الهيئة العليا للانتخابات لمنعها فقد اكتفت بمسايرتها بما يدل عن عجزها في أفضل الأحوال، وتواطؤها في أسوئها .
ثانيا: ظل تزوير التزكيات الشعبية والبرلمانية دون عقاب، بما يمكن المُزورين من التقدم الى الانتخابات وكأن شيئا لم يقع، رغم أن بعضهم تنتظره قضايا عدلية أمام المحاكم على خلفية ذلك التزوير.
ثالثا: انخراط وسائل اعلام من اذاعات وقنوات تلفزيه في الترويج لمترشحين محددين، وقد شاب ذلك مغالطات كثيرة، ومنها استدعاء ضيوف محايدين ظاهريا لطرح أسئلتهم على المترشحين، وقد تبين بالحجة أنهم تابعون حزبيا لهؤلاء، بما يشير الى التواطؤ بين سياسيين واعلاميين للتأثير على الناخبين .
رابعا: اذا أضفنا الى هذه الخروقات توظيف المال السياسي والاعلام الفاسد والخلط بين الدين والسياسة وتحكم القوى الامبريالية في تونس نستخلص أن العملية الانتخابية لا علاقة لها بالديمقراطية، وأنها ليس لها من غاية غير ترسيخ وجود النظام القائم والمحافظة عليه مما يفرض مقاطعتها .
خامسا: ندعو كل القوى الشعبية الى مواجهة حملة الرجعية الانتخابية بحملة مضادة أساسها المقاطعة الثورية وفضح زيف الديمقراطية التمثيلية ومضامينها الطبقية انتصارا للوطن ودفاعا عن الحرية والديمقراطية الشعبية.
الحزب الشيوعي الجديد (قيد التأسيس)؛
الجبهة الشعبية الوحدوية؛
حزب الكادحين؛
حزب النضال التقدمي .
تونس 2 سبتمبر 2019
شارك هذا الموضوع على: ↓