كل من لا يجادل أو يناقش رأيه وآراء الآخرين أو يحاورهم يكون أقرب من سكان القبور، ولو انه يعيش مع الأحياء، فالقبور وحدها هي المكان الساكن حيث السلم والسلام، فسكانه لا توجد بينهم لا نزاعات، ولا خلافات، ولا حوارات، والسبب بكل بساطة هو سكان القبور موتى. فإلغاء أو تجميد الحوار والنقاش والجدل، هو ميل لتجميد الحياة، لوقف التطور وتسييد التخلف، دون إعلان صريح، وهو أفضل مناخ ثقافي وسياسي لإنتاج ظاهرة الأتباع والمريدين والعياشة.. وهذه الظاهرة في الغالب لا ينفلت منها لا "اليسار" ولا اليمين بل الأفضع انها تمد جذورها لأوساط العلماء، وصارت الحالة بارزة، ومكشوفة للعموم، بعدما كانت في السابق بعيدة عن الأنظار والمتابعين، مع ما يعرف الآن ب "كوفيد 19".. اغلب العلماء، اليوم، يقفون خلف مصالح الشركات العملاقة، وأهل المراكز السياسية العالمية، ويسيرون في ذيل الإعلام المملوك، يلوكون جمل الصحافة التافهة.. لكن العديد ممن يحترمون نفسهم ويحترمون معارفهم العلمية لهم رأي مخالف، يؤدون عليه الثمن غاليا، ومع ذلك لا يستسلمون ولم يقبلوا بالتفريط في رسالتهم ويدافعون بأمانة وبصدق وبجدية عن الحقيقة تحت الحصار.. يهمشون، يبعدون، يضايقون، ولكن لم يقبلوا بوضع لسانهم تحت المقص.. أما السياسيون والجمعويون فاغلبهم انحازوا للإجماع على المكشوف، دون جدال أو نقاش مسبق، بل فيهم من لا يتردد في إعلان تجدره على النظام، وينادي عن ضرورة التطبيق بصرام لإجراءات "الحجر الصحى"/ الحرب الطبقية الاستباقية ضد الشعوب، وفيهم أقلية ملتزمة بالصمت، صمت القبور، تاركة للنظام صلاحية، واحقية، التنفيذ لما يسمى البروتوكولات/الجرائم الخاصة ب"الحالة الوبائية"، لتنفيذ مخططاته الإجرامية، والصهيونية، والاستعمارية، بهدف السطو على ما تبقى من المكتسبات الاجتماعية والسياسية والحقوقية والاقتصادية، وتعميق السيطرة المطلقة.. والشعوب وحدها هي التي تؤدي الضريبة.. وهي التي تعيش تحت أخطر جريمة في تاريخ البشرية.. واصواتها لا تهدأ، وقافلة شهدائها لا تتوقف، ولكن تضحياتها، وصراخها، بعيدة عن انشغالات السياسي المتواطئ، وعن اللاهثين خلف كراسي اللعبة الممسوخة، وخلف الفتات، وعن الحقوقي المنبطح، وعن الإعلام المملوك..
إن المناضل الحقيقي، والتنظيم السياسي المنسجم وقضايا الشعوب، لا ينس ولو للحظة أن مخططات الإمبريالية مفصلة بشكل جيد للغاية، وأن كل ما يهمها هو الأرباح ومراكمة الثروة، وكل الأساليب والطرق مباحة عندها لتحقيق أهدافها، ولو اقتضى الأمر قتل الملايين من البشر، والحاضر، كما الماضي، القريب، والبعيد، يشهد، ومن لا تسعفه الذاكرة فلينظر للعراق وسوريا وليبيا واليمن وافغانستان.. والملايين التي قتلت، وتقتل، بدماء باردة، تحت قرارات دولية، من الأطفال والشيوخ والنساء.. وللسجون، والقمع اليومي، ولانتشار الفقر، وللسطو على حقوق السكن والتعليم والصحة والنقل والتغدية..
يجب على المناضل ان يتذكر ألف مرة هذه الحقائق وأن لا يسقطها من منطلقاته وقناعاته ولو للحظة، لكي يحافظ على انسجامه.. واسقاط هذه الحقيقة يسقط صاحبها في التطبيل والتزمير وللهث وراء شعارات الامبريالية، والأنظمة العميلة، المغلفة بالإنسانية.. فهل يمكن لمن يقتل بصواريخه وطائراته وبدماء باردة الابرياء الأطفال والشيوخ والنساء من اجل اهداف النهب والسطو أن يكون إنسانيا، أو يعمل على إنقاذ البشرية..
أبدا..
إننا لا نفتري ولا نحقد، لكن التاريخ يسجل لنا ما يكفي من الحقائق الحاسمة والمثبتة لذات الخلاصة.. صحيح أننا قد لن يكون بإمكاننا الشرح والاحاطة بعدة مواضيع والمخططات نظرا لما يلفها من تسييج محكم، ولكن ما لا يمكن أن يسيج هو أهداف أعداء الشعوب، لأنها مكشوفة وعارية أمام التاريخ.
شارك هذا الموضوع على: ↓