2021/01/08

محمد سعيدي// عن تطبيع المغرب..تسهيل رحلة "العال" أم رحلة الأموال!

 


فجأة استفاقت نخبة من المغاربة  على اكتشاف جديد وهو وجود حوالي
مليون يهودي مغربي بفلسطين المحتلة! لم تكن تعلم بهذا الوجود من قبل؛ لما تقدمت المسيرات المليونية بالرباط تضامناً مع فلسطين! لم تكن تعلم بهذا حين كانت تعقد الاجتماعات البرلمانية والحزبية متلحفة بالكوفية الفلسطينية! لم تكن تسمع بهم  لما كانت تفتتح المؤتمرات بالموسيقى والأشعار والاناشيد الحماسية القادمة من الشرق! الآن فقط علمت، وهي تعلن للتاريخ وللعالم أن تأملات الحجر الصحي أنعمت عليها بيقضة ضمير فجائية ،  وأن لا دخل للقاح كورونا في هذا المشهد!

إن كان مجال للاستغراب في المشهد الحالي، فمثاره هو هذه النخبة. أما النظام فهو جزء من التحالف الامبريالي-الصهيونى-الرجعي الذي يحكم المنطقة وهو من سهل هجرة هؤلاء اليهود المغاربة لاستيطان فلسطين  بتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية، فلا معنى الآن لتباكيه على هؤلاء اليهود!؟ لم أتفاجأ بتطبيعه ، لأن  علاقاته مع الكيان الصهيوني لم تنقطع كما يعلم المهتمون بالموضوع وكما أكد ذلك وزير خارجيته أخيراً.  اما تردده في الإعلان عنها سابقًا فقد يجد تفسيره في حسابات كثيرة منها التخوف من الرد الشعبي.  إن الإقدام على خطوة كبيرة مثل التطبيع لا يمكن تفسيره بتسهيل سفر اليهود المغاربة من وإلى  "تل أبيب"، والواقع أمامنا يكذب هذا. 

النظام الذي يتخذ قرارات بناءً على العناية بمواطنيه في الخارج، لابد وأن نجد أثراً لهذه العناية حينما نغير الوجهة قليلاً. ففي الجارة الجزائر لدينا  مغاربة يقدرهم البعض بأكثر من 250 ألف. و لدينا عائلات مقسمة بين المغرب والجزائر التي هي على نصف عداء ونصف إخاء. هؤلاء لم يلتفت إليهم أحد لما نزل قرار إغلاق الحدود ، ولا يوجد الآن أي مؤشر على أن معاناتهم تشغل بال النظام.  

أما الأطراف الخارجية التي هي على عداء كامل، أو المفترض أن تكون كذلك، فلا يتلقى مقاتلوها نفس المعاملة. لما أعلنت داعش عن دولتها في العراق وسوريا وطالبت المسلمين جميعاً بالهجرة إليها ، هل كان يسهل هذه الهجرة أم كان يعتقل ويحاكم من يرغب فيها!؟ فإذا كانت داعش حركة عنصرية قامت على استغلال الدين الاسلامي فالصهيونية حركة عنصرية أيضاً قامت على استغلال الدين اليهودي.  داعش أعلنت  "دار الإسلام" وأوجبت الهجرة إليها، والصهيونية أعلنت "أرض الميعاد" وأوجبت الهجرة إليها.  داعش قامت بقتل وتهجير الايزيديين والشيعة وكل من خالفهم المذهب ، والعصابات الصهيونية قامت بقتل وتهجير الفلسطينيين وغير اليهود قبل1948م وبعدها. داعش تعتبر  حمل السلاح  (الجهاد) للدفاع عنها واجب على كل القادرين من المهاجرين إليها، وكذلك الكيان الصهيوني فهو  يعتبر المهاجرين اليه اما جنود او جنود احتياط. ورغم أن الجوهر في الحركتين واحد؛ فمن يخطط ويحمل السلاح أو يرتكب جرائم حرب كجندي بسيط أو كقائد في جيش الاحتلال الصهيوني يستقبل بالأحضان  ، بينما يعرف المغاربة أن مجرد التفكير بالالتحاق بداعش يعرض صاحبه للاعتقال والمحاكمة في المغرب ولا ننسى أن له الحق، لحظة اعتقاله، في فيلم استعراضي قصير يعرض على القنوات الرسمية!

الكثير من المدافعين عن التطبيع المغربي كانوا إلى حد قريب يعتبرون ما يسمى ب"إسرائيل" كياناً غاصباً وعدواً. لهذا فتحول مواقفهم السريع ضرب مصداقية خطابهم في الصميم؛ فالمراجعات الفكرية والسياسية الحقيقية لا تتم في غضون أسبوع  أو أسابيع. هؤلاء لن يفيدوا النظام كثيراً، لأنهم ظهروا بمظهر جمهور المصفقين فقط؛ لم يشاركوا في مفاوضات ولم يطلعوا على تفاصيلها و ربما تفاجؤوا أيضاً بتوقيت هذه الخطوة. هذا يظهر من خلال الأفكار أو التبريرات التي قدموها ؛ فهي لم تخرج عن تلك التي صرح بها وزير الخارجية لوسائل الإعلام رغم تنوع مشاربهم الفكرية. فقد كان بامكان إسلاميي "العدالة والتنمية" مثلاً أن ينتبهوا إلى ما استخرجه إخوانهم في الإمارات والسعودية من الأخبار والآثار التي تتحدث عن  صلح الرسول مع اليهود وصلح معاوية مع الروم، وفقه الضرورات،..لكن لم يلتفتوا إلى هذا في زحمة الأحداث وتسارعها!  بينما الليبراليون أنصار "الحب والتآخي العالمي" وضعوا جانبًا أفكارهم المناهضة للعنصرية وباركوا الترحيب بمن لا يسمح   حتى بإقامة الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة إلا مقابل خدمات اسثتنائية لصالح الاحتلال. وهنا لا نتحدث عن  جنسية الكيان التي هي "حق" لكل يهودي في العالم، بينما هي للفلسطيني الناجي من صبرا وشاتيلا ومجازر أخرى هي من سابع المستحيلات.

أحد التيارات السياسية " الأمازيغية" هو الوحيد الذي بقي منسجماً مع موقفه السابق من التطبيع.  وهذا ليس بالضرورة هو الفائز في الصفقة، لأن الدعم الصهيوني الذي كان يحضى به خطفه النظام المغربي الآن. و في القادم من الأيام ، هذا الدعم سيكون محسوباً جداً بحيث لا يضر باتفاق التطبيع. 

ما يتم تداوله الآن  لا يستقيم مع  منطق  مصالح النظام المغربي ولا حتى مع مصالح الكيان الصهيوني. فتسهيل رحلة اليهود المغاربة هي آخر اهتمامات الطرفين. فالكيان الصهيوني لم يعد له الثقل نفسه الذي كان يتمتع به  في الاستراتيجية الأمريكية الدولية خلال  "الحرب الباردة". ولم ينجح في التوسع بالاعتماد فقط على القوة الحربية بالنظر إلى كلفتها الاقتصادية والاجتماعية الغالية.  فبفعل حرب 1973م والتي تزامنت مع ارتفاع أسعار النفط،  وحرب لبنان في النصف الأول من الثمانينات وانتفاضة فلسطين، عاش الكيان أزمة خانقة  استمرت حتى 1985م.  ومن مظاهر هذه الأزمة  تضخم نفقات الدولة  و انتقال نسبة التضخم (ارتفاع الأسعار) من 13% سنة 1971م إلى 111%سنة 1979م و445% سنة 1985م (1). واضطر خلال هذه السنة إلى تهدئة الجبهة اللبنانية وإلى اعتماد مخطط " إصلاحات هيكلية"  من بين ما تروم  إليه تقليص ميزانية الدولة، كما اضطر سابقا ً لتوقيع  "معاهدة  السلام" مع النظام المصري لتقليص نفقات الحرب. 

إن التحدي الذي يواجهه الكيان الصهيوني هو النجاح في خلق علاقات اقتصادية "طبيعية" في المنطقة  كي  يؤمن له الاستمرار بشكله الحالي.  فالعلاقات السياسية والعسكرية السرية ليست عنوان المرحلة. فهو يحتاج مثلا لتسويق الغاز الطبيعي الذي بدأ استغلاله في 2013، وهذا يستدعي مستوى أعلى من العلاقات السرية. ويمكن ملاحظة أن الزبونين الوحيدين (4) في العالم للغاز الذي يصدره الكيان هما مصر والاردن اللذان وقعا  " اتفاقيات سلام" علنية. والكيان بهذا التطبيع يحصل على ضمانات قانونية ومؤسساتية أكبر ويسهل رحلة الأموال من عواصم الجوار إلى "تل أبيل" وليس رحلت اليهود النوسلتاجية. 

أما التحدي الآخر فهو اعتماد  الكيان على الدعم  الأمريكي. رأسمال لا قلب له، وهذا الدعم لن يبقى إلى الأبد خاصة مع الصعود المتزايد لقوة الاقتصاد الصيني وتوجهها لانتزاع الصدارة العالمية،  وتزايد الاعتماد على الطاقة البديلة عن النفط في أوربا وأمريكا مما يقلل من أهمية الشرق الاوسط برمته مستقبلاً ويمكن أن يسهم في تغيير الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.  

هذه بعض العوامل التي تدفع الكيان للاعتماد على قوته الذاتية وعلى التطبيع مع الجوار. وفي تجربته  ما يشجع على توقيع معاهدات أكثر  ،حتى وإن كانت فارغة، وإحاطتها بدعاية أكبر. فلما بدأ "مفاوضات السلام" مع الفلسطينيين  بداية التسعينيات ، استطاع أن يقنع يهود العالم بأنه بلد آمن  واستفاد من هجرة جماعية ليهود الاتحاد السوفياتي (سابقا ً) (2). ولما انسحب من لبنان سنة 2006، وهدأت هذه الجبهة سجل رقماً قياسيًا للاستثمار الأجنبي (3). وشاءت الظروف أن تجتمع هذه العوامل مع رغبة لأنظمة المنطقة في التطبيع، كي تعتقل وتشرد وتنكل بكل من رفع رأسه من شعوبها وبكل أريحية. فاللوبي الذي رفع السودان من لائحة الإرهاب قادر على الأقل على تطمين حكامنا وإعطائهم احساس بأنهم تحت حماية الناتو.. .

هامش:

1. https://www.inflation.eu/.../cpi-inflation-israel.aspx

2 https://unstats.un.org/unsd/wsd/docs/israel_wsd_brochure.pdf

3. https://www.lorientlejour.com/.../Le_chiffre_du_jour21...

4. https://www.tresor.economie.gouv.fr/.../3038cad0-2400...




شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق