عقدت الهيئة الاستشارية* للجمعية المغربية لحقوق الإنسان اجتماعها الأخير يوم 18 أبريل 2016، أي عشية المؤتمر الحادي عشر (22 و23 و24 أبريل 2016).
وتركز النقاش بالخصوص على نقطة ما سمي للتلطيف ب"الملاءمة أو المطابقة" (مقرر استثنائي، بل عجائبي، مقرر يسيء الى مبدعه كما يسيء الى الجمعية، مقرر يدشن لممارسة لا تليق بتاريخ جمعية مناضلة وبتضحيات مناضلاتها ومناضليها. ويتعلق الأمر بفذلكة تلوي عنق ضوابط الجمعية و"تشرع" (تشرعن) لاستمرار بعض أعضائها في المكتب المركزي، وذلك بعدما لم يعد بإمكانهم ذلك وفق القانون الأساسي). وأتساءل (حقوقيا وسياسيا): لماذا رحب بذلك، وبالخصوص، المحسوبون على الحزب الاشتراكي الموحد وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي (من المكونات السياسية داخل الجمعية)؟!! ما علاقة ذلك ب"الكوطا" و"لجنة الترشيحات"؟!! وأين المقاربة الحقوقية القائمة على مبدأ الكفاءة والالتزام والمسؤولية؟!! الشمس لا تحجب بالغربال!!
وبعد أن عبرت أثناء الاجتماع عن رفضي لهذا "الاجتهاد" الغريب الذي لا يشرف الجمعية، بل ويشكك في مبدئيتها (الترديد الدائم لاحترام الجمعية لمبادئها والتزاماتها، بما في ذلك عقد محطاتها التنظيمية –المؤتمر الوطني مثلا- في الوقت العادي. ما معنى احترام دورية المؤتمرات الوطنية للجمعية وذبح مبادئها أمام الملأ؟)، وجهت رسالة داخلية الى كافة عضوات وأعضاء الهيئة حول الموضوع وبكثير من الرفاقية والمسؤولية.
إنه امتحان حقيقي عن مدى ديمقراطيتنا، نحن "الديمقراطيون"، هل نحن فعلا "ديمقراطيون" أو بأحد المعاني، هل نحن فعلا "حقوقيون"؟
وماذا بعد؟ لقد تم الانتصار إبان المؤتمر للممارسة الانتهازية غير المبدئية.
وبما أن "الديمقراطية العددية" القائمة على قاعدة "انصر أخاك" الانتهازية قد فرضت نفسها ومررت ما شاءت من "كوطا" فجة ومواقف لا حقوقية، وكما دائما بما في ذلك "الاجتهاد" الغريب عن مبادئ الجمعية (وكما وصفه أحد الرفاق "مقرر آخر الليل" الذي لم ينل رغم ذلك إجماع المؤتمرين الحاضرين، كما تدعي المزاعم التي تعبر عن التضليل وسوء النية)، ولأن هذه الممارسة غير المبررة وغير المستساغة تطعن في مبدئية الجمعية وتشكل انقلابا على قوانينها تجسيدا لحسابات سياسوية تخدش صورة الجمعية، أنشر الرسالة المذكورة للتاريخ متأسفا على المآل الذي تم تدشينه على خطى ممارسات بائدة تنهل من قاموس الأنظمة الرجعية والإطارات الإدارية المصنوعة على المقاس، وتنضاف الى تراكمات قديمة غير مقبولة، بل وبعيدة عن الممارسة الحقوقية المبدئية (أدينا ونؤدي ثمنها السياسي غاليا)، وأحمل المسؤولية للأطراف السياسية التي "تستخدم الجمعية" (تخدمها أو لا تخدمها؟ سؤال مفتوح)، لأني أرفض أن تكون الجمعية مقدسة أو أن تكون فوق النقد البناء والمبدئي (بعيدا عن التحامل المغرض للكثير من الجهات التي تصطاد في كل المياه، وكما قال أحد مناضلي الجمعية "لغط الرصيف")، و"أرحب" من باب القوة والمبدئية بالسهام المسمومة لحواري "الشيطان" باسم الغيرة على الجمعية والدفاع عنها، التي تدافع عن الشيء ونقيضه بدون خجل، وتضع النقد سواء البناء أو الهدام في خانة "المؤامرة" (الجمعية ليست في حاجة لمن يدافع عنها):
الملاءمة أو المطابقة، أي معنى؟
شخصيا، فوجئت بفكرة/مقترح حول منح الفرصة من داخل المؤتمر لبعض المناضلين داخل المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لإعادة انتخابهم في نفس الجهاز التنظيمي للجمعية، بعدما استحال ذلك وفق القانون الأساسي.
ومصدر المفاجأة هو طرح مثل هذه الفكرة/المقترح داخل الجمعية. علما أننا كنا "ننكت" (من نكتة) بمثل ذلك عندما كان يحصل داخل بعض الأحزاب السياسية أو بعض النقابات أو بالنسبة لبعض رؤساء الدول...
يمكن قبول التعديل/"التصحيح" في ظروف عادية (أي دون أن يعني الأمر الرئيس الذي أتم ولاية واحدة أو ولايتين متتاليتين)، ويمكن تفهم كل المبررات التي تساق لقبول الفكرة/المقترح الآن وبدون تحامل أو تجريح أو تشكيك في النوايا، رغم أن تفهمها بالنسبة للجمعية لا يشفع لعدم تفهمها لغير الجمعية (حلال علينا حرام عليهم). لكن هناك ما يفرض رفض الفكرة/المقترح، وفيما يلي أهم عناصر الرفض:
- هل استبد العقم بالجمعية لهذا الحد، أي غياب من يتحمل المسؤولية في صفوفها (نساء، شباب، طاقات مناضلة من مختلف المشارب...) ويقودها نحو أفق أفضل؛
- إن اعتماد الفكرة/المقترح إعلان عن (اعتراف ب) فشل الجمعية في إنتاج وتأهيل الطاقات المناضلة لتحمل المسؤولية، رغم كل الجهود التي بذلت والطاقات والإمكانيات التي جندت ورصدت لذلك؛
- ضرب مصداقية الجمعية والتشكيك في مبدئيتها أمام الرأي العام وأمام مناضلاتها ومناضليها؛
- مدى احترام ذكاء المناضلات والمناضلين والشعب المغربي عموما، لأن الجمعية رصيد للجميع وأمانة في يد الجميع؛
- فسح المجال للطعن في الجمعية وتشويه صورتها التي رسمت بتضحيات العديد من المناضلات والمناضلين، وتقديمها بالكثير من التشفي والاستهزاء كإطار لا يختلف عن باقي الإطارات الانتهازية التي تعتمد "الديماغوجية" للانقلاب على شعاراتها والتنكر لمبادئها؛
- "إنتاج" سبة على جبين الجمعية بعد سنوات من العمل الجاد والمسؤول ومن التضحيات والاجتهاد والإبداع.. كيف ننسى المقولتين "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خير جمعية أخرجت للناس" و"كيف نتصور مغرب بدون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان؟"؟!!
- فسح المجال (السابقة) لمراجعة قوانين/ضوابط الجمعية وثوابتها بما يتماشى والمستجدات الظرفية أو مع مصالح مكوناتها، وذلك حسب موازين القوة أو تحت مختلف الضغوطات والإكراهات؛
- التشكيك في إمكانية خدمة الجمعية من مختلف المواقع التنظيمية وبإشراك كل طاقاتها، بما في ذلك الأجهزة القاعدية، وفي إمكانية متابعة مشاريعها وأوراشها من خارج المكتب المركزي أو اللجنة الإدارية؛
- تكريس "قدسية" الأجهزة التنفيذية السائدة في الإطارات الجمعوية وكذلك السياسية والنقابية، كالمكتب المركزي أو مسؤولية الرئاسة أو الكتابة العامة؛
- توقع انسحاب المناضلات والمناضلين من الجمعية بسبب فرض (بقوة الأغلبية العددية) إجراء غريب داخل الجمعية (قد يوصف بأقذع الأوصاف) لا ينسجم ومبدئيتهم، بل يعجزون عن تبرير أو تسويغ اعتماده أمام مناضلات ومناضلي الجمعية بالخصوص..
ملاحظة 1: أحترم الرفيقين العزيزين أحمد الهايج والطيب مضماض وأكن لهما كل التقدير والاحترام النضاليين.. وأتأسف للإحراج المفروض بسبب الغيرة النضالية على الجمعية.. إنها المسؤولية تجاه صرح شامخ كان يشرفنا الانتماء إليه..
ملاحظة 2: لم أناقش عدة قضايا قابلة للنقاش لسببين اثنين. السبب الأول هو أن إطار النقاش هو أجهزة أخرى للجمعية، بما في ذلك المؤتمر. والسبب الثاني هو أن كل هذه القضايا "مقبولة" في إطار الحق في الاختلاف وتعدد الرؤى مع استحضار موازين القوة داخل الجمعية..
-انتهت الرسالة-
* المادة 14 مكرر من القانون الأساسي:
ــ تشكل الهيئة الاستشارية للجمعية من سائر أعضاء المكتب المركزي الحالي ومن أعضاء المكاتب المركزية السابقة الذين مازالوا أعضاء في الجمعية.
ــ تجتمع الهيئة الاستشارية، مرة في السنة وكل ما دعت الضرورة، للتداول في قضايا تهم الجمعية والأوضاع الحقوقية عامة. وترفع توصياتها للجنة الإدارية قصد البث فيها.
4 ماي 2016
شارك هذا الموضوع على: ↓