ليست العودة الى الماضي دائما سلبية كما يوهم من لا ماضي له،
أعود الى العنوان، أي "شمبانزي"..
كم أفتخر بصُحبة مجموعة من الأصدقاء الرائعين والأوفياء، حيث من "المستحيل" أن تطرق باب أحدهم ويردك خائبا. ويحصل من حين الى آخر أن نتبادل أطراف الحديث عن تجربة اعتقالي. ومؤخرا، سرقنا (صديق حميم وأنا) البوح الشيق وألقى بنا في غياهب ماض سحيق: سجن اسفي، في يوليوز 1984.
في بداية الإضراب اللامحدود الذي استشهد إبانه رفيقانا بوبكر الدريدي ومصطفى بلهواري تم توزيع مجموعتنا على سجون مراكش واسفي والصويرة. وكان حظي الى جانب مجموعة من الرفاق المحكومين بسبع (7) سنوات الى خمسة عشر (15) سنة (مضربون وغير مضربين) أن تحط بنا الحافلة بسجن اسفي.
دخلنا "القلعة" بشعارات ثورية مُدوية أزعجت طاقم الحراسة واستفزت مديرها. وكرد انتقامي غير متأخر، زُج بالمضربين في عنابر منفردة وتم تجريدهم من ملابسهم وإجبارهم على ارتداء "بدلة" السجن المهترئة والمتسخة تحت وابل من السب والشتم والصفع والجلد بسوط (كرباج) ينفذ الى "العظم".
كان يتم ذلك من عنبر الى آخر، بواسطة أعداد كبيرة من الحراس وتحت أعين مدير السجن.
وعندما اقتحموا العنبر الذي "رماني به الوعد والمكتوب"، مزقوا ثيابي وتسلمت نصيبي كاملا من السب والشتم وأيضا حصتي الوافرة من الصفع والجلد بذلك السوط/الكرباج العجيب..
والمُثير المُبكي والذي أثار ضحك بعض الزبانية المتحلقة حول جسدي النحيف جراء الإضراب عن الطعام والمُلقى على الأرض هو "جُملة" نابعة من فم جلاد حاقد ومتشف: "شوف دين مو شمبانزي"..
بدون شك، استوحى الجلاد الخبيث "جُملته" الحقيرة من الشعر الذي كان يكسو جسدي العاري تماما ولحيتي الكثة وشعر رأسي المنفوش..
نعم، إنها حكاية "الشمبانزي"..
وفي العودة اليها بفضل صديقي اللطيف، بالنسبة الي على الأقل، آية صمود وشموخ...