الموقف في صيغته الأولى كان تحريمًا للترحم والاستغفار للشهيدة، وفي تناغم تام، كان العدو الغاصب ينكر جملة وتفصيلًا أي مسؤولية في اغتيال شيرين. في صيغته الثانية ، جاء الموقف مخففًا بجواز الترحم وتحريم الاستغفار. وكان العدو راجع أيضًا تصريحه؛ فقال ربما شيرين قتلت في اشتباك مسلح مع الفلسطينيين! موقف جواز الترحم والاستغفار كان أيضًا حاضرًا ، لكن كحالة شاذة بهذا الوضوح.
أمة ، علماؤها على هذه الحال، لا خوف عليها ولا هم يحزنون.. علماء يتكلمون حين يكون الكلام مطلوبًا ، ويصمتون حين يكون الصمت من ذهب؛ ذهب يزيّن صالوناتهم وقصورهم ومنابر خطبهم! علماء يعرفون حق المعرفة أن "المبذرين إخوان الشياطين"، لذلك خصصوا الرحمة والجنة لأمة الاسلام ، وكل عالم صاحب فرقة أو ملة خصص الجنة والرحمة وأخرج باقي الفرق! إنهم العلماء الغيورون على الرحمة أكثر من غيرتهم على الوطن والقدس ؛ ربما لأنهما من أمور الدنيا . شيرين وأمثالها هم من يعرفون أن حياتهم في خطر ويتقدمون من أجل الوطن، أما علماؤنا فهم "حرّاس الجنة" ولا يقدمون دماؤهم إلا إذا كان الأمر يتعلق بمنع النصارى والعلمانيين وباقي الأمم من دخولها، وهكذا يحافظون على الرحمة من التبذير ..!
ما أثار استغرابي هو سكوت علمائنا عن جزء مهم من الفتوى التي يتناقلونها عبر قرون ؛ وهو المتعلق بحكم الذهاب في جنازة غير المسلم! فبعض من أصدر الفتوى منذ قرون يحرّم الذهاب في جنازة غير المسلم. الفلسطينيون لم يكن لديهم وقت للالتفات إلى خروج هؤلاء العلماء المشوشين ، فأقاموا للشهيدة جنازة تليق بحجم تضحيتها ، والكيان الصهيوني لم يمتلك الجرأة لمنع التشييع. أراد فرض بعض الشروط على الجنازة ، لكن الفلسطينيون بمختلف طوائفهم تحدوها، لكن ماذا لو منع الاحتلال مسيرة التشييع، هل كان علماؤنا ليسكتوا عن الجزء الأخير من فتواهم!؟
علماؤنا أرادوا أن تمر الجريمة في صمت ، لكن الأمر لم يكن كذلك على الأقل عند من يتبنون قضية فلسطين ، أما الرحمة والجنّة فليستا بيدهم ولو كانتا كذلك لتوارثوهما بين المقربين من عائلاتهم.. قالوا أنهم خافوا أن يغضبوا الله بدعاء الرحمة ذلك! كثير من هؤلاء العلماء محسوبون على أنظمة مطبعة مع الكيان الصهيوني. أسألهم ؛ ألا تخافون أن يغضب الله من سكوتكم عن التطبيع ومن محاباتكم للأنظمة المطبعة ومن تخاذلكم في الدفاع عن القدس الذي تدّعون انه من مقدساتكم !؟ ألا تخافون من غضب الله للأطفال والنساء المشردين الذين يبيتون في العراء أمام أبواب المساجد المزخرفة التي تصلون فيها، ويغتصبون جوارها !؟ ألا تخافون من غضبه في دعائكم بالرحمة لمن سرق خيرات البلاد وقتل وسجن من أهل ملتكم!؟ ألا تخافون من غضبه لما تجيزون الترحم على يزيد بن معاوية الذي استباح المدينة وقصف الكعبة بالمنجنيق!؟ ألا ترون أن المتحكم فيكم هو العصبية القبلية لمًا تروجون أن أبا لهب يخفف عنه العذاب كل يوم إثنين !؟ لديكم القدرة على التعايش في الجنة، إن دخلتموها، مع يزيد وأبي لهب وليست لكم هذه القدرة للتعايش مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة وأمثالها؟!
نقاشي للموضوع راجع لتبرعاته على الأرض ولتبعاته على مجرى الصراع ، وليس لتبعاته على مصائر الناس بعد الموت. فهذا التخصص أتركه لعلمائنا الذي يحيطون بتفاصيل خرائط الجنة وجهنم أكثر من خريطة الفقر في أحيائهم، هؤلاء الذين يعلمون متى ينزل جبريل والملائكة ليحاربون في صفوف أولياء نعمتهم