2020/04/16

محمد سعيدي// على هامش الأزمة، غاب العلم وحضر "العلماء".

اطلعت على أحد التسجيلات الأخيرة لمحمد الفايد المنشور على قناته
في "يوتوب"، وفيه يذكر ان محمد الفايد الآن مع كورونا وينقذ الأرواح وليس له وقت للكلام عن أشياء وأنه على اتصال مستمر مع الناس في أوروبا وباقي العالم لإنقاذ الأمة. ونادى الدول العربية إلى تأسيس الطب العربي وصرح بأنه تلقى عرضًا من إحدى الدول الإسلامية بخصوص آخر ما توصل إليه! قبل أن أناقش ما قاله، أعدت الإنصات إليه، هذه المرة، مركزا ً على ملامح وجهه وحركات يديه حتى أنأكد أنه ليس تأثير بعض المحرمات! لم يبد لي شيء من ذلك، لهذا قررت أن أن أناقش بعض ما جاء به.
يقول أنه بناء على دراسة علمية، قام ببحث علمي من بداية شهر يناير من السنة الجارية وانتهى الآن (أي بعد حوالي ثلاثة أشهر) إلى نتائج مذهلة تقضي تماما على فيروس كورونا فقط باعتماد بعض التوابل والخضر وغذاء ملكة النحل!! هذا البحث العلمي الخارق اعتمد فيه الفايد على مسلمة وهي أن الكورونا لا يصيب الإنسان ذو الفصيل الدموي " O"! وبعد ذلك ، انطلق بذكاء لا مثيل له للبحث عن الأغذية التي تمكن الإنسان ، من ذوي الفصائل الأخرى، من التوفر على مناعة تعادل ما للفصيل المذكور "O "! ألا يحق لنا التساؤل عن صحة هذه المسلمة قبل النظر في النتائج؟
أؤكد لكم أن هذه المسلمة تدخل في خانة الأخبار الزائفة التي ترافق زمن الكورونا هذا، حسب أكثر من تدقيق قام به صحفيون. من هذه التدقيقات، ما قام به ألكسيس دلانسر ونشره في موقع "راديو كندا" /1. وبما أن الفايد قال في إحدى تسجيلاته أنه يتمنى أن يسمع المختصين في الميكروبيولوجيا ، أطمئنه أن الصحفي أخذ رأي "آن غاتنيول" الباحث وأستاذ الميكروبيولوجيا والإمينولوجيا بجامعة ماغيل/ 2.هذا الأخير قال بأنه بعد البحث في الأدبيات الطبية المنشورة، لم يجد أي معلومة تشير إلى قابلية الإصابة بالكورونا عند فصيل دموي م أكثر من غيره. أما مصدر الخبر الزائف، فهي دراسة أولية نشرتها جامعة صينية وأجريت على 2173 مصاب/3 . تقديم هذه الدراسة فيه تحذير صريح بأن ما تتضمنه هو فقط ملاحظات أولية على تقسيم المصابين حسب الفصيل الدموي. وعكس ما صرح به الفايد، فذوو الفصيل "O » يصابون بالكورونا أيضاً ويمثلون 25,8% من أصل 2173 مصاب. فهم أيضًا مهددون رغم أنهم أقل من ذوو الفصيل "A" داخل العينة المدروسة. هذه الدراسة لم تعرض على لجنة علمية لتمحيصها والتعليق عليها ، الخطوة الضرورية قبل النشر في مجلة علمية معترف بها. الدراسة لم تتناول العلاقة السببية بين الفصيل الدموي و الكورونا ، وإنما اعتمدت مقارنة المصابين مع ساكنة المنطقة كأن نقول مثلا أن ذوو الفصيل «O » يمثلون 30% من مجموع سكان مدينة ويمثلون 25% من مجموع المصابين بمستشفى المدينة ونتساءل لما ليس 30% من المصابين؟ للجواب على التساؤل يجب دراسة الفرضيات الممكنة وأخذ عينة كافية من السكان تمثل بصدق مجموع الساكنة. وهو ما لم يتم إلى حد الآن. الفايد راهن على واحدة من الفرضيات بدون دراسة كمثل المقامر الذي يراهن في سباق الخيل والكلاب على رقم وحيد!!! وهكذا ضيع فصل الشتاء في بحث لا يفيد. هناك خبر آخر زائف شائع الآن مفاده أن الكورونا يصيب الرجال أكثر من النساء، وأتمنى أن يضيع الفايد فصل الربيع للبحث في التوابل و الخضر التي تعطي للرجال ما يعادل مناعة النساء!!!
هذا هو الطب العربي الذي بشرنا به الفايد! وكان يسميه الطب الإسلامي قبل سنوات! لم يقم بدراسة علمية، وحيث أراد اعتماد دراسة غيره اعتمد خبرًا زائفًا وأعد خلطة الدواء قبل أن يعرف الداء! ولم يعد لمن ينتقدوه سوى سؤال "ماذا ستخسرون إذا تناولتم هذه التوابل والخضر؟". إن أبسط ما نخسره إن صدقناك هو الإحساس الزائف بالحماية ضد الكورونا، والتصرف بغير مسؤولية وتعريض كثير من الناس للإصابة وفقدان كثير من أعزائنا وأحبائنا. وإذا تعاملنا مع البحث العلمي كما فعلت، سنضيع الحاضر والمستقبل. ماذا قدمت لمحبيك الذين زادوا من استهلاك الشاي بناء على نصائحك وتقديم فوائده في محاربة السرطان؟ تباهيت لسنوات بإكثار شرب الشاي، ولما نشر من تصفهم بالعلمانيين النتائج المخبرية لما يحتويه من نسب عالية للمبيدات، قلت أن الملف بين أيدي جهات رسمية ولاداعي للقلق! ماذا قدمت أنت وجمعيتك الرائدة في مجال التغذية وجمعيتك الرائدة في مجال حماية المستهلك في هذا الموضوع؟ ما الفرق بينك وبين الوصلات الإشهاربة المؤداة إن كنت تنصح بدون علم؟!. أين وصلت أبحاثك لمعالجة السرطان والبروستات وغيرها من الأمراض المستعصية فقط بصيام 36 يوم وبعض الأعشاب؟! هل يمكن أن تنشر إحصائيات الشفاء والموت جراء وصفتك الغريبة كما يفعل الطب الحديث؟! هل تتبعت حالات الحوامل ومرضى السكري والقلب.. الذين نصحتهم بالصيام وقلت أنك تتحدى و تتحمل مسؤوليتهم إن أصابهم سوء؟ كل ما أجبت به بعد أن حاصرتك الانتقادات من كل جهة، أنك كنت في ندوة علمية وبحق لك أن تقول ما تشاء وأنك لا تلغي استثناءات! بئس التربية؛ هو نفس تعامل زعيم حزبك المفضل، العثماني، حين نصح المواطنين بعدم ارتداء الكمامة وبعد أيام فرض غرامة على من لايحملها! من تدعونا للعودة إلى طبهم من العرب القدماء لا ألومهم هنا لانهم عملوا بما توفر لديهم، وإنما استنكر من ينادي الان بشرب بول البعير للتشافي دون العودة للمختبرات، وأنتقدك أنت الذي ينصح في زمننا هذا بعصر براز أو فرث البعير وشربه من دون أن يجري تحليلا مختبريا واحدًا !
لا يعتقد أحد بأن تنحي الفايد من الميدان سيحل المشكلة. لدينا الكثير مثله وقد رأينا خروج واحد تحدى العالم بأنه قادر على شفاء المصاب بالكورونا فقط باستعمال عشبة واحدة! ورأينا آخرًا يعرض خلطتين للشفاء... القاسم المشترك بين هؤلاء وأمثالهم، أنهم لا يعرفون عن المرض ما يكفي لصناعة الدواء. وحتى إن رغبوا في المعرفة ، فالدراسات الأولية (pré-publication) المنجزة من طرف من هم في الميدان لم تستوفي بعد شروط النشر. لهذا فخطابهم لا يخلو من التحدي الأجوف والاستنجاد بالإعجاز. انهم يضعون المواطن أمام خيار وحيد وهو تصديقهم. هم مثل المتنبئين الذين ظهروا في القرون الأولى للإسلام الذين بدل تقديم معجزاتهم، يعجزون الناس بطلباتهم. وفيما يلي قصة ذكرها ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد/4.
"المأمون وثمامة مع متنبئ: قال: وحمل إلى المأمون من أدربيجان رجل قد تنبأ، فقال يا ثمامة ، ناظره.فقال:ما أكثر الأنبياء في دولتك ياأمير المؤمنين! ثم التفت إلى المتنبئ فقال له: ما شاهدك على النبوة؟ قال: تحضر لي يا ثمامة امرأتك أنكحها بين يديك، فتلد غلامًا ينطق في المهد يخبرك أني نبي!..".
هؤلاء الذين ابتلينا بهم في زماننا، يطلبون الزوجة قبل الدليل. الفايد يقول ،في تسجيله ، طبقوا ما أقوله ومن بعد سأشرح لكم مرض الكورونا بالتفاصيل!! إنهم يستغلون فراغاً قانونيا في بلد لم يحسم أمره بعد. أما في البلدان التي حسمت في أعتمادها الطب والعلم، فيمنع بموجب قانون، بيع وترويج واشهار أي منتوج على أنه دواء إلا كان معتمداً من طرف وزارة الصحة. وفيها، أي مخالفة تعرض صاحبها للمتابعة القضائية.

1. للاطلاع على المقال المؤرخ ب 30-03-2020
: https://www.google.ca/…/liens-groupes-sanguins-coronavirus-…
2. جامعة ماغيل مصنفة ضمن أفضل مائة جامعة في حسب التصنيف الدولي شنغهاي 2019.
3. للاطلاع على الدراسة: https://www.medrxiv.org/conte…/10.1101/2020.03.11.20031096v2
4. كتاب الجمانة الثانية في المتنبئين والممرورين والبخلاء والطفيليين. لابن عبد ربه الأندلسي . الصفحة 160.



شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق