رحلت فجأة وفي غفلة منا جميعا..
اختارت المناسبة بعناية، أجواء ذكرى استشهاد رفيقينا بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري..
ربما في رحيلها رسالة، رسالة عتاب.. رسالة حب..
ربما ترصدها غدر الزمان أو سئمت بؤس الخطاب..
رحلت "القديسة" في الصباح الباكر من يوم الأحد 29 غشت 2021.
رحلت "القديسة" والدتي..
وحتى إذا لم "يُقدسك" أحد، "أقدسك" أنا، وفاء واعترافا..
لماذا؟
كان نصيبها في صمودي راجحا..
كسرتْ "القُمقُم" من أجلي..
حلقتْ بأجنحة مكسورة عبر الآفاق البعيدة..
سبحتْ في أنهار من دموعها اليابسة..
كُنت الأمل في إطلاق سراحها، فصارت الأمل في إطلاق سراحي ورفاقي..
كانت تفتخر بي، فصرت أفتخر بها..
كانت أمي لا تخفي، كلما أتيحت لها الفرصة، أني انتصرت لها في انتزاع بعض أشعة الشمس. وكانت تعبر عن ذلك بافتخار أمام العائلة مرددة: "ولدي حسن فالمدرسة العليا".
بالفعل، كنت أكبُر وكانت تكبُر معي حرية أمي..
كنت أكبُر، وكانت تكبُر معي أحلام أمي..
وعندما اعتُقلت (27 فبراير 1984)، كان الألم فظيعا..
كانت الصدمة قوية..
كان الفقْد الموجع..
لكن؛ ورغم ذلك، لم تتحطم الآمال.. ولم تتبخر الأحلام..
كانت الولادة الحقيقية..
عانقتْ أمي العائلات، عانقتْ الأمهات، عانقتْ "القديسات"..
انتزعتْ تحررها من قبضة الحصار..
تخلصتْ من أنياب الدونية..
انفلتتْ من مخالب الهامشية..
ولجت التاريخ كباقي "القديسات" من أبوابه الواسعة..
عاندت الشموخ، فهزمت المستحيل في زمن المستحيل..
نعم؛ تحققت آمال، بعض الآمال أو القليل من الآمال..
أصبحنا نفقد "القديسة" تلو "القديسة"..
ومع كل رحيل، نحس وخز الجحود ونستشعر ثقل المسؤولية..
حصدت "القديسات" الحب والتقدير.. حصدت الخلود كالشهداء..
لكن، يبقى على عاتقنا توثيق تجاربهن وتضحياتهن..
إنها دروس خالدة اليوم وغدا..
إضافة:
الصورة توثق للأيام الأخيرة في حياة "القديسة" أمي.