بداية، أثارني حد الاشمئزاز دعوة أمريكا وكندا من طرف مركز لحقوق الإنسان
لي اليقين أن هذا التدخل المنشود لا يُشرّف أي حزب تقدمي ولا أي مناضل يناهض الرجعية والصهيونية والامبريالية.
فهل نسي أم تناسى المركز أن "أمريكا هي الطاعون، وأن الطاعون هو أمريكا"؟!!
وهل نسي أم تناسى المركز موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المُشرّف الذي يقاطع أمريكا وبريطانيا؟!!
فعدم عقد مؤتمر أهون من دعوة مُوجهة لعدوة الشعوب ومفجرة الحروب وصانعة الشرور..
فهل إصدار التقارير السنوية للخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان حول العالم يجعلنا نثق في أمريكا ونصفق لها؟!!
فهل وجودنا فوق التراب الكندي أو الامريكي يسمح لنا بتبييض وجه أمريكا وغسل أياديها القذرة الملطخة بدماء الشعوب؟!!
عودة الى السطر لأن الموضوع أكبر من هذه "الزلة" التي لها دلالات سياسية قبلية وبعدية...
بدون شك، لا يمكن لأي ديمقراطي إلا أن يدين حرمان حزب النهج الديمقراطي من الاستفادة من القاعات العمومية بغاية عقد مؤتمره، وذلك على غرار باقي الأحزاب السياسية الشرعية والنقابات والجمعيات؛ علما أن هذه "اللعبة" المكشوفة التي يمارسها النظام القائم ليست مفاجئة. إنها أساليب ماكرة يتوخى من ورائها المزيد من التركيع ولَيّ الأعناق حد جزّها.. فإلى جانب الحرمان من الفضاءات العمومية، يتم الإقصاء من التمويل الذي تستفيد منه الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات، وأيضا من الإعلام العمومي، خاصة إبان الحملات الانتخابية لطمس موقف المقاطعة.. ومعلوم أن الاستفادة من الفضاء العام ومن التمويل ومن الإعلام العمومي حق مشروع يضمنه "القانون" لكافة الهيئات التي تشتغل تحت طائلة الشرعية، أي الملتزمة بهذا "القانون"..
وكما أن هذا الاستفزاز ينسجم وطبيعة النظام القائم، فالأمر كذلك بالنسبة لأشكال استفزازية أخرى، مثل الاغتيالات والاعتقالات العشوائية والمنظمة وباقي الأساليب القمعية التي تستهدف بنات وأبناء شعبنا.. فليس في الأمر ما يفاجئ المناضلات والمناضلين؛ وما يعتبر "مفاجئا"، أو للدقة غير مقبول هو سكوت "الديمقراطيين" الذي قد يعتبر تواطؤا. لا أقصد هنا إصدار البيانات والبلاغات التضامنية، أو حتى تشكيل اللجن والتنسيقيات، بل اتخاذ مواقف عملية وميدانية. ودرء لأي لبس، لا أنفي أهمية هذه الأشكال النضالية التضامنية، فقط أُلح على اتخاذ مبادرات سياسية ضاغطة، خاصة والعلاقات السياسية التي تربط بعض القوى السياسية والنقابية والجمعوية فيما بينها.
ولتسمية الأشياء بمسمياتها، فقد عرفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة نفس الاستفزاز قبل أن يُسمح لها بتنظيم مؤتمرها الثالث عشر بمركب بوزنيقة. فهل التراجع عن قرار المنع راجع إلى وجود مكونات سياسية أخرى في صفوفها غير حزب النهج الديمقراطي، أقصد حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي؟
لا ريب أن لتلك المكونات نصيب في رفع المنع، لكن أين نصيبها في رفع المنع عن تنظيم مؤتمر حزب النهج الديمقراطي؟
إن الممارسة السياسية الديمقراطية المبدئية تفرض على القوى السياسية المذكورة ربط مصيرها بمصير قوى سياسية أخرى من نفس الخندق (على الأقل المعارضة) تعاني من التضييق والإقصاء. فلا ديمقراطية بدون ديمقراطيين. والمستفز أكثر أن أدعو إلى الديموقراطية ولا أحترمها، أي لا أمارسها إلا بالشكل الذي يناسبني (الانتقائية).
يقول المثل السائر "من الخيمة خرج مايل"، وهو كذلك بالفعل بالنسبة للممارسة السياسية ببلادنا، وخاصة في صفوف القوى السياسية المذكورة. فكيف تقبل قوى سياسية حليفة إقصاء حزب النهج الديمقراطي من التمويل العمومي كحزب شرعي، ومن الإعلام العمومي، وأخيرا من الفضاء العام...؟
وحتى لا نغرق في الماضي رغم أهمية استحضاره لفهم بعض ملابسات الحاضر ومميزات الصراع الطبقي وموازين القوى الراهنة، هل تقف هذه الأحزاب والمنظمات الشرعية "القريبة" منها وقفة تقطع مع "المرونة" السابقة في صيغة " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون"، أعني خاصة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل (مركزية نقابية) والجامعة الوطنية للفلاحة (نقابة قطاعية) والجامعة الوطنية لموظفي الجماعات المحلية (نقابة قطاعية) والنقابة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي (نقابة قطاعية) والجمعية المغربية لحقوق الإنسان...
فلا معنى أن أستفيد من "الدعم العمومي" (شكل من أشكال الريع في غياب الشفافية والمحاسبة...) وأكتفي بالتنديد بحرمان قوى سياسية حليفة منه، كما لا معنى أن أستفيد من "الإعلام العمومي" وأقتصر على إدانة إقصاء حليف سياسي، ولا معنى أيضا أن أستفيد من القاعات العمومية وأقف عند حدود "التضامن" و"التنديد"...
إن النظام القائم وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأوسع الجماهير الشعبية، وخاصة وواقع الأسعار الملتهبة، يواصل استفزازاته ورهاناته على إحكام قبضته الحديدية على الساحة السياسية.. فلم يعد يهاب "الانفجار" (الضغط يولّد الانفجار) في غياب أحزاب سياسية مناضلة ونقابات قوية وجمعيات ممانعة وفي غياب الحزب الثوري المعبر السياسي للطبقة العاملة والقادر على تنظيم وتأطير أي انتفاضة شعبية قادمة...
إنه "يتلهّى" (يتسلّى) فقط كأسلوب قمعي لجس النبض وصيغة روتينية لإبراز القوة (الرحمة عند المقدرة). إن رسالة النظام في ظل الانحدار والانبطاح السياسيين الحاليين تتلخص في "أقول للشيء كُن، فيكون". وفرض التطبيع مع الكيان الصهيوني في كافة المجالات يؤكد ذلك "بالصوت العالي والصورة الفاضحة"...
اختصارا، إن حزب النهج الديمقراطي في حاجة الى الديمقراطيين ودعمهم وتضامنهم من داخل المغرب ومن خارجه، ومن كندا أيضا ومن أمريكا...
أما "وزارة الخارجية الامريكية والكندية ومجلس الشيوخ والكونغريس الامريكي والبرلمان الكندي"، فليست سوى "عرانيق عُلا، وخيرها لا يرتجى"...
ومن موقعي المبدئي في خدمة قضية الجماهير الشعبية المضطهدة وفي مقدمتها الطبقة العاملة، وكما أتضامن مع كافة المعتقلين السياسيين وعائلاتهم وأناضل من أجل إطلاق سراحهم، أتضامن مع حزب النهج الديمقراطي وأدين المنع الذي يتعرض له.
وفيما يلي "الطلب" العجيب والغريب لمركز حقوق الانسان:
"وزارة الخارجية الامريكية و الكندية و مجلس الشيوخ و الكونغريس الامريكي و البرلمان الكندي
الموضوع: منع حزب النهج الديمقراطي المغربي من عقد مؤتمره الوطني.
على الرغم من أن النهج الديمقراطي حزب مغربي معترف به قانونيا، ويمارس نشاطه في إطار ما يكفله القانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، إلا أنه يتعرض، كما العديد من الجمعيات والمنظمات المدنية، لمسلسل من التضييق الممنهج والمنع المتواصل، كان آخرها عرقلة وزارة الداخلية عقد المؤتمر الوطني الخامس لحزب النهج الديمقراطي، علما بأن حالة الطوارئ الصحية لم يعد معمولا بها: فالملاعب الرياضية مفتوحة
في وجه العموم، مثل باقي الانشطة الرسمية العمومية..
على الرغم أن القانون المغربي يعتبر "الاجتماعات العمومية حرة"، وإن عقدها لا يتطلب الحصول على إذن مسبق، شريطة القيام بوضع "تصريح لدى السلطات الإدارية لمكان الاجتماع"، إلا أن السلطات المغربية، تضغط على مسؤولي الجماعات المحلية ومديري المؤسسات الجامعية لكي تشترط الحصول على ترخيص مسبق من هذه السلطات قبل الموافقة النهائية على
استفادة الاحزاب المعارضة مثل حزب النهج الديموقراطي من القاعات المخصصة الانشطة الثقافية والسياسية..
نظرا، لما يكتنف هذه الممارسات من تجاوزات وانتهاكات، ليس فقط لالتزامات المغرب الأممية بموجب المواثيق والعهود الدولية، ذات الصلة بالحق في التنظيم والتجمع والمشاركة السياسية، وإنما أيضا بالاستناد إلى القوانين والتشريعات الجاري بها العمل، وفي مقدمتها الدستور وقوانين الأحزاب والحريات العامة؛
فإننا كمنظمة حقوقية نطلب منكم التدخل لدى الدولة المغربية
لحثها على احترام القانون، وتمكين حزب النهج الديمقراطي من عقد مؤتمره الوطني الخامس دون أي قيد أو شرط وخلق شروط انفتاح سياسي على قوى المعارضة و المجتمع المدني لتفادي كوارث اجتماعية.
بلعيد البوسكي
رئيس المركز
نيويورك في 7 يوليو 2022"