18‏/01‏/2021

محمد حومد// التطبيع الرسمي المتجدد إلى أين؟


لا يخفى على الجميع أن النظام القائم بالمغرب يسعى ومنذ زمن بعيد إلى
ربط علاقات ديبلوماسية رسمية وعلنية مع الكيان الصهيوني، وأن ترفرف النجمة السداسية فوق التراب الوطني دون أدنى إحراج للمواطن المغربي؛ محاولات باءت كلها بالفشل وراح مكتب الاتصال من حيث أتى؛ وها هو يحاول مرة أخرى، فماذا تغير؟ ولمصلحة من؟

استغل النظام القائم عدة عوامل أساسية ومهمة لمحاولة تمرير المشروع الصهيوني.

 * داخليا:

 رأى النظام في حزب العدالة والتنمية الحزب ''الحاكم'' الفرصة المواتية لتمرير مخططه، ليس لأن الحزب يعارض المشروع الصهيوني، بل العكس فهو يعلم أنه حزب من هندسة عبد الكريم الخطيب الرجل التاريخي للنظام بامتياز، ولكن لأهمية دور فقهاء وقياديي الحزب في ترويض قواعده للقبول بالمشروع من جهة، ومن جهة ثانية العمل على إقناع وإسكات صوت حليفته التاريخية جماعة العدل والإحسان قيادة وقواعد، على شاكلة طعنتها "لليسار" الذي راهن عليها في حركة 20 فبراير عندما انسحبت من الحركة بدون سابق إنذار. إنهم مستعدون للاجتهاد فقهيا من أجل تبرير مواقفهم إلى حد التناقض، ويبقى هدفهم الوحيد هو القضاء على "اليسار" بكل تلاوينه، ونتمنى أن تستوعب قواعد هذا اليسار خطورة محاولة التنسيق مع هذه القوى الظلامية أو مجاملتها، نعم ستعمل جاهدة على ترويض قواعدها ولكن لن تستطيع ترويض الجماهير الشعبية.

 الرهان على الوضع السياسي الصحي المستجد والمرتبط بالوضع الدولي، فسياسة الحجر الصحي عامل يراه النظام ملائما للحد من أي انفجار جماهيري شعبي، وهذا ما جعل البعض يعتقد بأن المشروع سيمر بسلام وأمان، إلا أن الوضعية التي يجتازها الشعب المغربي حاليا لن تساهم إلا في غليانه، لأنه يعيش في حصار اقتصادي بامتياز سيزيد في تأزيم الوضع أكثر فأكثر..

 الرهان الآخر، هو الاعتماد على بعض العناصر الشوفينية التي ترى في القضية الفلسطينية مشروعا يتناقض مع بعض أهدافها وبالتالي القطع معها هو في مصلحتها وخدمتها، وفي طرف آخر من داخل هذه العناصر أكثر تقدما يرى في مأساة ومعاناة أبناء المناطق النائية والجماهير المهمشة اهتماما أولى من الاهتمام بمآسي الشعب الفلسطيني أو على الأقل هو غير معني بذلك، وهو يجانب الحق، خصيصا لما نرى بعض المناضلين متحمسين أكثر حينما يكون المشكل في غزة ولا يحركون ساكنا عندما يتعلق الأمر بمعاناة فئة واسعة داخل الوطن، و يبقى هذا الرهان محصورا جدا، فهذه العناصر لن تتجاوز التأثير على بعض قواعدها الجد محدودة.

*  خارجيا:

  الوضع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

 منذ زمن بعيد أصبحت القوى الفلسطينية وعلى رأسها حركتا فتح وحماس بمثابة الملجم الرئيسي لأي تحرك شعبي فلسطيني، ففي الضفة الغربية تحاول فتح أن تتمظهر بسلطة وهمية وحكومة ورئاسة لا وجود لهما على أرض الواقع، بينما حماس مكتفية بسياج وسلطة غزة الممنوحة وكلا الحركتين يقتات بالمساعدات المالية من الخارج، أما الشعب الفلسطيني فمحاصر مرتين، بين وهم السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وكلاهما يلوح بحل الدولتين، ولا مانع من الاعتراف والاعتراف المتبادل. وهكذا اتخذت القضية الفلسطينية منحى آخرا، وهو الصراع من أجل السلطة السياسية من داخل البيت الفلسطيني، ساهمت فيه كل من القيادة الفلسطينية الوازنة والقوى الظلامية بتنسيق مع العدو، مما مهد الطريق لمجموعة من الأنظمة للدخول في علاقات تجارية وديبلوماسية مع الكيان الصهيوني. وهذا التشويه المقصود غيب المشروع التحرري، مشروع كل حركات التحرر الوطني عالميا، المنافض لمصالح الثالوث الامبريالي الصهيوني الرجعي.

إن السؤال المطروح حاليا، ماذا سيستفيد الشعب المغربي من التطبيع مع الكيان الصهيوني؟

إن الشعب المغربي يعاني الاستغلال ويرزح تحت نير الاضطهاد والتهميش الطبقيين، والأزمة الاقتصادية الخانقة. والكيان الصهيوني بغض النظر عن تاريخه الدموي وعما يروجه الإعلام العميل له من كونه بلد الديمقراطية ومطور التيكنولوجيا والصناعة...، فالشعب المغربي المهمش لا يرى فيه الوجهة الحاضنة أو أرض الترحيب التي يرغب فيها، والتي قد تحل البعض من المعاناة الاقتصادية له، مثل أوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية حيث الإنتاج ضخم واليد العاملة في طلب مستمر على جميع الأصعدة، والتي يضع مصير حياته أو الهجرة إليها في كفة واحدة، إنه لا يشكل وجهة وازنة لأي شعب من شعوب العالم المهاجرة إليه  من أجل تحسين وضعيتها الاقتصادية لأن ليس هناك ما يغري، هذا بالنسبة لجزء كبير يريد مغادرة الوطن.

 أما على مستوى الاستثمار وخلق كثرة فرص العمل لانتشال الجيوش العاطلة من الفقر المدقع كما يتوهم البعض، فالكيان الصهيوني لم يتجاوز منذ فبركته كونه دولة مصطنعة تهش بها الإمبريالية على غنمها لا وجود لشركات من حجم التروستات الأمريكية أو الفرنسية هذا إذا سمحت له هذه الأخيرة بمنافستها في الفتات المتبقي، والتطبيل للسياحة هو ضرب من الأوهام.

إن بعض الأنظمة والتيارات السياسية في المنطقة تدعي وتتبجح بعدم التطبيع وتدعي دعم القضية الفلسطينية لتسويق الوهم للجماهير، إنها تدعم تيارات سياسية فلسطينية بعينها لا تشكل إحراجا لها مع حلفائها الدوليين، والشعب الفلسطيني يرزح تحت رحمة هؤلاء، إن أضعف الإيمان في دعم القضية الفلسطينية هو فضح العدو الصهيوني، وفضحه لن يتأتى إلا بمواجهة الإمبريالية التي تقف بجانبه، فهل تتجرأ هذه الأنظمة أن تطرد سفراء الامبريالية من أراضيها، وهذه التيارات، أن تضع حدا للرهان عليها، إن توضيح الواضحات من المفضحات...

 إن الشعب المغربي والشعب الفلسطيني وشعوب العالم لن تقبل بالتطبيع، ليس مع الكيان الصهيوني فحسب بل مع الامبريالية والرجعية، فأدنى هزة شعبية من فلسطين أو من قطر آخر ستعجل بعودة التطبيع من حيث أتى...

والعديد الكبير لشهداء الشعوب المضطهدة من أجل فلسطين يعبر عن الرفض القاطع للتطبيع بكافة أشكاله. ولشعبنا شرف استشهاد أبنائه من أجل القضية الفلسطينية كقضية وطنية، ونذكر وبالمناسبة استشهاد زبيدة خليفة وعادل أجراوي في 20 يناير 1988، وقبلهما الشهيد محمد كرينة وبعدهما الشهيد عبد الرزاق الكاديري وشهداء كثر لا يسع المجال لتعدداهم مع كامل الاعتذار...





شارك هذا الموضوع على: ↓


تعليقات فايسبوك
0 تعليقات المدونة

0 التعليقات:

إرسال تعليق