2023/01/16

وكزيز موحى//أسس القوانين المالية لقانون المالية لسنة 2023 بالمغرب، أي دولة؟


لن أتناول موضوع قانون المالية العامة (Droit des finances publiques) بموجب سنة
2023 فقط من زاوية قانون الميزانية (Droit budgétaire) لاعتبارات كثيرة منها ما هو منهجي لأن الرأي العام وأغلب المهتمين والفاعلين لا يميزون بين الإثنين، ولِأن تناول أرقام الميزانية، تأييدا لها (حال الصحافة والأحزاب المؤيدة للنظام) أو حتى نقدها والإحتجاج عليها (حال القوى المعارضة للنظام )، لا معنى له دون محاولة فهم ونقاش الإطار العام المتحكم قانونا وفعلا بدواليب المالية العامة. 

تعتبر المالية العامة (les finances publiques) مجموع القواعد القانونية المتعلقة بموارد ونفقات الدولة (Etat)، الجماعات المحلية ( collectivités territoriales) ومؤسساتهما العامة (établissements publics) و يتم مقاربة المالية العامة  من خلال منظور إقتصادي بما في ذلك المحاسبة  وقانوني يعني المبادئ والقواعد والمساطير المنطبقة على المال العام و منظور إجتماعي بما يعني المبادئ والقواعد المنطبقة على الخدمة العامة (le service public)  وأخيرا المنظور السياسي، التأطير العام للمجتمع ونظامه السياسي وأهدافه الطبقية. بالتالي يَعبُر ويُؤسس قانون المالية، عموديا وأفقيا، كل قطاعات الحياة المجتمعية إنطلاقا من الفرد-المواطن، الإسرة، الفضاء العام، البنيات التحتية، الخدمة العامة الإقتصادية والإجتماعية، الإدارة، المؤسسات، الإنتاج، الخ. باختصار إنه العمود الفقري للهيكل والجسم المجتمعي. المادة الناظمة لحياة المجتمع.  

يتضمن قانون المالية لسنة 2023 قواعد ومبادئ وتوجهات سياسية تخص كل المجالات وتضم  قانون الميزانية، قانون الضرائب وقانون المحاسبة. ينطبق هذا القانون على مالية الدولة ومؤسساتها، الجماعات المحلية ومؤسساتها وعلى الضمان الإجتماعي وصناديقه.

ما قد لا يعلمه الرأي العام ولا يغوص فيه الباحثون وتَقِل الدراية به حتى من طرف من يهتم بالسياسة والمجتمع لهذا الغرض او ذاك، هو أن قانون المالية محكوم بأسس ومبادئ وقواعد أعلى منه ولا إمكانية له لعدم الإمتثال لها. ويتم تناول هذا الموضوع فقط من طرف الصحافة والباحثين  والدارسين المؤيدين للنظام الرأسمالي والمنشغلين  بالدرس وبالترويج  للطروحات والمذاهب (thèses et théories) الرأسمالية في كل المجالات بما في ذلك المختبرات العلمية والأكاديمية…  

ينبني القانون التنظيمي/العضوي المتعلق بالقوانين المالية الذي يعد ذا قيمة دستورية بل انه الدستور المالي بعينيه (la loi organique relative à lois des finances, la LOF), أي هو القاعدة الأعلى المنظمة لقانون المالية لكل سنة مالية. ينبني الدستور المالي la LOF الذي تم تشريعه سنة 2015 والمطبق منذ سنة 2020 كرد على حركة 20 فبراير، على الأسس والمبادئ التي تعتمد المفاهيم التالية :

-  منطق الربح بأقل الوسائل résultats avec moins de moyens    

الأداء la performance

الشفافية transparence/glasnost

الحكامة la gouvernance

الشراكة partenariat

القاعدة الدهبية la règle d’or

الكفاءة l’efficience

الإنصاف Equité 

التعاقد عوض النظام الأساسي contractualisation en lieu et place du statut

قبل تحديد وتوضيح هذه المفاهيم التي تؤطر مذهب القانون الدستوري المالي (la LOF) المتحكم في دواليب المجتمع ككل أود أن أشير أن هذه المفاهيم يتم استعمالها وتداولها يمينا وشمالا من طرف الكل، افراد، مؤسسات، أحزاب، نقابات، يسار، يمين، صحافة الخ، دون الوقوف عند معانيها ودلالتها. بل في كثير من الأحيان يُعتمد عليها من اجل التضليل وإخفاء المرامي والأهداف الأساسية والحقيقية للسياسات الليبيرالية المتبَعَة.

بالنظر لمفهوم الشفافية وهو الأكثر إشاعة والأكثر تداولا فهو لا يعني فتح الأبواب شاسعةً كما يُعتَقد أمام المواطن ليتمكن من حقوقه وواجباته وليمارس سلطاته لمراقبة وتوجيه المال العام وسلوك الإدارات العامة والخاصة في كل المجالات لتلبية مصالحه العامة والخاصة. إن الشفافية هنا لا علاقة لها بما يعتقده المواطن ويتم الترويج له. إن الشفافية مفهوم ورؤية سياسية (acception) تتجلى في فتح الأبواب على مصراعيها أمام الرأسمال ليتمكن من الولوج للقطاعات العامة بما فيها القطاع الإداري ليجلب منها الأرباح. وهذا ما تطلب ما سمي بالإصلاحات الإدارية العامة (les réformes de modernisation des administrations publiques) والكل يتذكر  سياسة الكلاسنوست  (Glasnost) التي امر وعمل بها كورباتشوف (Gorbatchev)  ضد البيروقراطية ليمكن الرأسمال من الاستحواد على كل المجالات الاقتصادية. إن الشفافية لا علاقة لها بالديمقراطية. أول ما استهدفه الرأسمال باسم الشفافية هو المؤسسات العامة التجارية والصناعية   (EPCI) كالكهرباء الإتصالات، الماء، النقل، كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات العامة الإدارية  (EPA) والمرافق الإجتماعية. 

ليتمكن الرأسمال من أهدافه التوسعية وفرض قوانينه الإنتاجية إستهدف، ليس فقط المؤسسات السالفة الذكر اعلاه، بل عمل على تغيير الميكانيزمات والقوانين المتحكمة في دواليب الدولة وسلطتها واستبدل مفهوم الحُكم بما اصبح يسطلح عليه بالحَكامة  (gouvernance)، أي ان الحكم (le pouvoir)  اصبح متعدد المصادر، بمعنى اخر انتقل مصدر السلطة السياسية الى مواقع المؤسسات المالية الكبرى التي تتحكم مباشرة بالقرار السياسي على كل الاصعدة، وهذه هي الحَكامة وليس كما يتخيل الجميع بما في ذلك المواطن العادي وحتى المناضل جماعة وافرادا، الحكامة كما هو شأن الشفافية لا علاقة لهما بالديمقراطية كما يروج له.

لم ولن يتخلى الرأسمال عن منطقه المركزي الا وهو منطق الربح (le profit) بأقل تكلفة، وهذا ما عمل به وهو يغزو القطاعات العامة الصناعية والتجارية والإدارية والإجتماعية الخ وبما انه اصبح المصدر الرئيسي للقرار في كل المجالات والمالية العامة اولا بأول، سن قوانين وقواعد تلزم الدولة بالتخلي عن وظائفها كما كان الأمر سابقا وأصبحت كل وظائف الدولة ( الدولة هنا بمفهومها العام) تخضع لقانون الإنتاج الرأسمالي، أي الربح والنتيجة، بما في ذلك أو على رأس ذلك وظيفة الخدمة العامة (le service public) وهذا ما يفسر إلغاء النظام الاساسي للوظيفة العامة او العمومية (le statut de la fonction publique) واستبداله بنظام اخر الا وهو نظام التعاقد ( le régime de la contractualisation du service et de la fonction publics) وبالتالي عدم استقرار وهشاشة الخدمات العامة وخوصصتها بشتى الاشكال والطرق. وهكذا يصبح  الموظف (le fonctionnaire) بموجب هذا القانون أجيرا ( le salarié) ويصبح رئيس أو مدير الإدارة (le chef de service ou le directeur fonctionnaire)  رب عمل  (patron) بمعنى ان العلاقات الإدارية التي كانت تنظم العمل بين الموظفين بشتى رواتبهم من اجل اداء الوظيفة العامة أصبحت علاقات يحكمها العقد (le contrat) من أجل تحقيق الاهداف والنتيجة (الربح) التي حددها سلفا رب العمل وفق منظور محاسباتي (comptable) كما هو الشأن بالنسبة لأي باترونا  (patron) او رأسمالي هدفه الاساسي هو الربح باقل المصاريف،

اما الشراكة (le partenariat) فهي الإطار العام/العقد  الذي عبْرَه يتم تفويض الخدمة العامة للقطاع الخاص بموجب عقود إنجاز مشاريع مربحة للخواص في القطاعات العامة ( الصحة، التعليم، الصيدلة، الثقافة، السياحة، السكن، الخ). وبالتالي فالدولة لم تعد ملزمة قانونا وفعلا بالخدمة العامة بشكل مباشر بل وفقط عن طريق الوكالات والمؤسسات الإدارية المستقلة(agences et autorités administratives indépendantes) التي تعمل على شاكلة لوبيات (lobbys). 

كل المفاهيم التي يقوم على اساسها القانون التنظيمي المتعلق بقانون المالية لسنة 2023 وللسنوات المالية المقبلة  لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بما اصطلح عليه قانون المالية لسنة 2023 وتصريحات وزيرة المالية بالدولة الإجتماعية (Etat-providence ou social). على العكس من ذلك تماما. ان الدولة تحولت من دولة حاكمة ( un Etat qui gouverne) (بدون الغوص في ماهية وطبيعة الحكم) الى دولة ناظمة ( un Etat régulateur ou arbirte) أي دولة بدون سيادة حقيقية يمكن اختزال مهامها في ترتيب الوضع الجديد الإداري والقانوني والإجتماعي للإنتاج الرأسمالي، هذا من جهة ومن جهة ثانية ضمان استمرارها واستقرارها، كل هذا على انقاض مصالح الطبقات المشكلة للشعب المغربي ومصلحته العامة. تبقى الإشارة ختاما ان القانون العضوي (la LOF) مستوحى مع بعض التعديلات من القانون العضوي الفرنسي المتعلق بقانون المالية ( la LOLF) الذي سنه البرلمان الفرنسي سنة 2001 ودخل حيز التنفيد منذ 2006 والكل يعلم اليوم مدى تدهور الخدمة العامة والاجواء السياسية والاقتصادية والإجتماعية الان بفرنسا.  

وكزيز موحى، فرنسا، 15/01/2023

بعض المراجع





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق