انفرادية بسجن "بولمهارز" بمراكش، لما يزيد عن أربعين (40) يوما. كانت الزيارة ممنوعة، أما "الفسحة" فلم تكن تتجاوز مدتها دقائق معدودة في ساحة فارغة. ولم أتخلص من أنياب تلك الوحدة القاتلة حتى انطلاق محاكمتنا (مجموعة مراكش 1984) في 07 ماي 1984. والتحقت بعد عودتنا من المحكمة بباقي أفراد المجموعة بحي العزلة، وبالضبط بالزنزانة رقم واحد، حيث اجتمع رفاق الشهيدين بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري.
قبل الاعتقال، لم أكن أطيق البقاء في البيت نهارا، ولو لوقت قصير. وعند غياب الأصدقاء والرفاق، ولأني لم أكن مدمنا على ارتياد المقهى، كنت أجد نفسي "مسمرا بباب الدرب" أحصي المارة وأعد تفاصيل الحي وأوزع التحايا يمينا وشمالا...
وحصل أن اجتزت حجرا قمعيا (فترة التعذيب) لحوالي شهر بدهاليز كوميسارية جامع الفنا، ثم حجر الزنزانة الانفرادية، ومحطات عديدة إبان الإضرابات عن الطعام المحدودة وغير المحدودة، من الحجر داخل الكاشوات والزنازن الانفرادية والجماعية وغرف المستشفيات (مراكش واسفي والدار البيضاء). وكان أطول حجر مصحوب بالإضراب عن الطعام قد فاق ست سنوات (1985-1991) بأقبية المركز الاستشفائي ابن رشد (موريزكو) بالدار البيضاء، بدون زيارة وبدون أي صلة مع الخارج، باستثناء تضحيات جنود الخفاء...
لم أكن أرى طيلة ذلك الحجر القسري (28 مارس-07 ماي 1984) سوى وجه سجان يدعى البركاوي، مع بعض الاستثناءات المنفلتة. والى الآن وصورته لا تفارق ذاكرتي وكذلك صورة سيده الهراوي، الآمر والناهي ب"بولمهارز".. كم كان مزعجا، بل كم كان مرعبا بطريقة إغلاقه أبواب الزنزانة!! كان سجانا بكل معاني الكلمة.. عايشت العديد من السجانين، لكن البركاوي يستحق لقب سجان عن جدارة.
مرة، انتبه الى جملة منقوشة على أحد جدران زنزانتي تعبر عن الصمود وتدعو الى المقاومة "سنصمد ولن نركع"؛ فتوجه الي بالسؤال: كيف كتبت ذلك؟
لم أجبه ضدا وبالخصوص على "نباهته" واجتهاداته و"صرامته"، فانصرف الى حاله دون أن يثار الموضوع مرة أخرى..
كما تعلمون، فالمعتقل يجرد من كل الأشياء الصلبة التي قد يستعملها سواء ضد نفسه أو ضد الآخر، بما في ذلك رباط الحذاء (LACETS).
إذن، كيف النقش على حائط الزنزانة؟
ببساطة، استعملت سلسلة (سنسلة) سروال "دجين" الذي كنت أرتديه. فرغم صغر حجمها، قامت مشكورة بالواجب...
واعتزازا بدروس تجربة الاعتقال، أتقاسم معكم بوحا/سرا آخرا. ويهم هذا الأخير حجر أقبية "موريزكو".
كان الحصار المضروب علينا محكما، خاصة وعزلنا فوق المقاطعة، حيث وجود القوات المساعدة الدائم. وكان من الصعب التواصل مع الخارج. واقترحنا على أحد الرفاق مع اقتراب انتهاء مدة اعتقاله "إخراج" بيان موقع بأسمائنا.
كيف ذلك، وقد يخضع للتفتيش الدقيق؟
لم يكن أمامنا، أو الأصح أمام الرفيق سواء وضع البيان في "بلاستيك" محكم الإغلاق ثم ابتلاعه ليلة مغادرته قلعتنا.
وذلك ما حصل، وبنجاح..
كل التحية والتقدير لذلك الرفيق العزيز..
إنها شهادة للتاريخ..
كل التحية للمعتقلين السياسيين وعائلاتهم...
ولنناضل من أجل إطلاق سراحهم الآن...
ملاحظة: مصدر البوح/السر الثاني هو فيلم "PAPILLON"، وهو مصدر فكرة الذهاب والإياب داخل الزنزانة رغم ضيقها. وقد اعتمدت ذلك بتحد ومتعة داخل زنزانتي الانفرادية...
شارك هذا الموضوع على: ↓